الزميل المحترم / بهجت (f)
Array
نظرا لتباعد فترات العرض أخشى أن تكون المتابعة أكثر صعوبة ، لهذا أتمنى أن تطرح المادة على فترات متقاربة .[/quote]
لك كل الحق في هذا. و أعدك أن أكثف وقتي لهذا الموضوع في هذه الفترة و حتى إنتهاء الشريط.
Arrayأخبرتك سابقا أن هذا الموضوع تحديدا ( الفوضى العالمية ) هو موضوع إهتمامي الرئيسي ، و لو كان ملائما لك يسعدني أن نحصر جهدنا في هذا الشريط دون تشتيته في أكثر من موضع ، [/quote]
يشرفني ذلك و بالتأكيد. (f)

و بداية فإن لي عدة تساؤلات قد تساهم في توحيد إطار البحث و هذا نظرا لأن إهتمامي قد إنصب على الفوضى المحلية تحديدا قبل إن تلفت نظري لأهمية موضوع الفوضى العالمية:
1- هل كلا من الفوضى على المستوى المحلي و الفوضى بالعالم هما نفس الأعراض لنفس الأسباب؟ أم أنها أعراض متشابهة كنتيجة لأسباب جد مختلفة. هذا مع إمكان تأثير كل منها على الآخر؟
و بصيغة أخرى لو كانت الفوضى في بنية ما هي فقدان المرجعية التي تستند إليها تلك البنية لعدم قدرتها مجددا على إستيعاب أو الإستجابة لمتطلبات و أسئلة إستجدت لظروف ما.. حينها فقد يتوجب علينا الحرص الشديد مخافة أن ننزلق في تعميم قد يقودنا لنتائج ليست دقيقة.
و لذا فقد يصبح السؤال "أين يقف الناقد" سؤالا شديد الحيوية في موقفنا هذا لو تم النظر للفوضى كحالة واحدة مما قد يسبب نتائج شديدة الضرر في ناحيتنا.
مما يذكرني بأمثلة من قبيل حين يتغير كامل باراديجم في علم ما لصالح آخر يستوعبه و يتخطاه (كالنسبية و الكم بعد قوانين الحركة أو الجينات الوراثية بعد التطور).
هنا فسقوط باراديجم مثل هذا لم يتم نهائيا لصالح آخر نمتلكه نحن - بل أنه و بالفعل قبل و بعد سقوطه - في مرحلة أعلى كثيرا على سلم التقدم و التطور مما نمتلكه نحن من تفاسير - و لذلك فعملية السقوط تلك يجب ألا تؤخذ بشكل مطلق و إلا سببت ضررا لا يمكن تلافيه.
فتلك الباراديجمات المنتهية الصلاحية - نسبة لأخرى أعلى و أكثر دقة قد إحتوتها و تعدتها - تعتبر بالنسبة لما نملك نحن أكثر رقيا و أعلى مرتبة. فنظريات نيوتن أو التطور هي بالتأكيد أكثر دقة من تفاسير الكتب المقدسة و نزول آدم. و تباعا فتلك النظريات لم تسقط نهائيا نسبة لموقعنا في قطار التطور - حيث وجب أن تسقط نظرياتنا من قبلها لكي نتحدث عن سقوطها. و الذي سيكون حتما لصالح الأكثر شمولا و ليس لصالح الأكثر تخلفا.

و عودة لموضوعنا .. هل يمكن دراسة الفوضى المحلية في نفس إطار دراسة الفوضى العالمية الآن - و هل معنى وجودنا في نفس الزمن متوازيين مع أصحاب الفوضى العالمية - يعني أننا على وشك أن نجتاز نفس الفوضى - أم أننا يجب أن نجتاز فوضى أخرى تخصنا نحن فقط - سبق و إجتازها الآخر منذ زمن ليس بالقريب قبل أن نجتاز معه ما يجتازه؟

