إلى اسماعيل أحمد

أظن أنه لا داع للرد على التشبيه بين الشيعة وفيروسات الإيدز أو فئران سد مأرب. هذا التجرؤ على الأخر – الذي تدعون رفضه – مسألة لا يحلها الحوار لأنها لا تنتمي إلى المعقول.

قد يأتينا شيعي يشبه المذاهب السنة الأربعة بطبول السلاطين، ويأتي على الحروب الإسلامية – الإسلامية التي حدثت في التاريخ فيتهم السنة بالتسبب بمعظمها عن طريق مؤامرات عربانية متخلفة، ويستنتج أن الطائفة السنية مذهب بلاط أباطرة ما بات يسمى بالإسلام بعد موت نبي الإسلام. وما هم (السنة) إلا جناذب تكبرت فصارت أباطرة، وبالتالي فالأئمة الأربعة أذيال جناذب! وعليه فلكم العذر فيما تكون الطائفة السنية من بعد الأذيال. ولا زلنا خارج حدود العقل.

ثم إن الناس من ألسنتها تعرف. لقد بدأ الحديث عن عرض لممارسات النظام في ما يسمى بنشر التشيع، أو التحيز لأحد طرفي الصراع في المسألة الطائفية، ثم انتهى بدفاع معارضي النظام السوري عن المذهب السني، بل وقذف الشيعة بالفراغ وبأنهم ليس لديهم فقه أو أصول... علماً بأني – وحسب علمي المتواضع – أعرف بعض أهم أئمة السنة، ومنهم الأربعة أصحاب المذاهب الأساسية، خريجو مدرسة الصادق (مدرسة الشيعة)، وأن الشيعة هي الطائفة الوحيدة التي قالت بالاجتهاد في أصول الدين. ولو تعلمون ما هو الاجتهاد في الأصول... هذا عدا عن كونهم المدرسة الوحيدة (تقريباً) التي آمنت بالفلسفة (بالإضافة إلى الباطنيين من العلويين والدروز). هذا كله في نظري يعطيهم ائتمان أفضل بكثير من غالبية المسلمين الباقين.

Arrayأن لا يعرف الفرد حدود حريته فيسعى لبث قناعاته الخاصة علانية دون أي احترام لثقافة الساحة المحيطة به، والمجتمع الناظم لها، فلا مجال لترويج ثقافة الإرهاب والجريمة المنظمة في كل دول العالم، ولا مجال لترويج ثقافة البغاء والسكر والمخدرات وتجارة الحشيش في غالب المجتمعات الإنسانية، ولا مجال لترويج كثير من أنماط الثقافة الدينية في مجتمع علماني متعصب مثل فرنسا، كما لا مجال لترويج كثير من أنماط الثقافة الإلحادية في المجتمعات الدينية كالسعودية وإيران، كما لا مجال لترويج ثقافة تثير الكراهية والعنصرية في كثير من النظم، بينما نجد لبعض الدول أو المجتمعات خصوصية في منع ثقافة معينة من الظهور، كثقافة التعاون مع المحتل في الدول المحتلة حيث تصنف على أنها خيانة عظمى، وتكلف أتباعها بذل دمائهم[/quote]
بأية شريعة أو حق تحكم بكلمة "لا مجال"؟ وما هي حدود المجال أو اللامجال؟ ولنفرض أن مجتمعاً ما كان على خطأ ما، فكيف بأي إنسان متنور أن يغيره إن كان سيرزح تحت قانونك ذي "اللامجال"؟

خذ مثلاً... أوهل كان هناك "مجال" لمحمد بن عبد الله أن ينشر ثقافة الإسلام التي دمرت بقوة السف جميع مقدسات الوثنيين و"المشركين" بعد هزيمتهم في معارك عسكرية في الجزيرة العربية بدون أدنى احترام لمشاعرهم؟
أوهل كان هناك "مجال" أن تتحمل مجتمعات بلاد الشام ومصر التي كانت مسيحية "فتوحات" الإسلاميين التي قهرتهم بالسيف وجعلت دينهم هو الإسلام غصباً عن أبو اللي خلفهم؟
أوهل كان هناك مجال عند المسلمين في منتصف القرن العشرين أن يقبلوا بوجود دولة اسرائيل عندما جعلتها بريطانيا دولة رغم أنوف جميع "الأئمة" و"الملوك" و"الزعماء"؟

