حاوره/ حزام العتيبي

يظل المفكر المغربي الدكتور محمد عابد الجابري من ابرز الاسماء الفكرية في الوطن العربي التي تساهم في لعب دور مميز في بروز وعي فكري ثقافي حيث استطاع الجابري طول مسيرته ان يساهم في تنمية الحس العربي باهمية الفكر والبحث بالاستناد على الموضوعية والعقلانية.
ولد الجابري عام 1935 وحصل على دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة من كلية الاداب عام 1967 وعلى الدكتوراه في الفلسفة عام 1970 منح جائزة بغداد للثقافة العربية التي تمنحها اليونسكو عام 1988 والجائزة المغربية للثقافة من تونس عام 1999 له نحو 30 مؤلفا ابرزها العصبية والدولة ومدخل الى فلسفة العلوم ونحن والتراث: قراءة معاصرة في تراثنا الفلسفي, والمثقفون في الحضارة العربية الاسلامية ونكبة ابن رشد وكتابه الدين والدولة وتطبيق الشريعة وقضايا في الفكر المعاصر والمشروع النهضوي العربي وابن رشد سيرة وفكر وسلسلة مواقف.
عكاظ التقت بالدكتور محمد عابد الجابري وحاورته في الجزء الاول بقضايا كثيرة وآنية تتعلق بالفكر والفلسفة والايديولوجيا والكتاب فالى التفاصيل:
*د. محمد مرة قلت ان الناس لا يكتبون دائما بعيون العقل وان للبشر عيونا اخرى.. كيف والى ماذا ترمز?
**ليس من الضروري ان يكون في هذا الكلام رمز معين فهذه حقيقة معروفة ان الانسان احيانا يكتب بعواطفه واحيانا بانطباعاته واحيانا من دافع تنافسي او خصومات دوافع كثيرة اي ليس دائما يكتب بين العقل اي دافع موضوعي دائما وهذه ظاهرة انسانية وبشرية قد تنطبق في اي وقت وليس من الضروري ذات معنى معين ولا اذكر بالضبط اين وردت العبارة عندي وربما السياق يعطي للقارئ امكانية للفهم او التأويل اما بالنسبة لي فلا اتذكرها بالضبط.. ومثل هذه الكلمات العامة تاتي على لسان الانسان في سياقها وليست رمزا معينا..
الهوية والايديولوجيا
*هل تعتقد ان تاكيد مسألة (الهوية) يعني هزيمة (الايديولوجيا).. وكيف ان العامل الخارجي يُعد سببا من اسباب تقهقر الامة?
**لا ارى انه من الضروري ان نربط هذا الربط او هذا النوع من الربط بين اشياء احيانا تكون متباعدة او مسقلة في وضعها.
فمشكلة الهوية والايديولوجيا هي ربط بين شيئين ليس من الضروري ان تقوم بينهما علاقة ما.. لان العلاقة والربط بين شيئين يجب ان تكون سببية او مايشبهها اما ان ارى ان هذا الكرسي وهذا الورق او هذه الطاولة متجاورين في زمن واحد او يحدث لهما بين شيء في وقت او زمن واحد فالربط يصبح بينهما صعبا لذلك فانا شخصياً لا اعتقد بان الهوية قامت مقام الايديولوجيا ولا الايديولوجيا قامت مقامه.. فالايديولوجيا اعم من الهوية.. والحديث عن الهوية في الغالب هو حديث ايديولوجي لانه اذا ميزنا بين العلم والايديولوجيا فكل شيء او كتاب او علم يدخل في الايديولوجيا.. والحديث عن الهوية يدخل او اقرب ان يكون ضمن الايديولوجيا منه ضمن العلم وكذلك تجد من يتمسك بالهوية الفئوية او الطائفية او العقوبة او حتى الطبقية.. كالطبقة العاملة او غيرها فهي هوية في النهاية لذلك لا اقيم الفصل بين الاثنين.. مفاهيم كل منهما ينظر الى المسألة من زاوية معينة ولكنها لا نتقابل بالضرورة.
الوحدة
*هل ثمة من سبيل في نظرك بقيام وحدة ليست مقوماتها الجغرافيا او السياسة بقدر ماتكون متعلقة بالقرارات المصيرية للامة.. والاقتصاد.. لاسيما هذه الايام والمسألة على ارض الواقع?