2- في واقع قد يحدث فيه أنواع متعددة من الفوضى و على مستويات شديدة الإختلاف - لكن و لسوء الحظ فالأعراض قد تتزامن سويا - مع كامل الإحترام للفرق بين الزمن الفيزيقي المشترك بيننا و زمن آخر واقعي أيضا حيث يسبقنا فيه الآخر قرونا طويلة - و مما قد يزيد الأمور تعقيدا تشابه الكثير من الأعراض في هذه و تلك.
في واقع مثل هذا - شديد التعقيد - مكانيا أصبح كالقرية الصغيرة و زمانيا يعيش نفس الزمن الفيزيقي و إن كان مصابا بفصام حاد في زمن التطور بين طرفيه - كيف سيمكن تلاشي أو عزل النتائج السيئة - أو المدمرة - لأحد إرهاصات تلك الحالات من الفوضى على الأخرى؟

3- توجد عدة أسئلة أخرى تتمحور حول الطرف الأضعف - مجتمعات الدوجما بالشرق الأوسط - لكني أحببت أن أنتظر منكم ضوءا أكبر حول وجهة نظركم في الفوضى العالمية.
Arrayو فقا لذلك سيكون لي تحفظ بسيط على اختيارك نموذجا ميكانيكيا لطرح فكرة الإتزان المرن في حياة الشعوب ، لأني أرى أن النماذج الميكانيكية لا تعبر جيدا عن التحولات الإجتماعية ، وربما ستكون هذه الفكرة مكررة و لكني أراها نافذة و حيوية ، هي .. إننا نميل بشكل يكاد يكون غريزيا إلى ما يسمى الإسقاط ،وهو يعني أن التاريخ ينهج منهجا عقلانيا و أن المستقبل سيعكس الماضي القريب ، ولكن هناك وجهات نظر أكثر تعقيدا عن المستقبل و أنه يسير في منحنيات تغير مسارها باستمرار و هذا رأي فيلسوف معروف هو ( فيتجنشتاين) ، سيكون لي أيضا بعض التعليقات المستقلة حول تأثير التطور التكنولوجي على حركة التاريخ بما يفوق كل الفلسفات مجتمعة و مضروبة في 4 أو 5 ، إن الإنجازات التكنولوجية و ليست أفكار النخب هي التي صنعت الحاضر ،و أعتقد ان المستقبل لن يكون مختلفا عن الحاضر في هذا الشأن ، إن المنقبة التي تقود سيارة مرسيدس في شارع عباس العقاد بالقاهرة سوف تشاهد غالبا نفس برامج التلفزيون و تتعامل مع نفس الأنظمة البنكية و ستحلم غالبا بنفس الرجال مثل زميلتها العارية التي تركب نفس السيارة في لاس فيجاس ، فالسيارة و البنوك و التلفزيون هي التي تفكر خلال الناس حتى لو تصورنا العكس ، إن البشرية كلها تركب نفس القطار ، و الفارق بين الشعوب الأوروبية المتقدمة و الإسلامية المتخلفة هو أن الشعوب المتقدمة تعرف اتجاه حركة القطار و تسير فيه بينما المتخلفة لا تعرف ذلك و تسير عكس حركته حتى تتصدم بنهاية القطار و سيكون عليها إما القفز منه إلى الهلاك أو محاولة إيقافه بنطح الجدران ، أو القبول في النهاية بالتحرك في الإتجاه الصحيح و لكن في مؤخرة البشرية كتابع ذليل .[/quote]
لا أختلف معك نهائيا في هذا. و حتى و أنا صاحب المثال.
فمحاولات تكميم و تأطير و قياس الظواهر الإجتماعية و تباعا التنبؤ بأحداث ما - ليست بذات دقة و صرامة مثيلاتها في العلوم الفيزيائية. نظرا لشدة التعقيد و التداخل و الصعوبة البالغة في حصر أو تقدير كافة العوامل المؤثرة.
و لذلك فدائما ما تحتوي أية نظرية لتأطير الظواهر الإجتماعية على الكثير من الفروض الضمنية الصامتة - حتى و إن لم ينص عليها منطوق تلك النظريات - مثل:
- الفرض بأنه لا توجد عوامل أخرى مؤثرة غير تلك المعزولة في مادة البحث - أو أن تأثيرها يمكن إهماله.
- فرض ضمني بالثبات النسبي المعقول مع الزمن - و لذلك فكلما تحدثت التنبؤات عن واقع قريب كلما كانت نسبة الخطأ أقل.
- الفرض بإستمرارية نفس الظروف و العوامل التي تحدثت عنها النظرية - وصولا للنتائج التي تتنبأ بها. مع أنه من الممكن أن تكون تلك النظرية و تلك التنبؤات ذاتها هي السبب المباشر لإنحراف و فشل تلك التنبؤات - و هذا حال كون مادة بحث النظرية هي مادة واعية ذات إرادة و ردة فعل قد تدفعها للإنحراف عن الطريق الذي حذرت منه النظرية ذاتها.

