{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
في صدد بعض الأصول الأخلاقية لعنفنا...
salim غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 262
الانضمام: Aug 2002
مشاركة: #1
في صدد بعض الأصول الأخلاقية لعنفنا...
ياسين الحاج صالح الحياة - 01/07/07//



قد يكون أبرز خصائص العنف المزدهر في مجالنا العربي الإسلامي خصيصته الأخلاقية. إنه قبل كل شيء عنف أخلاقي، يمارس كواجب باسم مبدأ أو عقيدة، ويقتحم أهلوه المخاطر بجسارة لنصرة قضية أو هدف، ولا يترددون في بذل الروح في مواجهة عدو. كيف يحصل إذاً أن تفانيا قل نظيره في عالم اليوم، وشجاعات لا مراء فيها، تقترن بتفكك مجتمعات العرب والمسلمين وتدهور أحوالهم السياسية والأخلاقية في كل مكان؟ ولماذا يفضي المزيد من التضحية إلى المزيد من الانحطاط المادي والمعنوي والسياسي في مجالنا الثقافي السياسي؟ يبدو لنا أن أكثر من نصف الإجابة يتمثل في نوعية الأخلاقية الموجهة للعمل العام على أوسع نطاق في بلادنا، وليس فقط في أوساط الإسلاميين والقوميين.

نستعير من ماكس فيبر تمييزا أساسيا بين أخلاق الاعتقاد وأخلاق المسؤولية، ربما يسهم في تفسير تلك المفارقة وإضاءة أحوالنا الثقافية والنفسية. وسنقول إنه تشيع في أوساطنا السياسية والدينية والإيديولوجية أخلاقية الاعتقاد، بينما تغيب تماما أخلاقية المسؤولية. فليسوا قلة في عالمنا العربي أولئك المستعدون للموت في سبيل أفكارهم، ولعلهم اليوم أكثر من أي وقت مضى. ولم يكن ضئيلا عدد الإسلاميين واليساريين الذي تحملوا تعذيبا وحشيا دفاعا عن قناعاتهم ومن أجل حماية إخوانهم ورفاقهم. وفكرتنا للبطولة تتصل بالاستعداد للفداء وبتحمل الأهوال في سبيل العقيدة أو المبدأ أو القضية. وهذا جوهر أخلاقية الاعتقاد التي تجد تربة خصبة في ثقافتنا. قد يتبدل السند الاعتقادي من القومية إلى الشيوعية إلى الإسلامية، لكن الأخلاقية تبقى ذاتها وتحتفي بالقيم ذاتها: التفاني والفداء والتضحية والبطولة، في مواجهة «عدو» لا بد من القضاء عليه.

قد تحث أخلاقية الاعتقاد على البذل والقيام بجلائل الأعمال، بيد أنها كذلك أخلاقية أنانية وعصبوية وطائفية، متمركزة حول حزبنا «العظيم» وأمتنا «الخالدة» وعقيدتنا «السامية» وجماعتنا «الرفيعة»، في مواجهة أحزابهم «الفاسدة» ودولهم «المنحطة» وعقائدهم «الكافرة» أو «الشريرة» و»شراذمهم السافلة»... وهي لا تضمن الالتزام تجاه الآخرين، من غير حزبنا أو طائفتنا أو ديننا...، ولو من أبناء بلدنا. فالواجب الاعتقادي لا يوافق الواجب الوطني إلا حين تكون الجماعة الوطنية مطابقة للجماعة الاعتقادية، وهذا نادر في مجتمعاتنا المركبة والمتعددة الأديان والمذاهب والإيديولوجيات. وأخلاقية الاعتقاد تصادر على التطابق بين «الجماعة» والأخلاق، فترفع الحماية الأخلاقية عن كل من هو من غير «جماعتنا»، أي ديننا وطائفتنا وحزبنا إلخ.

في المقابل تبدو أخلاقية المسؤولية، أي التفكير في نتائج أفعالنا وانعكاساتها المحتملة على من قد يتأثرون بها، ووجوب أخذ موافقتهم عليها إن كان مرجحا أن يتأثرون بها، واعتبار ذلك شرطا لسلامة الأفعال، يبدو خارج أفق تفكيرنا وحساسيتنا الأخلاقيين. وهي الأخلاقية الأنسب للعمل العام في الدولة الحديثة، الدولة التي طردت الحرب إلى خارجها، وأقامت نظامها الداخلي على الثقة والقانون.

البطل في أخلاقية الاعتقاد هو من يموت من أجل القضية، لكن هو من قد يقتل من أجل القضية أيضا. أما «بطل» أخلاقية المسؤولية فهو من قد ينتحر لأنه لم يقم بواجبه، أو لأنه ترتبت على قراراته أضرار على مواطنيه (ليس ثمة أخلاقية مسؤولية عالمية بعد إلا على نطاق ضيق، الدول تستهدي بأخلاقية الاعتقاد في مجال العلاقات الدولية). الاستقالة من المنصب والانتحار تعبيران عن رسوخ أخلاقية المسؤولية، وندرة المستقيلين والمنتحرين من «المسؤولين» في بلداننا، رغم ما عانته من كوارث وهزائم، تصلح مقياسا على غياب مبدأ المسؤولية ذاته.

والفارق الأهم بين أخلاق الاعتقاد وأخلاق المسؤولية أن الضمير ليس مستقلا في الأولى، إنه تابع للعقيدة ومثلها ومبادئها، فيما يقوم استقلاله في الثانية على استبطان فكرة الواجب وعموميته الكونية. بعبارة أخرى، ضمير المعتقد عقيدته، فيما للمسؤول ضمير ذاتي.