** كل وحدة بين قطرين او اكثر سواء في هذا العصر او غيره لابد ان تقوم على مصالح مشتركة اما في الحاضر.. او من اجل بناء مصالح مستقبلية واعتقد أن مصلحة كل قطر عربي الآن ان يقيم علاقات تعاون وتضامن مع الاقطار الاخرى.. وخصوصا لمواجهة الوضع الخارجي الذي يتسم الآن بالتكتلات ضمن العولمة.. فالعرب مطالبون الآن بنوع من التكتل للوقوف صوتا واحداً ضد اصوات اخرى.. تحاول هي الاخرى ان تتحد وتتكاتف اقليميا وهذا موجود في العالم كله.. فمفهوم الوحدة الآن انتقل الى وضع آخر غير الجغرافيا مع ان الوحدة الجغرافية.. والتاريخة موجودة وتعين وكذلك وحدة الثقافة مهمة واساسية فإذا اجتمعت هذه العناصر وكانت الوحدة المصلحية والاقتصادية لمواجهة العولمة والاستفادة منها بروح جماعية وباستقلال نسبي فهي ستكون بضرورة الحال افضل.
*هل لديك مؤشرات لحدوث مثل هذه الوحدة في الامة العربية حاليا? خصوصا في ظل الاحداث على الارض?
**لا.. الاحداث تطبعها الاستمرارية من جهة والظرفية من جهة اخرى, فقضية فلسطين قضية عربية مستمرة وهذا لاشك فيه ولكن تأثيرها في تغيير الوضع العربي ظرفي وليس دائما.. على الاقل ضمن السنوات التي عرفناها.. لكن الذي سيقيم علاقات دائمة يطبعها التضامن وتشكل شيئا من الوحدة في الغالب هي المصالح وبالطبع فلسطين مصلحة وطنية قومية.. لكن المصلحة القطرية هي التي تحدد ذلك وخصوصا المصالح الاقتصادية التي سوف تتبعها بقية المصالح الاخرى وتصير العلاقات امنة في كل مجال.. واليوم العرب متحدون في كل مجال الا فيما يشكل اساس الوحدة وهو الاقتصاد.

* برأيك هل ما نعيشه الان هو بسبب اسقاطاتنا على الاخر.. او على مجتمعنا?
** نحن مطالبون بأن نعيش عصرنا وهذا يعني ان نحقق تقدما في مجالات مختلفة (اقتصادية, اجتماعية, ثقافية, سياسية) وغيرها.. وفي المجال الثقافي طرحت اننا يجب ان نقوم بعملية التجديد من الداخل اي من داخل فكرنا وتراثنا وليس باستيراد افكار هكذا جاهزة ونسقطها على واقعنا او نغلق الابواب أمامنا.. او نأخذ من هنا ومن هناك ونقوم بعملية توفيقية.. هذا ما عشنا عليه قرنا من الزمان او اكثر.
ولابد ان تكون عملية التجديد من الداخل نفسه اي من التطوير لفهمنا لتراثنا وواقعنا وبأدوات جديدة وفي نفس الوقت مع ارتباط بالعصر الذي نعيش فيه اما ان نقول انه يجب ان نكون في قطيعة مع الماضي والتراث او حتى (العكس) كل شيء عندنا, او حتى نوفق.. فهذه الامور والتجارب مرت ولمدة 150 سنة والتيارات التي عاصرت الفكر هي واحدة من هذه الثلاث.
لكن عملية التجديد او التقدم في اي بلد من البلدان لا يمكن ان تستورد ولكن يجب ان تستنبت ولكن لابد ان تخصب بمواد من الخارج حتى يكون النمو والتقدم في مستوى ما هو مطلوب في عصرنا ومتجاوب معه.
الآليات
* وما هي الآلية للاستفادة من مخصبات الخارج واستثمار التراث?
** الآليات كثيرة في كل مجال.. مثلا كتبت انا في موضوع الاجتهاد في الفقه والشرع..
وقلت لابد من الاجتهاد المواكب.. هناك شروط قديمة اشترطها فقهاء واصوليون في الاجتهاد كانت معروفة لديهم من معارفهم وواقعهم..
