تصور الايام القليلة التي تلت احتلال بغداد و سقوط النظام العراقي. بوش يزور السفينة الحربية اياها و يعلن النصر. الجيش الاميركي يستولي على مقرات الحكومة و الوزارات. تصفية ما تبقى من حزب البعث و رجاله. طبعا البقية التاريخية معروفة، لكن ماذا عن هذا السيناريو الخيالي:

بعد ما سبق ذكره، يجتمع ساسة و قادة العشائر و الشخصيات العامة، و يقررون العمل على اقامة حكومة ديمقراطية و يبدأ الشعب العراقي -- تحت الاحتلال -- عملية اعادة بناء العراق و اعماره. تتم الانتخابات في جو سلمي -- بشكل عام -- و تظهر حكومة عراقية و دستور عراقي فيهما من المشاكل و الخلافات ما يشوب كل حكومات العالم، و لكن يستمر البناء. جنرالات الحرب الامريكيين يخبرون حكومتهم بأن الوضع بات هادئا نسبيا، و العمليات المضادة لهم باتت قليلة و محصورة. الحكومة الامريكية تبدأ في سحب القوات بشكل جزئي. بعد مرور عام او عامين، لا يبقى في العراق إلا بضع قواعد عسكرية اميركية منشغلة بمناوشات نادرة هنا و هناك مع عناصر مضادة لها. لكن بشكل عام الامور تعود لطبيعتها، العمل يعود لطبيعته، الاطفال يعودون لمدارسهم، و ينشغل العراقيون بهمومهم اليومية العادية.

طبعا الذي حصل هو غير ذلك. الواقع هو أنه بعد انتهاء عملية الاحتلال، بدأت المذابح العشوائية، و الدمار العشوائي، و بدأ العراقيون أنفسهم في عملية تدمير العراق او ما تبقى منه. و كأن لسان حال العراقيين يقول، "أنتم يا امريكيين فشلتم في تدمير العراق كليا بل دمرتموه جزئيا، لذا سنكمل نحن ما بدأتم أنتم به." و ها هم رجال المقاومة يحرقون أبار بترول العراق و ثرواته، يدمرون محطات توليد الكهرباء، يدمرون مساجد العراقيين، و يقتلون الاطفال و النساء قبل الرجال بلا تفكير. و كأنهم اذا ما أرادت اميركا الهدوء في العراق، أرادوا هم تدمير العراق فقط لإفشال مهمة اميركا فيه. و باتت المقاومة العراقية مثل العاشق المجنون الذي أبى أن تتركه حبيبته و تذهب الى رجل آخر، فآثر قتلها و تقطيعها اربا (طبعا من كثرة حبه لها!)

هل يمكننا يا ترى الاستمرار في لوم اميركا على ما يحصل في العراق اليوم؟ أم أن السيناريو الخيالي المذكور هو سذاجة سياسية؟ علما بأن هذا السيناريو الخيالي هو بالضبط ما حصل حين دمرت اميركا اليابان و احتلتها في الحرب العالمية الثانية.

و هل مشكلة العراق أمر معزول أم أنه جزء لا يتجزأ من الحالة العربية عامة؟ مثلا معركة حزب اللـه مع اسرائيل مع الثمن الباهظ لها و انعدام المكاسب بخلاف حفظ ماء الوجه و "اهانة الجيش الاسرائيلي". و كأن تدمير ربع لبنان و قتل و ذبح المساكين بات الان ثمنا معقولا (بل رخيصا و يا بلاش) فقط في سبيل تخجيل وزير الدفاع الاسرائيلي. ما هذا الزمن الذي يصبح فيه الدم العربي ثمنا معقولا في سبيل اهانة جنرالات اسرائيل؟