تابع: ما هو المقصود بالفوضى؟

هل نحن في مرحلة العقم و على أعتاب الفوضى؟؟

إننا لو نظرنا بتمعن في التناقضات بالمداخلة السابقة - بين الأقواس باللون الأزرق فوق الخط - و التي تعتبر أمثلة كغيث من فيض التناقضات التي نعيشها - و هذا في محاولة منا لإيجاد عاملا مشتركا يربط تلك المتناقضات العجيبة على إختلافاتها و إختلاف المنظومات التي تنتمي إليها - قد نصل لنتيجة جد صادمة:

أنه لا يجب أن توجد حلول لتلك المتناقضات نهائيا - و هذا في إطار البنيات أو الخلفيات التي نعتمدها في مجتمعنا. و أية محاولة للحل هي خيط ينتهي بالمساس جذريا بخلفيات و بنيات تمثل الهوية بالنسبة لنا.
و لذلك و بوازع دافع المحافظة على إستقرار المجتمع كغريزة إجتماعية و تحت وطأة دافع حب البقاء و مقاومة الفناء في البنيات الفكرية أو الخلفيات التي يعتمدها المجتمع ذاتها و يتخذ منها هويته - يصبح الحل الوحيد لتلك المتناقضات هو اللاحل. حتى لو تظاهرنا بإنهماكنا في إيجاد الحلول.

إن العقم هنا و برغم قسوته - هو حل وضعه المجتمع لنفسه - لكي يتفادى به خطرا أشد قسوة من وجهة نظره و هو فقدان الهوية و الفوضى العارمة. و هو يعتمد لذلك آليات متعددة من الإقصاء - للكبت - للإنكار - و حتى الهلاوس.

إن الأمر يشبه المريض النفسي - فمريض الفوبيا مثلا و الذي يخاف خوفا مرضيا من أشياء معينة - حتى و إن كان بها شئ من المنطق - قد يتخذ آليات و سلوكيات من شأنها أن تدمر حياته نهائيا أكثر بآلاف المرات من مواجهة مخاوفه.

إن مجرد دراسة و التفكير بأية متناقضة من تلك الأمثلة كفيل بإحداث شرخ جسيم في البنيات و الخلفيات التي تمثل هوية المجتمع.

و "اللاحل" هنا لا يمثل عدم وجود حلول فعلية للتناقض - بل هو موقف إجتماعي إختياري. يبذل فيه المجتمع مجهودا بواسطة آليات خصصت لهذا الغرض.

و حري بنا أيضا ملاحظة أن موقف "اللاحل / العقم" هذا هو موقف مناقض لأطروحة "نسبية الثقافة". فلو كان طرح "نسبية الثقافة و الجزر المنعزلة" صحيح لما وجد العقم و لا كان على المجتمع أن يبذل أي مجهود للثبات على موقف "اللاحل" - و لكانت تلك القضايا / المتناقضات محلولة مسبقا و بسهولة. حيث ستكون الغلبة آليا لما ينتمي لخلفياتنا الأسطورية و بدون تفكير أو شد و جذب أو حاجة لإقصاء أو كبت أو عنف.

و بالرجوع لأمثلة المتناقضات تلك نلاحظ على الدوام وجود حدين رئيسيين بها و هما:
1- حد ينتمي للحضارة المحلية بمختلف بنياتها (معرفية - أخلاقية ... إلخ)
2- حد ينتمي للحضارة الغربية / العالمية بمختلف بنياتها.

و هذين الحدين إما ظاهرين في مواجهة بعضهما البعض أو أن أحدهما مستتر يتمثل في معيار حكم خارجي لا يتوافق مع المادة التي نحكم بتلك المعايير عليها:
* ففي حالة التناقضات على مستوى البنية المعرفية فإن الحدين ظاهرين و التناقض واضح.
* أما في حالة تناقضا على مستوى البنية الأخلاقية مثلا فالمسألة أشد تعقيدا و نظرا لإستخدام أحد الحدود كمعيار للحكم على قضية في ثقافة مغايرة أصلا. و ينتج عن ذلك ما يشبه ال Paradox الكلاسيكي. كمثال:
"أنا أطالب و بشدة بالديموقراطية لكي أستطيع أن أهدم الديموقراطية نهائيا".
"أنا أطالب و بشده بالديموقراطية كهدف نهائي و في سبيل ذلك أدعم الأصوليين حتى لا أكون متناقض على المستوى الأخلاقي - و هذا بالرغم من أن دعمي لهم سوف يدمر هدفي النهائي"
"أنا أدعو لحقوق الإنسان و أطالب بحقي كي أتمكن من خنق حقك و منعك منها نهائيا"

فكلا من "الديموقراطية" و "حقوق الإنسان" ليست معايير إيجابية تنتمي للبنية الأخلاقية في الثقافة الإسلامية على وجه الإطلاق. بل تنتمي لثقافة مغايرة و مناقضة لها على جميع المستويات.
و كون تلك المعايير قد تم تداولها في غفلة قصيرة من الزمن لكي تصبح معايير إيجابية في العقل الجمعي لنا - جنبا لجنب مع أخرى محلية مثل الشريعة و السنة و الشورى و غيرها لا يعني بحال توافقها معها بل يعني تسطيح شديد في تناول تلك المعايير و المفاهيم و محاولات تمت على عجالة لتمرير معايير لا نمتلك أساسا لها بوصفها منتجات جاهزة قابلة للتطبيق الفوري.
و تباعا فقد تحولت تلك المعايير المستوردة "الديموقراطية - حقوق الإنسان - حقوق المرأة - العدالة الإجتماعية .... إلخ" لمجرد ألفاظ توقع في المتلقي أثرا إيجابيا لكنها بدون أساس حقيقي لدينا.
ففي أحيان يتم تحريف معانيها عما دلت عليه حين إستوردناها من منشئها لكي نسمع خطابات مثل (الديموقراطية في الإسلام - الإسلام و حقوق الإنسان و المرأة - ... إلخ) و في أحيان أخرى نسمع كلا المعايير المحلية و المستوردة جنبا لجنب و نستحسن هذا و ذاك و يكاد لا يمر التناقض بأذهاننا. من منطلق أنه "المعايير المستوردة أخلاقية - فهي بالضرورة متوافقة مع ديننا الأخلاقي أيضا".