ولكن نحن في عصر ومجتمع جديدين وواقع آخر فالمجتهد يجب ان يكون على علم بها وكذلك على علم بالشروط التي كانت في الماضي ومازال لها تأثير حتى الان.. فهذا التجديد يجب ان يكون من الداخل.. اي بفتح اجتهاد جديد.. ليس فقط بشروط حدود القدماء او بمفاهيمهم.. يجب ان نستشعرها ونستأنس بها ويجب ان يكون هذا الاجتهاد مواكبا لحاجاتنا وضروراتنا.. في هذا العصر.. وهذا في مجال التشريع والعلاقات بين الدين والدولة.. وكل ميدان ومجاله.
الاجتهاد
* فيما يخص الاجتهاد هل تقول بتغيير شروطه او وضع آليات جديدة للشروط القديمة?
** هناك آليات ثابتة حددها القدماء مثلا لا يمكن لاحد ان يجتهد في الدين اذا لم يكن ملماً وعارفاً باللغة والحديث واصول الحديث واسباب النزول وغيرها ولكن هذه الشروط ليست كافية, لانها قد تكون مناسبة لعصر معين واليوم نعيش عصرا آخر ولذلك يجب ان نضيف اليها شروطا اخرى وأدوات وعوامل اخرى من عصرنا.
* الا يمكن ما ترمي اليه ان يؤدي الى وجود فوضى وارباك في حالتنا التي لا تحتاج الى المزيد من ذلك?
** لا.. لان ما نتحدث عنه هو شروط وقيود اضافية حتى لا تكون فوضى الفوضى ان يجتهد كل شخص بدون ضابط او قانون..
وما وضعه القدماء ضوابط معروفة ولكل زمان ضوابطه ويجب استخراجها من العصر نفسه.

* على ظل ما يحدث في الارض العربية المحتلة.. هل تملك تفسيرا فلسفيا لهذا الحماس الشعبي ?
** دائما هناك فرق بين الخطاب الشعبي والخطاب الرسمي, حتى في السنوات الاخيرة ظهرت مقولة اصبحت منتشرة هي (منطق الثورة ومنطق الدولة) يعني حتى الجماهير او القوى التي تقوم بثورة ما.. عندما تأخذ الحكم وتستلمه تتعامل بالمنطق الاخر الذي هو منطق الدولة.. لان الدولة مقيدة بعلاقات وضوابط وبروتوكولات اما الشعب فهو مقيد بعواطفه وطموحاته وآماله.. اذن الاختلاف بين الخطاب الرسمي والشعبي موجود في كل مكان..
* ما هو موقفنا من الديمقراطية والشورى?
** الشورى في وقت الصحابة هي الديمقراطية نفسها, لانها زمنهم ومارسوها وكانت متناسبة مع اوضاعهم في المدينة يكفي اهل الحل والعقد لاخذ الرأي.
وهذا متاح اليوم بوسائل الاتصال الحديثة اذن ليس هناك تناقض.
والاتصال الان ميسر بشكل كبير عكس ما كان سابقا وهذا المطلوب.. الشورى تمارس بطريقتها في وقتها وقواعدها.
العلمانية
* العلمانية والالحاد هناك من يراهما وجهين لعملة واحدة.. كيف ترى العلمانية في الغرب?
** لا.. لا.. تاريخيا في اوروبا وفي فرنسا خاصة حينما ظهرت العلمانية بشكلهاالمتطرف او في انجلترا والمانيا باعتدال, فالعلمانية ليست هي الالحاد.. فليس كل علماني ملحد او كل ملحد علماني.. لا.. ويجب ان يكون هذا هو المنطلق.. العلمانية وجهة نظر في فصل الكنيسة عن الدولة لكي لا تكون هناك دولتان مدنية ودينية وهذا المنشأ في اوروبا.
* تقصد فصل الدين عن الدولة?
** لا.. غلط.. اقصد الكنيسة وليس الدين.. لانه في العصور الوسطى في اوروبا عند رفع شعار العلمانية كان المعنى ان تكون دولة واحدة ديمقراطية والكنيسة مختصة بالدين فقط.
لذلك الربط بين العلمانية واللادينية ربط غير صحيح.
** هذه مسألة عالجتها وهو انه لا كنيسة في الاسلام, اذن ليس هناك علمانية فيه.. انما العلمانية كما تعني فصل الكنيسة عن الدولة فهي تعني العقلانية والديمقراطية.. اذن العلمانية لدينا شعار ملتبس وشعار يثير ردود فعل وحساسيات كثيرة لنأخذ منه ما هو مهم وجوهري بالنسبة لنا وهو الديمقراطية والعقلانية اما فصل الكنيسة فليس لدينا كنيسة.