Array
في مقدمة موجزة كتبها د . مراد وهبة أستاذ الفلسفة المصري لكتاب جون لوك ( رسالة في التسامح ) قرأت ما أعتبره رأيا ينسف فكرة التسامح من أساسها و يذهب إلى أن مكافحة التعصب بنقده على مستوى الوعي كما نفعل في هذا الشريط و نظرائه هو نشاط قليل أو منعدم الجدوى !، هذا الإحباط دفعني في البداية إلى تجاهل هذا الرأي مقتنعا بأنه يقع في مجال فلسفي خارج فضاء هذه الدراسة التي تنتمي أساسا إلى الدراسات السوسيولوجية ،و لكني وجدت أن الأمانة العلمية تفرض أن أعرض هذا الرأي حتى لو أسيء توظيفه لصالح أفكار مضادة للإنسانية كالأصولية الدينية .
يبرر د . مراد وهبه رأيه ذلك بأن النقد على مستوى الوعي لا يكشف الخلفية الحقيقية للتعصب ، وهي القوى اللامعقولة الخفية ، هذه القوى هي التابو أو الممنوع ، ومن المعروف أن الإنسان البدائي هو الذي ابتكر فكرة التابو كمرتكز أساسي لمنظومته المعرفية ،و التابو يعني أن أشخاصا أو حيوانات و جماد قد عزلت عن العالم الطبيعي و أصبحت مقدسة ومن المحرمات التي لا يمكن المس بها ، و هو بالتالي ( التابو) غير قابل للنقد ، والتابو متجذر في صميم اللاوعي الجمعي للأفراد ، و هو ينطوي على أمر مطلق و لكنه سلبي مثل ( لا تقتل ) ،و هكذا يمكن أن نرى أن التابو هو الفعل الممنوع ، و هناك من يرى أننا لو طرحنا هذه الأفكار في إطار التاريخ البشري لحصلنا على القضية التالية ( التعصب هو النتيجة الحتمية لمفهوم التابو ) ، و بالتالي نعود إلى الرأي الذي طرحه البعض بأن التعصب غريزي متجذر في أعمق المناطق من اللاوعي البشري .
هل التسامح ممكن ؟.
يرى مراد وهبة أن التسامح ممكن فقط في المرحلة الإنتقالية من وضع قائم Status quoإلى وضع قادم Pro quo ، إن أي وضع إجتماعي يرقى إلى مستوى المطلق فإنه يتعصب ضد أي اتجاه ينشد تغيير الوضع القائم فالمطلق ( الدوجما ) تكون في أزمة لحظة نقدها وهي تصدر هذه الأزمة لكل مفاصل المجتمع ،و هناك علاقة عضوية بين الدوجما و تجميد الوضع القائم ، و فرصة التسامح لا توجد في الوضع القائم ولا الوضع القادم بل في فترة اللاوضع ، فهل يمكن لهذه لفترة الإنتقالية أن تكون دائمة ؟.
هل هذه الأفكار تجعل التسامح مستحيلا ؟، أفضل ألا أرى الوضع هكذا ، فقط أعتقد أنه من الضروري تصعيد القضية برمتها إلى مستوى آخر من الوعي المعرفي وهذا يخرج عن أهداف هذا الشريط .
فهل لدى زميل ما يثري هذه الجزئية التي أراها جديرة بالمتابعة .
[/quote]
الزميل الفاضل / بهجت (f)

معك كل الحق في تجاهل هذا الرأي و الذي يمثل بالفعل نموذجا لمقاربة فلسفية إلى موضوع ينتمي للواقع. و بالرغم مما قد يبدوا من حبكة تسلسل و منطقية البنية لتلك المقاربة - إلا أنها تنتهي بما قد يخالف الواقع و نتائجه. و كأنها تتحدث عن عوالم موازية. و أعتقد أنه من المناسب حينها ترك كامل البنية بوصفها مدخلا غير مناسب لمادة علمية كان من الأصح أن يتم دراستها علميا.

و إذا كان يرى مراد وهبة أن التسامح ممكن فقط في المرحلة الإنتقالية من وضع قائم Status quoإلى وضع قادم Pro quo فهل له أن يدلنا كيف إنتقلت أصلا المجتمعات تحديدا عبر التاريخ من وضع قائم إلى وضع قادم؟؟
و ما هو تباعا الميكانيزم و الدافع لهذا الإنتقال؟
و بصيغة أخرى كيف إنهار "الوضع القائم" و ترك مرحلة التجميد لوضع جديد في حالات تاريخية مثل التنوير في أوروبا كمثال؟؟

إن إنكار إمكانية أن ذلك تم بالنقد الواعي التراكمي - كما في فرضية د. مراد وهبة - لا يترك مسببا لذلك الإنتقال نهائيا - اللهم إلا العلاقات السحرية (الإنبثاق من لا شئ)؟

أي أنه تبعا لذلك الفرض فالإنتقال من حالة وضع قائم لوضع قادم يتم بدون أي سبب و لا مبرر أو بفعل قوى خفية أو لقوانين عليا ليس للإنسان فيها ناقة و لا جمل. و تلك النتيجة مخالفة مفرطة للواقع و للتاريخ و هي مثال حي لإنكار الواقع و للسببية و للتجربة لصالح بنيات فلسفية مثالية.

إن مثل ذلك هو إنكار أن إطلاق النار على إنسان هو سبب موته و الإدعاء بأن كائنات ميتافيزيقية هي السبب. قد يكون لله أو الشيطان أو الملاك أو الجني .. إلخ. حسنا يمكننا حشر عددا لا متناهيا من الكائنات ذات العلاقات السحرية التي لم نخبرها أبدا - لكن في النهاية لن يبقى في التسلسل السببي سوى إطلاق النار و دخول المقذوف في قلب الضحية ثم النزيف و الموت. هذا ما سيتفق عليه الكل - ثم سيختلفون حول أدوار تلك الكائنات و مكانها في السلسلة السببية .. إلخ و هذا للأبد.

لا أحد يمكن أن ينكر أنه من صفات المجتمع الإنساني هي محاولة المحافظة على الوضع القائم - لكن و بالمقابل لا أحد يستطيع أن ينكر أن هذا المجتمع ذاته هو من يغير الوضع القائم تحت ضغوط دوافع كثيرة و منها إن لم يكن أهمها النقد المعرفي الواعي. فحين يزداد التراكم الكمي للعوامل الضاغطة للتغيير للحد الكافي - تحدث إنقلابات كيفية لذلك الوضع لآخر جديد.
كيف يمكننا مثلا إنكار أن كتابات أشخاص مثل ماركس و فرويد و داروين و غيرهم كانت معاول هدم المجتمع المسيحي التقليدي لآخر مغاير موجود حاليا؟

و في إعتقادي أن ثقافة النقد الدائم للوضع القائم - الثقافة الإجتماعية العلمية بنتائجها من ليبرالية و ديموقراطية .. إلخ هي إن لم تكن تمثيلا لحلم ا لفترة الإنتقالية الدائمة فهي الطريق الصحيح ذلك.

إن أذنت لي سوف أنقل هذه الفقرة لشريط حول الفوضى.

كامل إحترامي و تقديري ,,,