سياسات ثقافيّة

من بين مواصفات التيّار الراديكاليّ «الممانع»، اليوم، قطيعته مع الثقافة، وتالياً مع العالم الخارجيّ. أما سبب التكامل بين القطيعتين فأن الثقافة، بتعريفها، شأن انسانيّ عابر للحدود والأوطان وضيق الولاءات، وأنها، للسبب هذا، ذات ودّ مفقود مع السياسات القوميّة والدينيّة المتورّمة على أنواعها.

ولربما جاز التأريخ لبداية المداخلة الراديكاليّة في الثقافة وشأنها، منذ الصعود الأصوليّ، مع محاولة ذبح نجيب محفوظ بعد نيله جائزة نوبل للآداب. ومحفوظ، كما هو معروف جيّداً، صاحب آراء في السياسة لا تثير لدى المتطرّفين، على عمومهم، إلا الحفيظة والغيظ.

لكنّها ليست صدفة أن تُستهلّ تلك المداخلة بمحاولة ذبح موصوفة تستهدف كبير الروائيّين العرب. ذاك أنه على مدى العقدين الماضيين، وفي موازاة تنامي النفوذ الأصوليّ العنفيّ، توسّعت الفجوة الفاصلة بين البيئتين الراديكاليّة والثقافيّة حتى أصبحت «مناهضة الثقافة»، وهي مرض توتاليتاريّ شهير، من امتيازات البيئة الأولى. وغنيّ عن القول إن البحث عن رواية أو قصيدة أو لوحة في محيط «حماس» أو «حزب الله» مثل البحث عن الذهب في الغرب الأميركيّ.

الشاعر الفلسطينيّ محمود درويش آخر من يراد لهم، اليوم، أن يمثلوا أمام محكمة التفتيش النضاليّة لأنه يريد أن يزور مدينته حيفا، بعدما سبقه الى المحكمة إيّاها الأديب الراحل اميل حبيبي لقبوله جائزة أدبيّة اسرائيليّة. ذاك أننا لا نكتفي بحجب الاعتراف عن الآخرين، بل نطلب أيضاً ألاّ يعترف بنا الآخرون، وهي أعلى درجات القطع والقطيعة التي تماثل طلب الموت في العفن والصقيع!

ولم يفت الكاتب الفلسطينيّ حسن خضر أن يلاحظ العنصر الإرهابيّ في الحملة على درويش، والذي يوازي عمليّة خطف الصحافيّ البريطانيّ ألن جونستون، فيما ذهب الكاتب والشاعر اللبنانيّ عبّاس بيضون الى حدّ القول إن التشكيك بوطنيّة الأيقونة الأكبر للوطنيّة الفلسطينيّة يهدّد بطرح معنى هذه الوطنيّة نفسها على المحكّ.

لكن تتمّة ذلك ما نلقاه في حملة التشكيك بإعلان بيروت عاصمة للكتاب في 2009، والغمز الذي يرافقها من قناة الفرانكوفونيّة وأغراضها، وهي طبعاً أغراض دنيئة! ذاك أن الاعتراف ببيروت مقرّاً ثقافياً وجسر اتّصال مع العالم، على رغم كلّ بؤسها الراهن، هو ما ينبغي أن يُدان ويشهّر به، تماماً كما تُدان كلّ صلة ماليّة أو اقتصاديّة بالعالم الخارجيّ هذا. فإلى العتم الشامل ينبغي أن نتقدم بخطى واثقة.

واقع الحال ان هذه «سياسات» ترقى الى أحكام إعدام، أو أقلّه أحكام بالسجن والتشهير، الكذبُ فيها محيط والرحمة قطرة. وهو ما نراه واضحاً حيث يستولي الراديكاليّون فعلاً على السلطة، ويملكون القدرة على السجن والتشهير، كما في دمشق حيث نُبش أخيراً ضريح سعد الله ونّوس وشُكّك بمسرحيّته، أو طهران التي حكمت على باحثة رصينة كهاله أسفندياري بالسجن لأنها... «جاسوسة».

هذه البداية موصلة الى تلك النهاية. لا قدّر الله ذلك لأصحاب القضايا الجليلة، استُمدّت من السياسة أم من الدين.

حازم صاغيّة الحياة - 14/07/07//

:Asmurf:

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني