جاء في كتاب السلطان حسين كامل ( فترة مظلمة من تاريخ مصر ) 1914- 1917 بتأليف محمد سيد الكيلاني، الطبعة الأولى 1963 وفي الباب الربع وبعنوان الحالة الفكرية ما يلي، وقد نقلته نقل حرفي دون إضافة من عندي:

ولما مات شبلي شميل سنة 1917 أقام له المعجبون به حفلة تأبين، حضرها الشيخ محمد رشيد رضا وخطب فيها مادحاً شبلي شميل. واقترح أحد الحاضرين إعادة طبع جميع مؤلفات شبلي وإذاعتها بين الناس. فحبذ رشيد رضا هذا الاقتراح وتحمس لتنفيذه، لأنه كان يؤمن بأنه لا تعارض بين نظرية التطور وأصل الأنواع، وبين ما جاء في القرآن.

وأخذ يفسر آيات القرآن على هذا الأساس [ الأفكار في 16-5-1917 ]. مثال ذلك قوله في تفسير ما جاء في سورة النساء وهو- يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها- حيث صرح بأن الله ذكر هذه النفس الواحدة ولم يعينها. فلكل أمة أن تفهم منها ما تعتقده، وأنه لم يوجد في القرآن نص أصولي قاطع على أن آدم أب لجميع البشر، وأن اتفاق المسلمين على القول بذلك منشؤه تقليد اليهود، وأن ما ورد في القرآن من قول- يا بني آدم- يكفي في فهمه أن يكون موجهاً في زمن التنزيل إلى قوم يعتقدون أن أباهم آدم. وأن ما ورد في سورة البقرة في قصة آدم وزوجه فقد ورد على سبيل التمثيل. وأن المباحث العلمية والتاريخية تعارض القول بأن آدم أب لجميع البشر. وأن النفس الواحدة تفسر هنا بالماهية الكلية لتشمل ما يقوله كل فريق من الباحثين في هذه المسألة، فيتفق القرآن مع القول بأنه قد كان قبل آدم آدمون كثيرون. وقد نقل عن الرافضة القول بتعدد آدم.

ثم ذكر أن النفس الواحدة يصح أن تفسر بأنها حيوان كالحيوانات الدنيا يلد عدة بطون بدون تلقيح. ويصح أن تفسر بأنها جامعة لأعضاء الذكورة والأنوثة كالدودة الوحيدة، ثم ارتقت فصار أفرادها زوجين.

وقد انبرى للرد عليه عبد الباقي سرور من رجال الأزهر. فقال إن رشيدا ارتكب شططا في تأويل الآية لتتآخى مع نظرية التطور وأصل الأنواع. وأنه حرف الكلام عن مواضعه لأنه أوله تأويلا غير صحيح، وهو لا ينطبق على الأصول الإسلامية.

وقال إن رشيدا أنكر النصوص التي وردت في القرآن وهي تثبت أن آدم أب لجميع البشر. وذكر أن المباحث الحديثة تثبت أن الجنس البشري يرجع بأسره إلى زوجين اثنين، لا إلى عدة أصول. وقال: إن القول بأن القرآن ورد بمعان ترك تحديدها إلى ما لكل أمة من العادات والتقاليد يعد استهزاء بآيات الله وأنه أمر يخشى منه على العقائد، إذ لا مانع يمنع أي إنسان من أن يدعي تلك الدعوى فيما ورد من الآيات في الإله وفي الرسل والدار الآخرة والصلاة والزكاة وسائر التعاليم الإسلامية. وأن القول بأن ما ورد في قصة آدم وزوجه قد ورد على سبيل التمثيل من الأقاويل التي تعتبر تلاعباً بالعقائد الدينية، لأنه يفتح باب القول بأن ما ورد في شئون الدار الآخرة ومسائل الوحي والرسالة وراد كذلك على سبيل التمثيل.

وكتب عبد الباقي سرور مقالات كثيرة في صحيفة "الأفكار" رد فيها على رشيد رضا وفند أقواله. وتهجم كل منهما على الآخر وتبادلا العبارات الجارحة مما أدى برشيد رضا إلى أن يرفع دعوى ضد عبد الباقي سرور اتهمه فيها بالقذف في حقه وبأنه نسب إليه أمور لو صحت لأوجبت تحقيره بين الناس.

وانتهى الأمر بعقد الصلح بين الطرفين.