تحتفي أخلاق الاعتقاد لدينا بأربعة أدوار اجتماعية مكرسة ثقافيا: البطل والشهيد والضحية والخائن. ندافع عن مبدئنا، فننتصر، فنغدو أبطالا؛ أو نخفق، فنحن ضحايا الأعداء أو الظروف؛ أو نموت، فنحظى بالشهادة؛ أو نجبن، فنكون متخاذلين وخونة. أما في أخلاقية المسؤولية فننجح في القيام بواجبنا فننال الاحترام، أو نخفق فنتحمل اللوم.

ونميل إلى أن هيمنة أخلاقية الاعتقاد في حياتنا الثقافية والسياسية تعود إلى كون بنى السياسة والسلطة في بلداننا ومنطقتنا صراعية وتنازعية، تقوم على العداوة والمواجهة والحرب. والحرب تقوم تفضيليا على أخلاقية الاعتقاد، بالخصوص في ظل اختلال موازين القوى لمصلحة دكتاتوريات داخلية وإقليمية وحشية. في مثل هذه الشروط تبقى البطولة والتضحية شيئا مرغوبا.

بعبارة أخرى، تلتقي شروط واقعية تختزن كثيرا من العنف مع استعدادات ثقافية ذاتية لتدعيم أخلاقية الاعتقاد وإضعاف أخلاقية المسؤولية. وإذا هي تعلي من الرد على العنف بالعنف، أو مقاومة الجور بالعنف، فإن أخلاقية الاعتقاد لا تصلح أساسا لرفض العنف وإدانته. كما لا يمكن أن يتأسس عليها قرار ثقافي، ولا نقول قرارا سياسيا أو محض إجرائي، بالتوقف عن العنف. وهو ما يعني أنها تسهم في إغلاق دائرة خبيثة من الأوضاع الجائرة ومن ردود الأفعال الثأرية والعنفية ومن الأخلاقية التي تضفى عليها قيمة سامية.

هذه الدائرة يتعين كسرها. لسبب عملي أولا: ففي شروط التاريخ المعاصر، وبالتحديد تفوق الغرب وإسرائيل في صناعات العنف والحرب، العرب والمسلمون هم أول المتضررين من العنف، وأقل المتضررين من وقفه. ولسبب سياسي ثانيا: إن دوائر أخلاقية الاعتقاد لا تطابق دولنا القائمة على مفهوم الوطنية، تتجاوزها نحو «الأمة الإسلامية» أو تتدنى عنها نحو الطائفة والميليشيا والعصبة، الأمر الذي يجعل منها قوة تفجير لهذه الدول، مع ما قد يترتب على ذلك من كلفة إنسانية وسياسية ومادية باهظة. ولسبب ثقافي وأخلاقي أخيرا: إن الدائرة تلك تحصرنا في ثقافة الثأر والانتقام والتعصب والكراهية، وتثبتنا في أوضاع نفسية موتورة ومتحجرة، وتجعل الارتقاء الأخلاقي متعذرا علينا.

وليس الاستعداد الثقافي لأخلاقية التضحية والتفاني والاعتقاد مدونا في جيناتنا. إنه ميل مرجح لأن المثقفين والفاعلين العامين يفضلون ما يدر عليهم شرعية اجتماعية عاجلة، تجامل أدوارا موروثة في ثقافتنا، على بناء شرعية جديدة، تناقض التراث، وتقوم على المسؤولية، وقد تسهم في حقن دمائنا قبل غيرنا. وهل من واجب أوجب من هذا على أي فاعل أخلاقي؟ وهو أوجب بعدُ حين نعاين النتائج اللاأخلاقية لأخلاقيات الاعتقاد المتضاربة، من موت وفير وتفجر لمجتمعاتنا وتدهور مستمر لاعتبارنا في العالم وفي عين أنفسنا بالذات. يكتسب دور المثقفين قيمة إضافية من حقيقة أن أخلاقيات الاعتقاد تنتج اليوم من الخونة الحقيقيين أكثر مما تنتج من الأبطال، بالخصوص لكون أبطال هذا الاعتقاد هم خونة الاعتقاد ذاك، فلم يبق من الوطنية غير التخوين (ومن الدين غير التكفير). ولا يعني إنتاج الخونة غير أن أخلاقيات الاعتقاد بلغت ذروة أزمتها، وأن من شأن نقدها فكريا وقيميا أن يكشف التهافت العقلي والأخلاقي والسياسي لتلك الأخلاقية وأسسها الاعتقادية. المطلوب اليوم شجاعة من نوع مختلف، لا تقتضي من أحد التضحية برأسه، بل فقط ببعض ما في رأسه.


(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 07-02-2007, 11:21 PM بواسطة زيوس.)
07-02-2007, 07:10 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
في صدد بعض الأصول الأخلاقية لعنفنا... - بواسطة salim - 07-02-2007, 07:10 PM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  القيم الأخلاقية فى التعليم قطقط 2 857 05-06-2010, 07:24 PM
آخر رد: قطقط
  التحديات الأخلاقية للمغتربين و المقيمين فى دول الخليج و خاصة الإمارات العربية المتحدة المفتش كولومبو 19 4,729 04-19-2009, 07:39 AM
آخر رد: الحكيم الرائى
  تأصيل الأصول Jugurtha 2 654 09-07-2008, 06:23 PM
آخر رد: Jugurtha

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 7 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS