كثر الحديث عن النصر و الهزيمة في الحرب اللبنانية الاسرائيلية الاخيرة.. او لنكن اكثر دقة .. حرب حزب الله و اسرائيل.. تلك الحرب التي سمتها قناة الجزيرة القطرية "الحرب السادسة" نكاية بالمملكة العربية السعودية...
و كثر الحديث و التهويل الاعلامي العربي عن تحطيم اسطورة الميركافا .. او المركبة.. الاسرائيلية التي لا يقف في طريقها شيء.. و كثر الحديث عن تحطيم اسطورة الجيش الاسرائيلي الذي لا يقهر.. و كثر الحديث عن ضربة ساعر5 التي كانت بحق لطمة موجعة و مخزية على فم الاعلام الرسمي الحربي الاسرائيلي و ان اختلفنا على نسبة النجاح الذي حقق في تلك المهمة ..
و اختلفو كذلك حول ما اذا كان ميليشيا حزب الله ربح فعلا في تلك الحرب.. او على الاقل في ساحة المعركة..
و ليس عموما...

لنطلع على بعض التفاصيل ... و لنجاول تقييم بعض "الحقائق"
و لنناقش بعض الامور الغير متفق عليها .. من قبل الفرقاء حول ادعاء النصر او الهزيمة... و صحة هذا الادعاء من عدم صحته ..
احد الامور التي اثير حولها ضجة كبيرة هي تحطيم اسطورة الميركافا و المعجزة التي حققها حزب الله ...
هل حقق حزب الله معجزة.. ؟
في الحقيقة .. حزب الله لم يحقق الا ما كان المفروض منه تحقيقه.. بمعنى.. ان حزب الله كان مجهز باحدث الصواريخ .. المضادة للدبابات .. و باعداد لا تملكها حتى دول ضخمة... حزب الله استخدم صواريخ مضادة للدبابات .. ك كورنت, ميلان, تاو, و اخيرا الار بي جي 29 ... الجبار.. الحديث جدا..
تم ضرب الدبابت الاسرائيلية من مسافات تتراواح ما بين 3 كيلو الى 500 متر ... النتائج في الميدان اثبتت ان الدبابات الاسرائيلية ابدت مقاومة شديدة ترقى الى مستوى سمعتها المعروفة.. ففرق صيادي الدبابات كانو يضربون الدبابة الواحدة بثلاث او اربع صورايخ الى ان يتمكنو بالفعل من اعطابها بشكل جيد و هذا بحد ذاته يعد معجزة في التدريع للميركافا... خاصة اذا اخذنا بعين الحسبان ان اصابة واحدة مباشرة من اي من هذه الصواريخ يكفي لتدمير دبابة عادية تدميرا كاملا.. تمكن حزب الله من اعطاب حوالي 18 دبابة اعطابا مقبولا.. دمر منها تماما دبابتان فقط .. عن طريق "الغام ارضية".. الدبابات الاخريات .. تم اصلاحهن على ارض المعركة باقل من 6 ساعات ... و من ثم اعادتهن للعمل مباشرة..
كان حزب الله ينشر في المنطقة عشرات الفرق الصغيرة المتنقلة الحاملة للقاذفات .. و ما حصل كان النتيجة الحتمية و المنطقية الوحيدة للخطا الذي ارتكبه القادة العسكريين الاسرائيليين .. فانزال الدبابات بتلك الطريقة الاستعراضية الرعناء كان كارثة عسكرية تعكس استعجال و سوء تنظيم قادة الاركان الاسرائيليين .. و في الحقيقة نفس النتيجة كانت ستحدث لاي جيش في العالم في اي منطقة في العالم و على يد اي ميليشيا منظم تنظيما جيدا ... طبعا قي ما اذا كانت هذه الميليشيا تملك من التسليح و خاصة القاذفات الصاروخية بتلك الاعداد التي كانت لدي حزب الله ... و هذه حقيقة هي احد المفاجئات التي صعقت الاسرائيليين .. فسعر القاذفة الواحدة قد يصل الى مبالغ تتراوح بين العشرين و الثلاثين مليون دولار.. و سعر الصاروخ الواحد يقدر كذلك بمئات الالاف و قد يصل لمليون دولار للصاروخ... من ما يدل على ان لحزب الله محفظة سميكة جدا... هذا كله ناهيك عن صعوبة ايجاد من يبيعك هكذا اسلحة !!