لكن واقع الأمر أنه حين التعمق فالصدام لا محالة منه. و قد تدلنا تلك المتناقضات على ذلك الصدام الخفي.

و سبب ال Paradox أعلاه هو ببساطة في فرض أنه كلا من "الديموقراطية و الشريعة" هي معايير أخلاقية إيجابية على ذات المستوى و القدر و بالتالي يحيرنا أن تنفي أحدهما الأخرى كنتيجة إعتناقها.
و واقع الأمر ليس كذلك فلو إعتنقت أحدهما بكامل البنيات المرتبطة بها - فحتما ستصبح الأخرى لاأخلاقية.

ال Paradox واقع فقط في مخيلة العقل الجمعي السطحي. فلا يوجد منتمي أصولي يقر بأي من معايير مثل "الديموقراطية أو حقوق المرأة" و حسب معانيها الأصلية - بل على العكس المطلق - هي تعتبر معايير سلبية لا أخلاقية يجب بترها من المجتمع و لو بالقوة. كما أنه لا يوجد منتمي للثقافة الغربية يقر بالشريعة نهائيا. أما عن الوسط فهو مرتع التناقضات. فكل الموضوع - كما هو أيضا في التناقضات المنطقية الكلاسيكية الأصلية - هو مجرد خلط في مستويات القضايا.

لا يوجد إذا Paradoxes و لا يحزنون فهو تناقض واضح و صارخ - فهذه القضايا تمثل مفترقات طرق - إما أن نختار اليمين أو اليسار - أما أن نعتقد أنهما طريق واحد - فلن نفيق أبدا من حيرتنا تلك. و هو المطلوب.

إن معايير مثل "الديموقراطية" تنتمي لبنية أخلاقية مختلفة تماما عن بنيتنا - و بدورها تقف على أساس بنية معرفية مناقضة لبنيتنا المعرفية و لن يصح تباعا التسطيح الساذج:
- الديموقراطية جميلة و حلوة.
- الشريعة الإسلامية صحيحة.
- إذا الديموقراطية و الشريعة ليسا متناقضان - بل الشريعة تحث على الديموقراطية.
- لماذا إذا تنفي كل منهما الأخرى إذا إتخذناها سبيلا؟؟؟ (Paradox)

فمقدمة التسلسل السابق مقحومة على العقل الجمعي - لا تخص ثقافته و لا تتناسب معها - فهي خاطئة و ساذجة.

و الصحيح هو:
- الشريعة الإسلامية صحيحة.
- إذا الديموقراطية -> القانون الوضعي و الأخلاق الغربية -> الخلفية المعرفية الغربية ليست كذلك - فهي صحيحة فقط إن توافقت مع النص كمصادفة و هي خاطئة فيما عدا ذلك. و الدعوة لتلك المعايير هي دعوة آثمة - فالدعوة لا تكون إلا لدين الله.

و التسلسل بأعلاه هو خلاصة فكر سيد قطب - عراب الأصولية الحالية. و في الواقع فهو يدعو للإحترام - فهو تسلسل متسق نتائجه مع مسلماته.

العقم إذا - و تلك المتناقضات الوهمية أحد مظاهره - هو هروب من تناقضات واقعية و حقيقية و خطيرة كما نعتقد. فحل التناقض الحقيقي هو في قرار لصالح أحد المتناقضين على عكس التناقض الوهمي عديم الحل (Paradox). و لو أمعنا النظر في أي من المتناقضات - حقيقية أو وهمية - لوصلنا لضرورة الإختيار.

و الإختيار هو الفوضى في كل الأحوال. بل مجرد قرار منا بفتح تلك الملفات هو الفوضى بعينها.
ففقدان الهوية فوضى - و الحفاظ عليها مناقضين العقل بمعناه الحالي و في مواجهة العالم بمعاييره الجديدة فوضى - لذلك نحن نتحاشى الفوضى بالعقم و اللاحل.

لكن يبقى السؤال: هل من الممكن إستمرار وضع العقم هذا أم أن الضغوط الخارجية و الداخلية تحول دون ذلك و هي كفيلة بتفجير المرحلة التالية؟؟

يتبع ,,,

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	"مرگ بر امريكا": هل يقولها موالو النظام بلغة "الفوضى الغبية"؟	SH4EVER	5	1,900	07-13-2011, 08:51 AM آخر رد: طريف سردست
	مَنْ يدفع مصر إلى الفوضى؟	الحوت الأبيض	0	703	05-10-2011, 07:21 PM آخر رد: الحوت الأبيض
	هل هى الفوضى الخلاقه؟	عاشق الكلمه	16	5,324	02-27-2011, 05:59 AM آخر رد: ATmaCA
	الفوضى الجنسية	قطقط	24	3,341	11-05-2006, 09:54 PM آخر رد: نسمه عطرة
	عن معنى الفوضى الخلاقة ومعنى الشرق الاوسط الجديد	journalist	1	2,058	11-04-2006, 12:21 AM آخر رد: journalist