الأخ العزيز وليد .
كل تقدير .
يسعدني أن نتبادل الأفكار خلال هذا الشريط و شريطك فليست هذه المرة الاولى التي تتكثف اهتماماتنا في نفس الوقت حول موضوعات بعينها ،و إن كنت أبتعد قليلا عن المشهد المحلي فهذا كي أراه بشكل أوضح ، أو كما يقول الشعراء نبتعد كي نقترب ، فما زلت أعتقد أننا مجرد جزء من مشهد كوني سريع التغير ،و لكنه جزء يقع في الجانب المظلم يشعر بهزات البراكين ولكنه لا يشاهد نور الشمس .
لست مقتنعا بكل ما أقرأه أو أسمعه ، ليس لأن هناك مؤامرات خلف كل باب و أسرارا في الخزائن الإليكترونية المرصودة منذ عهد سليمان كما يتصور المحللون ، المشكلة هي أن كل شيء معلن و التاريخ يصنع أمام أعيننا نتابعه لحظة بلحظة ، رغم ذلك فلم يعرف التاريخ المعاصر غموضا مشابها ، المشكلة لم تعد في المعلومات و لكن في أن المعرفة لم تعد مجرد معلومات ، إن العيون التي ترى لا تملك مفاتيحا مناسبة لفك رموز ما تراه ، إننا في حاجة لعقل جديد من أجل عالم جديد .
إن ما نشاهده يبدوا مشهدا من الجحيم بل طرحت شريطا بهذا الإسم ، لقد كنا نعتقد أننا مررنا بالأسوأ حتى أفقنا بأننا غادرنا أسعد أوقاتنا و أن المستقبل هو ما يستحق أن نخافه ، لقد بذلنا جهدا هائلا كي نحقق فشلا مدويا .
أرى أننا في حاجة لإعادة قراءة كل شيء وأول هذه الأشياء ما تعودنا أن نراه بديهيا و من المسلمات ، النظام الدولي الذي نشأنا فيه ليس هذا فقط بل رأينا التاريخ بعيونه ، إننا نفيق الآن لنعرف ان هذا النظام لم يكن أبدا نظاما للجميع ،وهو الآن ينكمش ليطرد خارجه شعوبنا قبل أن يدخلوه بشكل حقيقي ، إن التاريخ يعود لحالة السيولة السابقة على نموذج الدولة و يبدوا أن أمامنا عصور من الفوضى .
إن أقصى طموجاتي في هذا الشريط هو البحث مع آخرين في ظاهرة أراها خارج النسق التاريخي لنموذج الدولة العلمانية العقلانية التي عرفناها كنموذج استرشادي للتجمع البشري حتى اليوم ، البحث في عودة المتلازمات الإجتماعية للنسق القداسي ، عندما لا تصبح العقلانية هي المعيار المشترك المقبول بشكل جماعي بل يتم اقصائها كعمل شيطاني يستحق تأنيب الضمير ، بينما تصبح الدوجما هي المرجعية المعرفية لكل جماعة داخلية و يصبح النظام العالمي الحافظ للنوع البشري -كالزائدة الدودية - شيئا من الماضي .
تحياتي و تقديري و تمنياتي .