و لذلك فقد كان دائما من الأنسب و الأفيد إلقاء الضوء على ذات الظواهر من وجهات نظر مختلفة و مغايرة قد تختلف في الكثير أو القليل - لكنها تساهم في تكوين صورة متعددة الأبعاد و لقطات ثابتة من زوايا مختلفة - إن صح التعبير - لجسم متحرك كان يقبع في الظلام الدامس.
Arrayإن نموذج العالم الذي صنعه الإنسان خلال القرون الثلاث الأخيرة تبخر معظمه خلال العقود الثلاث الأخيرة ، يمكننا بلا عناء رصد إنهيار اليسار بمعناه الواسع .. الماركسي و الإشتراكي الديمقراطي ، و سقوط وفشل الأنظمة التي أنتجتها حركات التحرر الوطني و تبخر أمل أو وهم الطريق الثالث ، بل حتى هناك شكوك قوية تحيط بمستقبل الليبرالية المنتصرة في الغرب ،و التي بشرنا فرانسيس فوكوياما يوما قريبا بأنها نهاية التاريخ ، بينما يدلل الآن مفكر كبير بحجم إيمانويل فاليرشتاين على سقوطها الوشيك أيضا .
هناك إجماع كبير بين أفضل العقليات الذين يتم إقتباسهم على نطاق واسع أن العالم الذي نعرفه في طريقه للإختفاء خلال الخمسين عاما الأولى من القرن 21 ، و ستكون تلك الحقبة الإنتقالية من أصعب حقب التاريخ و أبعدها عن الإستقرار ، نعم ربما يغادر العالم نظامه القديم إلى مستقبل مشكوك فيه و يكتنفه الغموض ، رغم هذا فالتغير حتمي والبقاء لا يكون أبدا في مكان .
إن النظام العالمي الحديث لم يكن نهاية التاريخ بل هو مجرد منظومة تاريخية مميزة كان لها بداية و تطور وهي الآن تدخل أزمة النهاية أو الإحتضار ، نحن نعاين بالفعل إرهاصات هذه التحولات الكبرى ، هناك تغيرات عديدة تطرأ على النظام العالمي على مختلف الأصعدة ، هذه التغيرات تفرض على الشعوب البت في خيارات متعددة و التنبؤ بتداعياتها ،وبهذا هي تطرح على البشرية تحديات غير مسبوقة ،و لن يكون مجديا تأطير الجدل حولها في نفس الصيغ العقلية القديمة ، فما بالك بمجتمعات تحولت عن العقلانية المحدودة التي عرفتها بالكاد إلى دوجما مضحكة من عينة ( الإسلام هو الحل ) ، هناك تعبير شهير أنه في اللحظات الفارقة من التاريخ فإن أي مدخلات صغيرة تكون لها مخرجات كبيرة ، و سوف يحصد المستقبل من يساهم بأكبر نصيب في إعادة تشكيل الحاضر ، إن الذي لا يساهم في صنع الكعكة لا يتوقع أن يأكل منها ، و لكننا للأسف لا نتوقف عن الهروب إلى الماضي كحالة غير مفهومة من التخلف العقلي الجماعي ، ولو ظللنا مختبئين في كهوفنا كما نفعل الآن فسوف يصنعون عالما لن يكون لنا مكانا فيه ،بل حتى التعفن داخل نفس الكهف لن يكون متاحا[/quote]

أستأذنك في أن تعرض لأفكار إيمانويل فاليرشتاين عن سقوط الليبرالية بوجه عام من حيث رأيه في أسباب ذلك و عن تنبؤه فيما بعد الليبرالية.

كل الشكر و التقدير ،،،

(f)