اذن هل فعلا دمرت اسطورة الميركافا .. و ان دمرنا في عقولنا الاسطورة هل دمرت الميركافا نفسها... هل اخرجناها من ساحة المعركة و هل اسقطناها من حساباتنا العسكرية.. هل يمكن ان يتكرر ما حصل في الحرب السادسة و هل ستقدم اسرائيل على ارتكاب نفس الاخطاء في المرة القادمة التي تنوي اجتياح المنطقة فيها... ؟
في النهاية .. سبب نجاح حزب الله كان .. قابليته و كفائتة في التنظيم و الحركة و في استقلالية ضباطه و كفائتهم في اتخاذ القرار الصائب في الوقت و المكان المناسب.. و هذا امر لم نعتد عليه نحن العرب بشكل عم لاننا مشلولون بمرض المركزية في كل شيء.. .. و كذلك ... ثبات رجال حزب الله نفسيا و جسديا في مواقعهم رغم ان الموت كان يحوطهم و يستهدفهم على مبعدة امتار.. و لا مجال للانكار ان اليقين و الايمان وضعا في انفسهم و قلوبهم سكينة مكنتهم من تنفيذ مهامهم باعصاب حديدية .. يحسدهم عليها ابسل جيوش العالم..
كذلك كان حزب الله يمتلك خرائط كاملة .. لمناطق العدو.. كان يمتلك صور.. فيديوهات مسجلة.. كان يعرف كل شيء عن مواقع توزيع القوات الاسرائيلية.. كان يعرف كل شيء عن الطرق و التحركات الاسرائيلية.. و هذه ايظا كانت مفاجئة قاسية للجيش الاسرائيلي و استخباراته العسكرية التي لم تكن تتصور بان ميليشيا الحزب يملك هكذا تكنولوجيا اصلا .. فما لم يكونو يعلموه كان هو ان ايران كانت قد زودت الحزب باحدث اجهزة الرؤية و الرصد و التجسس .. كان ضمن تلك الاجهزة نواظير ليلية دقيقة و كاميرات تستطيع رصد تحركات العدو على بعد عدة كيلومترات .. .. و ايران بدورها كانت قد حصلت على هذه الاجهزة كمساعدة لوجستية لمراقبة طرق تهريب المخدرات و السيطرة عليها ضمن اتفاقيات رسمية عالمية .. و البلد الذي كان قد قدم هذه التكنولوجيا كان بريطانيا العظمى بشحمها و لحمها!
الجانب الاخر من المعركة كان معركة قصف المدن.. او القصف الصاروخي .. كذلك و على غرار فرق صيادي الدبابات كان هؤلاء يتحركون في مجموعات صغيرة تتنقل بسرعة كبيرة بين الشوارع و المجاميع السكنية... و هؤلاء كلفو القيادة العسكرية و السياسية الاسرائيلية مصداقيتها لدي الاسرائيليين .. اذ لم تفلح كل الوسائل التي اتبعتها اسرائيل في وقف انهمار الصواريخ على المدن الاسرائيلية.. كم كان الضرر الحقيقي من هذه الصواريخ... حقيقية كان شيء طفيف جدا مقارنة بما كان يحدث على الطرف الاخر و السبب هو صغر حجم هذه الصواريخ و محدودية قوتها التفجيرية .. ... كذلك تبين لاحقا ان الحزب فعلا كان يستخدم المناطق السكنية و البنايات كقواعد لاطلاق الصواريخ مما جعل الطيران الاسرائيلي يبدا بتوجيه ضربات مكثفة لهذه المناطق مما اسفر عن وقوع ضحايا ابرياء كثيرين...
