في اليوم الذي طالعتنا فيه صحيفة الشرق الأوسط بخبر يقول إن الحكومة البريطانية تأمل في أن يصبح لديها مزيد من المدارس الإسلامية، قرأنا في موقع " كتابات " مقالاً قصيراً للكاتب نبيل الكرخي يعيب فيه على الحكومة الكويتية أنها سمحت ببناء كنيسة قبطية جديدة في الكويت. وقد زعم السيد نبيل الكرخي فيما مضى، كما زعم غيره من المسلمين، أن الإسلام هو دين التسامح الذي يدعو إلى احترام غير المسلمين ومعاملتهم بالحسنى. وقبل أن ندخل في التعقيب على السيد الكرخي، قد يكون من المفيد تقديم بعض الإحصاءات عن المسلمين في الدول الأوربية. يقول موقع (إسلام اون لاين ) في دراسة للكاتب مصطفي عاشور، إن عدد المسلمين في أوربا يقدر بحوالي عشرين مليون مسلم. وإذا أخذنا مدينة واحدة مثل لندن، نجد أن عدد المسلمين بها 607083 من مجموع سبعة مليون نسمة يسكنون لندن. ويوجد في لندن كذلك 800 مسجد وعدد من المدارس الإسلامية والعربية. وحتى المدارس الحكومية تهيئ لطلبتها المسلمين غرفة أو مساحة خاصة للصلاة. وفي روما يوجد مسجد الملك خالد، وهو أكبر مسجد ومجمع علمي إسلامي في أوربا.
قارن هذا بما يقول السيد الكرخي في تعقيبه على د. وليد الطباطبائي، عضو البرلمان الكويتي، الذي أيّد المقاومة في الفلوجة: " يا ترى هل سمع هذا الداعية الفلوجي بما يجري في بلده التي أصبحت تكتض بالكنائس المسيحية رغم صغر مساحتها ، فبالأمس القريب أعلنت حكومة الكويت عن موافقتها على تشييد كنيسة قبطية جديدة في الكويت ! وكانت الكنيسة القديمة قد تم تشييدها في الكويت سنة 1960م ، وهناك في الكويت أيضاً الكنيسة الإنجيلية ، وكنيسة اخرى قرب كليتي ، فما هو موقف الحركة السلفية في الكويت من هذه الإنجازات "الديمقراطية" العظيمة ". وحسب علمي هناك كنيسة واحدة في الكويت شُيدت قبل سنوات بسيطة. وحتى لو كان بالكويت ثلاثة كنائس أو أربعة، كما يدعي السيد الكرخي، فهل هذا اكتظاظ بالكنائس ؟ والمملكة العربية السعودية طبعاً ليس بها ولا كنيسة واحدة رغم الأعداد الضخمة من الأجانب المسيحيين الذين يعملون بها. ويسأل السيد الكرخي: " ألم يقرأ الدكتور وليد الطباطبائي ما ورد في صحيح مسلم ، كتاب الجهاد والسير ، باب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب : (و حدثني ‏ ‏زهير بن حرب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الضحاك بن مخلد ‏ ‏عن ‏ ‏ابن جريج ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثني ‏ ‏محمد بن رافع ‏ ‏واللفظ له ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏ابن جريج ‏ ‏أخبرني ‏ ‏أبو الزبير ‏ ‏أنه سمع ‏ ‏جابر بن عبد الله ‏ ‏يقول أخبرني ‏ ‏عمر بن الخطاب ‏‏أنه سمع رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏لأخرجن ‏ ‏اليهود ‏ ‏والنصارى ‏ ‏من ‏ ‏جزيرة العرب ‏حتى لا أدع إلا مسلما ). " وهذا الحديث قد ورد بصيغة أخرى تقول: " لو أمد الله في عمري، لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب ". وبما أن الله كان عالماً بما قال رسوله، واختار رغم ذلك أن يقبضه إليه قبل أن يجلي كل اليهود والنصارى عن جزيرة العرب، يجوز لنا أن نقول إن الله لم يرد لرسوله أن يجلي اليهود والنصارى عن جزيرة العرب، وإلا لمد له في عمره. وكيف يسمح له أن يجليهم ويخرجهم من ديارهم وهو الذي حرّم على اليهود إخراج بعضهم عن ديارهم، حينما قال في سورة البقرة الآية 85: " ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرّم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ". فإذا كان الله قد حرّم على اليهود إخراج بعضهم عن ديارهم، هل يسمح لرسوله بإخراجهم عن ديارهم؟
ثم لماذا يُخرج الرسول اليهود والنصارى عن جزيرة العرب، وكان الله قد قال له: " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين " (الممتحنة، 8). فاليهود، كما يقول ابن تيمية في كتابه ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ج1، ص 56): " وقال الشافعي في "الأُم": لم يكن بحضرة النبي e ولا قربه مشرك من أهل الكتاب إلا يهود المدينة، وكانوا حُلَفَاء الأنصار، ولم تكن الأنصار أَجْمَعَت أولَ ما قَدِمَ رسولُ الله e إسلاماً، فوادَعَتَ يهودُ رسولَ الله e، ولم تخرج إلى شيء من عداوته بقول يظهر و لا فِعْل حتى كانت وقعة بَدْرٍ، فتكلم بعضها بِعَدَاوَتِه والتحريضِ عليه، فَقَتَل رسول الله e فيهم " فاليهود لم يظهروا أي عداء للرسول بقول أو فعل، حتى موقعة بدر، وحتى بعد بدر كان الشخص الوحيد الذي شجع قريش على حرب الرسول، هو كعب بن الأشرف، وقريش لم تكن في حاجة إلى تشجيعه. وقد أمر الرسول بقتل كعب فقتل غيلة. فلماذا إذاً يُخرج الرسول اليهود من جزيرة العرب والله لم ينهه عن الذين لم يقاتلوه، ولم يمنعه من أن يبر إليهم ؟ وماذا عن النصارى الذين هم أكثر الناس مودة للمؤمنين، ولم يّذكر في أي كتاب تاريخ أنهم حاربوا الرسول، لماذا يجليهم الرسول عن جزيرة العرب ؟ ألم يكونوا في جزيرة العرب قبل الإسلام ؟
فماذا يحدث اليوم لو عامل الغربيون المسلمين بالمثل ودعوا إلى إخراج كل المسلمين من أوربا ودمروا كل المساجد والمدارس الإسلامية ؟ هل سوف يقبل السيد الكرخي هذه المعاملة القاسية التي تأخذ البريء بجريرة المذنب ؟ ألم يقل الله: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا إن الله مع المتقين "؟ وألم يقل الله كذلك: " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين " ؟ فالأوربيون لديهم الحق، حسب الآيات القرآنية هذه، أن يُخرجوا كل المسلمين من أوربا وأمريكا. لكن الأوربيين قومٌ متسامحون، ودينهم يدعو للتسامح الذي لا يعرفه السيد الكرخي ولا الإسلام إلا في سياق الخطابات الإنشائية التي تتحدث كذباً عن سماحة الإسلام وتسامحه. وما أبعد الإسلام عن التسامح، وما أبعد السيد الكرخي عنه.