الوقت - أحمد العرادي:

في العام 2003 أقال رئيس حزب المحافظين إيان دنكين سميث الوزيرة البريطانية آن وينترتون من منصبها كمتحدثة باسم رئيس حزب المحافظين لشؤون الزراعة على خلفية تهكم الوزيرة على الجالية الباكستانية في بريطانيا وقت جلوسها في أحد الأندية مع الأصدقاء.، إذ صادف آنذاك وجود الصحافة التي نشرت الخبر مستنكرة طائفية الوزيرة وعنصريتها.

رئيس حزب المحافظين بدوره برر ذلك القرار للقوانين التي تمنع التلاعب بالنسيج العرقي والاجتماعي في بريطانيا. أما في لبنان فقد تقدم رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان باستقالته مبررا إياها بأن الحكومة ''تعمد لإشعال فتنة طائفية في لبنان والتحريض الطائفي عبر دفع الأموال للمشاركين في إحدى التظاهرات''.

صورتان اشتركتا في الحدث لكنهما اختلفتا في النتيجة، الأولى في بريطانيا من دول أوربا أما الثانية فهي دولة عربية حالها لا يختلف كثيرا عن البلدان العربية التي منها البحرين.. فهل تعاني البحرين فعلا من الطائفية والتمييز أم أن تلك مجرد دعوات

سياسية مغرضة يراد بها النيل من سمعة البلد؟

من الجريمة في حق الوطن الامتناع عن الاعتراف بمعضلة خطيرة أغرقت دولا في نار الحروب وصلتها كلبنان إبّان الحرب الأهلية والسودان التي مزقتها ولازالت تمزقها أسلحة طائفية بين مسيحيين ومسلمين بل ومسلمين فيما بينهم، وأخيرا فإن المشهد العراقي هو أدق مثل يجب الحذر منه، إذ إنه لا يعاني من الطائفية وحسب وإنما هناك تصدير واسع لها لكل دول الجوار.
الغريب، أن البعض ينفي وجود التمييز والطائفية، في الوقت الذي يكشف فيه المسؤولون في البلد ويقرون بوجودها، ولا أبلغ من ذلك تصريح وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة الذي قال إن الخطر الطائفي يمثل التهديد الأكبر على أمن البحرين، وعلينا مواجهة كل من يحاول شق الصف.

والطائفية ليست وليدة الساعة، أو انها محاصرة في منزل أو قرية محدودة إذ استطاعت أن تخترق الأعراف لتصل إلى ممثلي الشعب في البرلمان البحريني السابق، فقد سبق للنائب في الفصل التشريعي الأول علي السماهيجي أن دعا إلى ''الابتعاد عن المهاترات الطائفية''، وقال: ''يجب على النواب باعتبارهم ممثلين إلى الشعب الابتعاد عن المهاترات الطائفية والمزايدات في الصحافة المحلية والنقد اللاذع لبعضهم بعضا الذي لا يخدم التجربة الديمقراطية التي تعيشها مملكة البحرين التي لن تتطور وتستمر من دون تكاتف أفراد الشعب كافة وخصوصا أعضاء مجلس النواب''.

محاولات لإيقاف نار الطائفية والتمييز

في المجلس النيابي السابق قال النائب يوسف زينل بشأن اقتراح إضافة مادة في قانون العقوبات لتجريم التمييز أن البحرين طرف في الاتفاق الدولي لمناهضة التمييز بجميع أنواعه وصوره وإن الجميع يحرص على تطبيق عدم التمييز في المجتمع لكن عدم وجود مادة قانونية حاليا تجرم فعل التمييز يضعف من عملية تطبيق العقوبات على من يمارس التمييز، وإن وجود مثل هذه المادة تساهم في ردع من يحاول ممارسة ذلك الفعل. وكما يعلم الجميع بأنه لا عقوبة ولا تجريم إلا بنص ووجود مثل هذه المادة يعد ضرورة للتجريم ولتنفيذ العقوبة على الجناة''.

في الشأن نفسه كان النائب السابق محمد آل الشيخ قد شدد على أن ''الحاجة أصبحت ملحة في ظل التقدم الحاصل على المستوى التشريعي والدستوري في المملكة، لوجود قانون يجرم ويعاقب فعل التمييز في التوظيف، وأهمية التحقق من استيفاء شروط ومعايير التوظيف لجميع المواطنين، وعلى جميع الوظائف سواء كانت في القطاع الحكومي بشقيها المدني والعسكري، وفي القطاع الأهلي، وجميع مؤسسات وهيئات الدولة الرسمية.

سواء كانت هذه الشروط على مستوى الإفصاح عن الشواغر الموجودة بالوسائل المتعارف عليها وعن طريق الإعلانات في الصحف المحلية، ومن خلال استيفاء الشروط والمعايير الموضوعية والمحددة والواضحة للتوظيف أو الترقي أو استحقاق العلاوات والمكافآت أو الجزاءات والعقوبات''.

ورأى أن ذلك ''يسهم في التصدي لأي من حالات التمييز التي يتعرض لها طالب الوظيفة، أو الموظف. والتي من شأنها تعزيز تفشي الضبابية والعمل غير المؤسساتي، على حساب الشفافية والاطلاع. ويأتي هذا المقترح سعيا منا لبلورة وعي وطني شامل يدعم الوحدة الوطنية ويرعى المنفعة العليا للمواطن، ويرسخ مقومات المسيرة الديمقراطية والوئام الوطني، على أسس واضحة من العدالة والمساواة''.

العنصر النسائي الوحيد في المجلس النيابي الحالي النائب لطيفة القعود تؤكد أن ''ان الطائفية خطر كبير ويجب ان نجتثها من جذورها وأن نعمل على الوحدة الوطنية، والبحرين يجب ان لا تستمر هكذا، ويجب ان نعمل على ان نكون بحرينيين لا تفرقنا الطائفة او المذهب''.