على صعيد القتال الفردي.. فايظا رجال الحزب ابدو مهارة و حرفية مهنية من الطراز العالمي.. قد يدعي البعض بانها كانت ترقى الى مستوى "قوات خاصة" .. و قد نتفق معهم او نختلف معهم .. لكن ما كان مؤكدا هو ان اولئك الرجال.. كانو على مستوى مهني لا يقل عن مستوى افضل الوحدات القتالية الاسرائيلية.. التي زج بها على الرغم منها في تلك المصيدة الرهيبة ..
احد الاسئلة المحيرة الشائعة الاخرى.. هي ضربة ساعر 5.. التي بهرت العالم ... فتلك كانت بحق ضربة معلم كما يقال.. و لطمة موجعة بمعناها المعنوي... لماذا المعنوي.. نعم.. لان ذلك الصاروخ لم ينفجر... و الضرر الذي لحق بتلك السفينة كان ناجم عن الحريق الذي اندلع فيها نتيجة اختراق الصاروخ خزانات الوقود... لكن .. هذا كله لا يقلل من شراسة و صلافة استراتيجيات الحزب "الاعلاموعسكرية"... فتلك كانت معجزة اعلامية.. معجزة اعلامية بحق... نفذها الحزب و حصد ثمنها الاعلامي شخص "نصر الله" .. حينها...

عادة اقول ... ان هناك سر مهم وراء نجاح المقاومة اللبنانية في سبق العدو بخطوة دائما.. .. ذلك السر هو الشخصية اللبنانية نفسها.. انها شخصية التاجر الذكي المتجذرة في نفسية اللبناني.. انه تاجر.. تاجر بكل ما تعني الكلمة.. يتميز بذكاء و حنكة التاجر الشاطر.. حساباته دقيقة.. قائمة على معادلات مدروسة ..عيناه مفتوحة.. يدقق في التفاصيل ..يقارن .. يسال .. يراهن على قدراته و امكانياته بذكاء و فطنة و ابتسامة ماكرة تعلو وجهه .. استطيع ان اقول ان مكر التاجر اللبناني غلبت غطرسة العسكري الاسرائيلي فالتاجر يستطيع شراء ادوات الحرب و توضيفها لكن العسكري البحت لا يستطيع شراء فطنة و ذكاء التاجر.. و بالتالي هو محبوس في دائرة مغلقة..
ماذا اثبتت الحرب السادسة للعالم... بعيدا عن الصخب الاعلامي.. و المفرقعات .. و المبالغات..
نعم انها اثبتت بان العرب يستطيعون احياننا ان يقاتلو... ان توفرت الضروف..
و بان دولة "عالم ثالث" كايران لم تبدا بجر انفاسها الا بعد سنة 89 و بعد خرزجها من حرب طاحنة .. و في ضل حصار عالمي قاسي .. تستطيع ان تواجدت الارادة السياسية الحقيقية و هي موجودة فعلا.. ان تصنع المعجزات...
فالحقيقة المرة هي ان ايران هي من قاتلت اسرائيل في الحرب السادسة.. في حين ان العرب كانو موزعين بين متذمر و متامر مشتت الذهن و مذهول..
الحقيقية هي ان التخطيط و التدريب و التمويل و المرجعية الايديولوجية الايرانية هي التي مكنت حزب الله من وضع اصبعه في مؤخرة المؤسسة العسكرية الاسرائيلية.. و ذلك الاصبع هو الذي اسقط عدد لا يستهان به من رؤوس و جحاجيح الكيان الصهيوني بثلاثة و ثلاثين يوما..
فمتى نتعلم الدرس.. متى نتعلم من ايران...


تحياتي..
القرامطي..