أقسم بالذي خلق الموسوي ، أن لا شئ يثيرني بقدر ذاك الذي يحضني على نقد بلدي " الأردن" ، لأسباب لا زلت معتقداً بأن النقد هو وسيلة البناء ، والمدح هو وسيلة الهدم ، لكن مقال الموسوي شطح شرقاً وغرباً وتلوّن بكل الالوان ربما لغاية ذكرها النجم اللامع " رغد صدام " ، وليسمح لي زملائي أن أنتقل " مؤقتاً" الي الجهة الأخرى ، لأكون مدافعاً عن بلد بكل مكوناته من ملوكه وحتى زباليه .

لا أدري من هو الاديب الذي قال ، ربما يسامحك صديقك على قتله ولكنه لن يسامحك على نجاحك حيث يفشل هو ، فنجاحك حيث يفشل هو هي أكبر جريمة يراها صاحبك ارتكبتها بحقه ، من هنا فلنبدأ

هذا الاردن ، الذي كان وسيظل "حالة تستعصي على الفهم" ، كيف إبتدأ وكيف صار ؟ في منطقة ابرز سماتها الانكسارات والانهاريات المتوالية وعدم الاستقرا لكل الاقليم المجاور ، وما هو سر بقاؤه الذي لم يكن أشد المتفائلين قبل خمسين عاماً أن سيبقى على الخارطة ؟

فلنرجع لنشوءه ، الذي لم يهبط بمظلة من السماء ، والذي لم يكن له وجود ضمن خرائط الاقليم ، ربما يعجز بعض الزملاء عن إدراك حالة النشوء والبقاء ، وربما داروين لو كان حيّاً يرزق لأضافها لنظرياته

اولاً ، لم يعتمد نشوءه على حالة عنصرية اقليمية او شوفينية عرقية او طائفيه ، فأميره الاول المؤسس كان حجازيا ، وقياداته كانت من خارج أرضه فكان هناك رؤساء وزاراته من خيرة جواره فكان " رشيد طليع اللبناني" وكان " الركابي " وكان " ابو الهدى الفلسطيني" وكان " المفتي الفلسطيني" وكان هناك العراقي ، والشركس المهاجرين من القوقاز كان لهم مقلة العين ، والتاريخ يذكر أن أول رئيس وزراء من أصل أردني تولى الوزارة كان " هزاع المجالي" عام 57

بلدٌ ، نصفه " بدو جاهل" ، ونصفه الأخر " لاجئين لا يملكون الا البقجة" ، على هذه النظرية التي لا تشذ عن نظريات " التفاعل الكيماوي" ، ارتقى وتطور ، فأصبح خلال بضعة سنين تركيبة لا هي بالمتجانسة كلياً ولا هي بالمتنافرة كلياً ، بلد أصبح أقل بداوة ، ولاجئوه اكثر استقراراً ، بل أنهم أصبحوا رموزه الاقتصادية

في هذا البلد المنكوب " بجيرانه" ومحيطه حيث العسكر إمتطوا صهوة الحكم في كل المحيط من عراقه الي سوريته الي مصر ، وكان الدور على هذا الكيان الذي لم يشتد عوده بعد ، فكانت ثورة الضباط الاحرار عام 57 ، ـ فاصل اجباري ، أحب بطش الملوك اكثر من حنية العسكر ـ فماذا عمل بهم الراحل الملك حسين ، ربما الكثير لا يعلمون وحان الوقت ليعلموا ، هؤلاء الضباط وغيرهم من السياسين الانقلابين أصبحوا هم قادة البلد ضمن المنظومة الحاكمة ، فلم يسحلوا بالشوارع ولم تقام لهم المشانق ، بل تم تعينهم " قائد جيش ، علي الحياري" ، " مدير مخابرات ، نذير رشيد" ووزراء وسفراء امثال صادق الشرع وعلي ابو نوار ومعن ابو نوار وغيرهم الكثير .

سيتبع وسيتبع


هامش اول ، رشيد طليع اللبناني الدرزي

طليع، رشيد (1876-1926): سياسي ومجاهد عربي. ولد في جديدة الشوف في جبل لبنان. تلقى تعليمه في بيروت والأستانة. عمل موظفاً حكومياً في عدة مناطق بسوريا. في 1914 عين نائباً عن حوران في مجلس النواب العثماني. عند تحرير سوريا من العثمانيين عام 1918 كان يشغل منصب متصرف اللاذقية. عينه الملك فيصل متصرفاً لحماة وحاكماً عسكرياً لها ثم مديراً للداخلية فوالياً على حلب وشمال سوريا. بعد دخول الفرنسيين انتقل إلى جبل العرب يدعو للأمير عبد الله بن الحسين، وبقي هناك حتى آذار (مارس) 1921 عندما التحق بالأمير عبد الله في الأردن. عين رئيساً لأول حكومة أردنية في نيسان (أبريل) 1921، وترأس حكومة ثانية في تموز (يوليو) من نفس العام. بعد تصاعد خلافاته مع الإنكليز حول صلاحياتهم في الأردن، فضل الاستقالة وانتقل إلى فلسطين فالقاهرة ثم إلى سوريا للمشاركة في الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان الأطرش. خاض عدة معارك ضد الفرنسيين كان أهمها معركة قرية الشبكي التي أصيب فيها واستشهد في أيلول (سبتمبر) 1926.