أنا بصراحة لا ارى أن أحوال مصر وصلت إلى هذه الدرجة المأساوية ولا هي في طريقها أن تصل ، ولا أرى كذلك أن الشعب المصري محكوم بالحديد والنار ، والواضح أمامنا أن أي جماعة منظمة تبادر بالتحرك دفاعاً عن مصالحها تجد مجالا متسعاً لحركتها ، مثلاً الاعتصامات والإضرابات العمالية واسعة النطاق التي عرفتها مصر في الشهور الأخيرة وانتهت جميعاً على توافقات مرضية للمضربين والمعتصمين ، وجدير بالذكر أن شيئاً مثل هذا يصعب تخيل حدوثه في بلدان محكومة بالحديد والنار مثل الصين وإيران مثلاً ، في مثل هذه البلدان تؤخذ كل االاحتياطات الوقائية لمنع حدوث أي تعبير احتجاجي فإذا ما حدث وتجرأ نفر من القوم على الاحتجاج فالويل والثبور وعظائم الأمور .

السلطة القضائية المصرية ذات بأس وشكيمة ويقف نادي قضاتها في طليعة القوى المطالبة بالإصلاح ، وهذا عنصر آخر يبعد مصر قليلا عن بلدان الحديد والنار .

الصحافة المصرية المستقلة والحزبية تعرف قدراً من حرية التعبير لم تعرفه الصحافة المصرية في تاريخها بما فيه "المرحلة الليبرالية" الشهيرة ، وهذا عنصر ثالث لا يؤيد إدعاء الحديد والنار وبحيرة الكبريت والرصاص في مصر .

الحياة الثقافية في مصر بصفة عامة (ويشمل انتاج الكتب والفنون بمختلف أنواعها) حرة إلا من تنغيصات تأتي ـ للأسف الشديد ـ من المجتمع وليس من سلطات الدولة .

هل معنى ذلك أن مصر ترفل في نعيم الديموقراطية ؟
بالطبع لا ، ولكنها لا تعيش جحيم الاستبداد ، والأقرب للواقع أنها تقف من منطقة ما في الوسط بين هذا وذاك ، ولعل أهم ما يجب أن يهتم به المصريون في هذه المرحلة هو الدينامية الاقتصادية التي افرزتها إصلاحات حكومة أحمد نظيف وصحبه الكرام رضي الله عنهم جميعا ، أن يتواصل النمو الذي وصل معدله إلى 7% في العام المالي المنقضي وأن تتحقق خطة الحكومة في الوصول به إلى 10% عام 2010 ، نمو بهذا المعدل سيغير كل شيء في مصر في بضع سنين .