* * *
وكانت مجلة "السفور" قد أوسعت صدرها لأقلام بعض المتشككين في حقائق الأديان، ومنها منصور فهمي الذي كتب مقالا عنوانه "الشك واليقين "
[ السفور 16-2-1917 ] جاء فيه « لست أنا ممن يؤمنون بالعقائد الذائعة بين الناس، ولا أطمئن بعض الاطمئنان إلا لكل عقيدة ألقاها في ضجة فكرية من التحليل لأخلصها مما لا يمتزج بعناصر ذهني. لقد أجد هذا الذهن العاني في حركة تكاد لا تنقطع، يتناول ما ينعم به الناس من الآراء فلا يسيغ له طعما، ولكن ما ضرني؟ ».

« ألست أنعم وأنا بين زوابع هذا الشك وإن وهم الناس أنه يؤلم النفوس؟ ألست كهذا الملاح المكتشف تتناوب سفينته اللجج وتدفعها الأنواء، وهو يعمل على تخليصها برباطة جأش زاعماً أن النجاة فيما يعمل؟ »

وكتب مقالاً آخر جاء فيه [ السفور في 23- 2- 1917 ] « أمور كانت حقائق عند أهل الفلك والتشريح وأهل التاريخ وأشياع الدين ورجال الأخلاق. كانت تجري في دولة الحق وصولته، فأصبحت تتعثر في ثوب الأضاليل المستهانة والأباطيل
المنبوذة ».

ونشر حسن الشريف الأبياري في صحيفة الأهرام بحوثاً علمية يهدف بها إلى إنكار وجود الله. وكان حسن من تلاميذ شبلي شميل المعجبين به وبآراءه وأفكاره. فانبرت صحيفة الوطن القبطية [ الوطن 8/ 10/ 1915 ] وفندت أقواله ودافعت عن رسالة الأديان السماوية التي لا تنكر العلم ولا تجحد القوى الطبيعية، ولا تكفر بالارتقاء العلمي. وقالت إنها لا تجد موجباً لحض الناس على نبذ الأديان اللهم إلا كانت الغاية محاربة الأديان والتهجم عليها لعلة ولغير علة.

ودارت معارك حامية بين رشيد رضا وبين تلك الفئة من الكتاب. وانتصر الدكتور محمد حسين هيكل للملحدين وحمل على رشيد حملة شعواء واتهمه بالنفاق والكذب والاتجار في الدين. قال مخاطباً الملحدين « كونوا أحراراً في أفكاركم، أحراراً في عقائدكم، أحراراً في سعيكم إلى الإصلاح. وفوق هذا كونوا مخلصين في حريتكم. وإن رموكم بالإلحاد فليعلم أي منكم مسه هذا القول أن المخلص في إلحاده خير من المنافق في إيمانه. إنما الإلحاد والإيمان، والإسلام والنصرانية؛ كلها ضروب من اليقين في العقيدة يأخذ بها الرجل مخلصا لها إن وقر في نفسه أنها الحق. أما النفاق والإفك وما يرجونه إلى جنب ذلك من الأباطيل؛ فهي من مبتدعات النفس المخربة، النفس
الفاسدة ».

هذا بعض ما كتبه محمد حسين هيكل. وأي حق هذا الذي ينصرونه وأي إصلاح هذا؟ الذي كانوا يودون أخذ أمتهم به؟ أهي آراء منصور فهمي؟ أم آراء حسن الشريف؟ وهل الدفاع عن الدين يعتبر من الأباطيل؟ وهل المدافع عن دينه يعتبر منافقاً؟ وهل الرد على الملحدين من مبتدعات النفس المخربة؟ يا للعجب!!

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	متابعة لحديث هيكل /مشروع سايكس بيكو جديد ومخطط حرب مذهبية يتورط فيها الإخوان المسلمين	فارس اللواء	8	3,000	10-02-2011, 12:10 AM آخر رد: بهجت
	من بعد الخميس أنهينا الكلام .... الشعب يريد إسقاط النظام	SH4EVER	25	7,018	07-20-2011, 02:53 PM آخر رد: طريف سردست
	صدام حسين السني، وبشار الاسد العلوي	طريف سردست	31	10,665	04-14-2011, 07:17 PM آخر رد: على نور الله
	ثورة في "قطر": ماذا برأيك سوف يكون رد فعل "قناة الجزيرة" لو تحقق هذا؟	العلماني	29	10,145	03-07-2011, 07:04 PM آخر رد: أندروبوف
	هل يكون القرضاوي خميني مصر؟	طريف سردست	5	2,734	02-20-2011, 10:24 AM آخر رد: بسام الخوري