من ناحية المبدأ، مقاومة المجتمع لأي تغيير هي النتيجة الطبيعية للتغيير. ولا يصح – ولا بأي شكل – أن يصاغ قانون ينظر إلى مقاومة المجتمع للتغيير على أنها حد سيف "لا مجال" معه إلى التغيير. وإلا فصياغة مثل هكذا قانون هي مؤشر واضح على الإحساس بالضعف أمام التغيير. والضعف بداية الزوال.

Arrayما ننكره في موضوع التشيع في سورية جملة من الأمور تتناول النظام السوري أولا - وهذا ما يعنيني كمعارض-......[/quote]
مشكلة النظام السوري مع الطائفية في سوريا مشلكة قديمة قدم النظام بحد ذاته. وهذه لا علاقة لها بتاتاً – من ناحية المبدأ – بأحقية أو عدم أحقية أي مذهب أو دين أو صاحب فكر بنشر فكره في مجتمع "لا مجال" فيه لهذا الفكر. إن هذا الخلط بين المواضيع المستقلة تماماً منبعه الحماس وليس التفكير الهادئ.
لقد سألتك وسواك، إن كنتم بالفعل صادقين وتجادلون في مسائل نشر المذهب بأسلوب عادل، فأين كانت أصواتكم عندما كان المد الوهابي يغزو مدارس الدين السنية وكليات الشريعة في سوريا؟ لم يجب أحد.

نعم كلامك صحيح، النظام السوري بات متخبطاً واضطر للاستسلام لخطة إيران في نشر موالين لها في الدول العربية من خلال التحويل الطائفي، لكن ما هو سر هذا الضعف السني المفاجئ أمام مد ديني لا يحدث بالسيف بتاتاً؟ علماً بأن النظام المخابراتي لا يستطيع أن يسجن الأفكار ولا أن يعاقب العقائد إن دخلت القلوب! أوليس هذا مؤشر على انهيار نظرية فوقية الطائفة السنية؟

Arrayأنا ضد التهوين، وضد التهويل، فسورية أموية، وستبقى في نظري كذلك إلا أن يشاء الله، والشيعة مع كل ممالأة النظام ومغرياتهم، لا يملكون مشروعا ثقافيا مستقلا، بل مشروعهم هو الطعن بالثقافة السنية لا أكثر، وبالتالي فهو موقف سلبي لا إيجابي في نظري، وحتى التراث الشيعي -مع إجلالي للمفكرين والفلاسفة والفقه الشيعي- لا يمكن أن يتجاوز السقيفة والجمل والحوأب والغدير وصفين وكربلاء، ثم يقفز بالبارشوت بعيدا نحو حجة الله الغائب في سردابه، سردابه، وهذا ما يفسر اعتماد الفكر الشيعي على التراث السني الذي درس هذه المرحلة بقدرها ثم تجاوزها، ولهذا كانت الشريعة الإسلامية بالطرح السني مشروعا قائما بغض النظر عن الموقف منه والتنازع حوله، أما الشريعة بالطرح الشيعي فتجمدت عن مواكبة المجتمع والدولة والحياة بانتظار حجة الله الغائب![/quote]
بل إن للتاريخ رأي آخر. إن الكبت والديكتاتورية والقهر الذي عانت منه المذاهب الأخرى – الخارجة عن خط السلاطين الأباطرة المسمون بالخلفاء الراشدين – هو ما أزاحها عن ساحة التاريخ المكتوب في بلاط الأباطرة أنفسهم وإن لم يزلها من ساحات الواقع المكبوت. وهو السبب الكامن وراء شح مكتوباتهم الأدبية. والملفت للنظر أنه رغم التجزير بهم عبر التاريخ لم يفقدوا موارد الأصول والفقه لديهم. وهذا يحسب لهم.

باعتقادي أن ما يحدث اليوم ما هو إلا موجة رد الفعل التي تعطي توازناً طبيعياً لحجم انتشار العقائد الروحية بتنوعها في عموم المنطقة.

