إلى الزميل الكندي العزيز

قال تعالى في محكم كتابه:
(كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه الا الذين اوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين امنوا لما اختلفوا فيه من الحق باذنه والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم*)

فالأصل أن الناس كانوا شيئا واحدا لا بعلمون ولا يحاسبون، وقد قال تعالى عن هذه الفترة:

(من اهتدى فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فانما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر اخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا*)
فلا يليق بجلال من حرم الظلم على نفسه أن يسأل أناسا عما لم يكلفهم به ولا يعرفوه.

وحتى لا يكون لأحد حجة الجهل على الله، فقد أرسل إليهم جميعا رسلا:
(إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا* وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا*)

ولا يوجد أمة ظهرت على الكرة الأرضية إلا وقد أرسل الله إليها رسولا يقوم بأمرها ويردها إلى الخير إذا انحرفت، ويأمرها بالمعروف وينهاها عن المنكر:
(إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلا خلا فِيهَا نَذِيرٌ*)

أما وقد اقتضت حكمة المولى ختم الرسالات، فقد بعث الله النبي الأمي إلى الأمم كافة ليحيى من حي على بينة ويهلك من هلك على بينة:
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ*)

وقد كلف النبي الأمي أمته بالبلاغ عنه يوم حجة الوداع يوم الحج الأكبر في المقام الشريف في عرفة، وكان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في آخر عهده بالدنيا يكاد يلقى وجه الكريم، فقال الحبيب:
"بلغوا عني ولو كلمة، فرب حامل فقه وليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه...."
وهذه هي مهمة القوامة الخاصة بالأمة الخاتمة، وهي حمل رسالة المصطفى إلا العالمين، فإن قصرت أثمت هي. ومن لا تبلغه الدعوة كان من أهل الفترة.
(وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء)
فكما شهد علينا الحبيب بالبلاغ يوم الحج الأكبر، فكذلك يقف من أوفى الأمانة من الأمة موقف الرسول ويشهد على الناس بالبلاغ، لألا يكون للناس حجة على الله بأنهم لا يعلمون.

أما ذكر الله تعالى لبعض الأنبياء في كتابه الكريم وعدم ذكره لآخرين، فيجب ملاحظة أن القرآن ليس قصة، وليست مهمته تتبع تاريخ البشر. وما ذكر من قصص فإنما هي للعبرة. ولا يعتبر الناس بقصص من لا يعرفون.
أما من ذكر من الأنبياء، فأينما ذهب الإسلام وجد الناس تعرف أنبياء بني إسرائيل وذلك لتفرقه أيدي سبأ، أو لوجود آخرين من أهل الكتاب اتخذوا التبشير بدينهم مهمة عظمى. فالقرآن لا يتحدث عن مجهول لا يعرفه إلا المسلمون. ولو بادأ الناس بذكر أنبياء الله إلى الأزتيك أو الزولو أو اليابان أو غيرها من آقاصي الأرض لظن الناس به الظنون فوق ما ظنوه ابتداء.

أضف أن الشرق الأوسط هو المركز العالمي لنشوء الحضارات وتفاعلها، ولا تصبح دولة ذات شأن ما لم تدخل فيه بقضها وقضيضها، تلكم أمريكا بلغت من القوة والعظمة شأوا بعيدا، إلا أنها لم تمسك بزمام الموقف الدولي قبل أن تمسك زمام أمر الشرق الأوسط.
طبعا لا نقول ذلك عجبا بأنفسنا، إلا أن واقع الشرق الأوسط يقتضي ذلك الحضور الدولي الطاغي فيه.

من الأنبياء الغير متحدرين من نسل أبونا إبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم، والمذكورين في كتاب الله:
آدم، إدريس، نوح، هود، صالح، لوط صلوات الله وسلامه عليهم جميعا.
ومن غير المتحدرين من بني إسرائيل يقينا مع انتسابهم للخليل صلى الله عليه وآله وسلم:
اسمعيل، شعيب، محمد صلوات الله وسلامه عليهم وعلى آل محمد.
وممن يحتمل بكونهم من غير بني إسرائيل:
أيوب، يونس، ذو الكفل صلوات الله وسلامه عليهم.
طبعا لا نجزم بنسبتهم إلى بني إسرائيل لعدم وجود دليل يقيني بين أيدينا يشير إلى النسبة أو عدمها.