العزيز فضل

من ناحية مبدئية فأنا لا أرفض فكرة الله، ولا أعتقدها من سبيل "اللاممكن".
وأتفق مع الوضعية الأولى التي تقترحها والتي هي بالأحرى شعور وينبع من فكرة لدينا تقول بأن هناك ما هو أعلى من المادة يمكن أن يطلق عليه البعض الله أو الكون الكلي فوق المادي (ولا يعني كونه فوق مادي أنه لا يحتوي المادة أو أنه ألوهي بالمعنى الديني له) وهو كون يحتوي المادة وحيوتها أي صيرورة الحياة فيها. ومع ذلك فلا نملك أي أدوات علمية ومنطقية للاستدلال على هكذا استنتاجات، إذ أن هذه الأمور تبقى في مجال الممكن ما دام لا يوجد شيء ينقضها، بل هناك ما يؤيدها في مجال الرياضيات وعلوم البيولوجيا (كالأعصاب).

بالنسبة للنقطة أو الوضعية الثانية فهي وضعية تاريخية اجتماعية كما أوردت ولكنها نسبية غير ثابتة، وهي بحقيقة الأمر ما تهمنا أكثر في حياتنا الاجتماعية. فبينما الوضعية الأولى تهمنا من خلال تصور وجودي شخصي نبحث فيه عن هدف مطلق أو نهائي لوجودنا، فإن الوضعية الثانية تردنا لأهدافنا الجمعية والاجتماعية وأحياناً السياسية.
الدين بهذه الحالة لا محالة مكون من مكونات وجودنا والألوهية لم تعد مفرز للفكر الفلسفي بل للتاريخي الاجتماعي والسياسي. ولم تعد تحتوي مجرد الرسالة التي فكر بها شخص ما كمحمد بل تراث تاريخي ديني فيه أيضاً الكثير من التعددية.
لذلك أرى من ناحيتي أنه من الأكثر فعالية لتطوير المجتمع هي أساليب تطوير الدين من داخله وطرق تصحيحه، ولكن بنفس الوقت فإن الصوت اللاديني الناقد ضروري لوضع الإصبع على تناقضات الدين والتي تمارس على أرض الواقع فعلاً وإدانتها مما يدفع لخروج إصلاحيين كشحرور مثلاً الذي ربما يحل بعض هذه الإشكاليات من خلال تأويلات وإن كنت لا أتفق معها ولكني أراها مهمة وواقعية أكثر من طرق المواجهة والصدام.
فلا يهمنا جمعياً تناول قضايا ثانوية دينياً كمفاخذة الرضع أو موضوع العبودية، بقدر ما يهم تناول قضايا المرأة وضرب الأطفال ومعاملة أهل الذمة والتسامح الديني داخل ذات المجتمع بفعالية.
فالمجموعة الأولى تنتمي لقضايا غير راهنة بينما الثانية راهنة ويعتمد عليها أهل الإسلام المتطرف لشد المجتمع للوراء.

والإنسان من وراء القصد.
مع فائق الاحترام.
(f)