وعني فأنا لا أرى أن مشروعهم متعلق بالطائفة السنية بتاتاً أو محتاج لوجود سني كي يعارضه كما تحاول أن تقول. بل إن غالبيتهم في إيران وجنوب العراق والبحرين وجنوب اللبنان وشرق السعودية شيعة. ولم يكونوا شيعة قط لأن سواهم سنة! بل هم طائفة قائمة بذاتها، تحتوي في أدبياتها على مبادئ حرية عقل وفلسفة واجتهاد سامية لو طبقت لكان حال المسلمين – باعتقادي – أفضل.

الجميع يعلم السياق التاريخي للانقسام الطائفي الإسلامي. وأنا شخصياً أعتقد أن هذا الانقاسم التاريخي هو السبب وراء ظهور المذاهب كلها، سواء الشيعة أو السنة. أي أنني أعتقد ملياً بأن العقائد نفسها نشأت بسبب سياق تاريخي تحكمه السياسة.

بعد وقاة مؤسس الإسلام، حدث ما أسميه انتصار تيار الأعراب الذين استطاعوا أن يعودوا بالإسلام إلى تقاليدهم الأعرابية على تيار التغيير الأكثر ثورية وعقلانية – تيار سلمان الفارسي وأستاذه علي بن أبي طالب – وهو ما أدى إلى انقسام العالم الإسلامي إلى قسمين. أحدهم فضل الـ safe side وهو القبول بالوضع الراهن على أنه الحق، وبعد أن حدد له الامراطور (الغير فقيه!) عدد أئمته ومصادر تشريعه بالأئمة الأربعة، سمي بمذهب السنة. والتيار الثاني – الخاسر عسكرياً وسياسياً - هو الذي اعتقد بأن الإسلام لم يحل بعد، بل إن الحالة "الثورجية" لا زالت في ربيعها الأول ولا زال الإسلام بحاجة إلى ترسيخ أسس وفلسفة وتغيير، ولا زال العالم بحاجة إلى الاجتهاد. لكن بخسارتهم غابت وتغيبت قسراً معظم آثار وجودهم حتى نهاية العصر العثماني وسقوط آخر امبراطورية إسلامية تقليدية.

هذا هو السبب الحقيقي لتجميد الطرح الفكري الشيعي وعدم قدرته على ما تسميه بمواكبة المجتمع الإسلامي. المجتمع الذي – أنا برأيي – لم يحذوه الأمل بوضع قدم على سلم اليتطور إلا عندما بدأ، ولو بشكل جزئي، بخلع عباءة الإسلام – بشكله التقليدي – عنه.


عودة على موضوع "دعم" النظام السوري للمد الشيعي. قلت وأعيد، إنها نتئجة طبيعية للحصار الطائفي الذي يتعرض له النظام (العلوي الرجال) على أيدي دول الخليج ومصر والأردن، مدعومين جميعاً بالولايات المتحدة. لم يكن النظام السوري إبان نشأته يدعم أي توجه ديني على آخر بشكل جلي، إلا اللهم إصراره على رفع الغطاء الحديدي عن أبناء الطائفة العلوية، ما فهمه بعض المتشددين الشموليين أنه طائفية.

إن النظام السوري – باعتقادي – لا يأبه بمن ينتشر ومن ينحسر إلا بقدر ما يبقيه ذلك متشعلقاً بكراسي حكمه وفارضاً لسياساته. وإن كان اليوم قد ترك الشيعة يسرحون ويمرحون على حساب السنة بعد أن كان في نهايات الثمانينات وطيلة التسعينات تاركاً للسنة الوهابيين ساحات السرح والمرح، فهذا لأنه اليوم بات يُهَدد كل لحظة بالإزالة والفناء من قبل "أخوانه" السنة في السعودية وأعوانهم في باقي "دول الاعتدال"، وهو يسمع ويرى ويعقل مؤامراتهم عليه، وبالمقابل فهو يوعد بالدعم والقتال إلى جانبه من قبل الفرس "المجوس" الشيعة في إيران مهما كان الثمن! فماذا مع هذه الحال تتوقع؟