الحاجة لتجريم الطائفية والتمييز

يرى المراقبون أن الحاجة أضحت ملحة لقانون يقف بكل شدة أمام تلك الحالات التي ما فتئت تطفو إلى السطح بين فترة وأخرى، بل إن الواقع الحالي للبحرين يشهد تأخرا كبيرا في مسمى وطن على أسس تمييزية طائفية سواء في التعاملات الاجتماعية أو الرسمية، وخير دليل على ذلك الانتخابات الماضية''.

وهو ما يطالب به النائب السابق المحامي فريد غازي في قوله إن ''على مجلس النواب التحرك الجاد من أجل إيجاد قانون يجرم التمييز والطائفية بما في ذلك الشتم والسب والذي بدأ يتزايد وترتفع حدة وتيرته على كافة الأصعدة''.

وأكد أن ''الشواهد الحالية تدلل بما لا يدع مجالا للشك أن الحاجة أضحت ملحة لقانون يجرم التعرض للوحدة الوطنية سواء بالقول أو الفعل عبر الاستغلال الطائفي البغيض''.

ورأى أن ''حساسية مفرطة تنتاب أبناء البلد الواحد، وعلى الرغم من وجود قانون الإرهاب الذي يجرم مثل هذه الأفعال أو أي إساءة تطعن في الحقوق الوطنية، ومن هنا فإيجاد قانون خاص بمسألة التمييز والطائفية والتعرض لأي فئة سيخفف من الاحتقان إن تم تطبيقه فعليا''.

أحدهم يلفت إلى حقيقة موضحا ''لن نبالغ كثيرا إذا قلنا إن البحرين في حاجة لنزع فتائل التفجير الطائفي، دون الالتفاف على حقيقة الأمر الذي نعيش في استحضار كبير للخلاف المذهبي على حلبة الصراعات السياسية، يروج لها ويغذيها البعض من أجل مصالح ضيقة يصل بها لمآربه على حساب التآلف والتآخي بين أبناء الوطن الواحد''.

ويشير ''هناك طائفية بدأت تتعمق في هذا البلد، وتزداد لتصل إلى حد نشر الغسيل الطائفي، فشتيمة على هذا المنبر المقدس، وقذف في تلك الندوة ثم أشرطة تروج بالمدارس والجامعات و''كل حزب بما لديهم فرحون''.

ويلفت إلى أنه ''خلال الانتخابات الأخيرة لم تشهد البحرين طيلة سنوات ماضية نزاعا كما حدث بين المترشحين وكأنما طاعون التعصب أصابهم جميعا في عقولهم وثقافتهم فغضوا أبصارهم عن دعوى الدين الإسلامي وكل الأديان السماوية لمبدأ التسامح والتآخي''.

وإذا كانت الدعوة في الفصل التشريعي الأول جاءت من النائب محمد آل الشيخ لإقرار قانون يجرم التمييز فإننا بلا أدنى شك بحاجة لتجريم كراهية الجماعات والتعرض للطوائف والتيارات الدينية والمذهبية بمختلف أشكالها.

دور مجلس النواب الحالي .. هل يتحقق؟

من دون أدنى شك فلا أحد من النواب أو الساسة أو النشطاء في هذا البلد يمكن أن يكون أقل وطنية من انتماء السيد مقتدى الصدر للعراق، إذ طالب الأخير بسن قوانين تجرم كل من يشتم أو ينتقد الأديان أو المذاهب أو الرسل أو الأولياء، فهل يمكن أن يتبنى مجلس النواب مثل هذا التوجه؟

في السياق نفسه يبدي البعض استغرابه من التلكؤ في تبني قانون لتجريم التمييز والطائفية خصوصا في ظل تلك الدعوات المستمرة من النخب المجتمعية الداعية إلى إنهاء هكذا صراع قد يودي بأمن وأمان الوطن.

وإذا كان على الحكومة ومجلس النواب الدفع باتجاه إيقاف المد الطائفي المتزايد من خلال إقرار وتنفيذ القانون فعلى الجمعيات السياسية والأهلية العمل جاهدة من أجل البحث عن قواسم مشتركة فيما بينهم وتجنب استخدام البعد الطائفي في صراعات سياسية تودي بالسلم الاجتماعي البحريني.

''الوفاق'' بدورها كشفت على لسان عضو كتلتها محمد المزعل في لقاء مع ''الوقت'' نشر الأسبوع الماضي أنها ''ستطرح ملف تجريم التمييز لضرورة التجريم، وقد طرح في الآونة الأخيرة عدد من المسؤولين كوزير الداخلية ان اكثر ما يؤرق هذا البلد هو الطائفية وهي مرفوضة من قبل الجهات المسؤولة ومؤسسات المجتمع المدني''.

ويتابع ''وكما هي مرفوضة من قبل المسؤولين هي مرفوضة من الجمعيات السياسية ومن الوفاق فنحن جميعا نتفق على ان التمييز سواء على أساس طبقي او طائفي أو قبلي يعد جريمة بحق الوطن قبل الأطراف ولابد من النظر في تحريم هذا الأمر ونحن لدينا ملف وسيطرح على مشروع قانون''.

فإذا كانت ''الوفاق'' قد أبدت استعدادا لطرح هذا الملف، ويكمن السؤال في تلكؤ بقية الكتل أو مساندتها خصوصا في ظل الفتنة المتأججة والطائفية المنتشرة وخطب التمييز والفرقة، فهل سيخيبون الظن مرة أخرى؟

http://www.alwaqt.com/art.php?aid=68840