من الصعوبة بمكان إطلاق حكم عام على الشعب السعودي بهذه القسوة، خاصة حين تكون العينة هي مدينة بمستوى الجبيل بهيئتها الملكية والبلدة الأصلية معا!! يعني عدد سكان كل محافظة الجبيل بكل قراها هو: (224430 نسمة ).

السعودية ليست شواطئ الخليج المتنوعة من الأحساء للدمام، وهذه المنطقة فيها موازييك عرقي ومذهبي عجيب، ولكنها على كل حال لا تمثل أكثر من 13% من سكان السعودية...

هناك تنوع وتباين ثقافي بين مناطق عسير ذات الثقافة اليمنية، ومناطق الحجاز ذات الثقافة الحضرية الأصيلة، وهي من أقدم المناطق اختلاطا بالجنسيات والثقافات بسبب مواسم الحج والعمرة والزيارة، وحتى لهجتها خليط من عدة لهجات عربية!
وبين مناطق نجد البدوية التي برز فيها مبدعون كبار، ولكنها يعيبها على المستوى الشعبي عنصريتها البدوية ذات الجذور، مع أموال ومناصب تغدق على تلك المنطقة، والمقارنة ستكون جد ظالمة بين مناطق الجنوب وهذه المنطقة ماليا وإداريا وتنمويا...

أمضيت في هذه البلد أكثر من ثلاثة عقود وهذا يعطيني صورة ربما تكون أقرب من طرح الزميل الذي يقدم دراسة عامة عن عينة محدودة وبفترة محدودة ومن خلال الصلاة والمرأة والكأس فحسب...

الصور التي ذكرها الزميل موجودة في كل بلد، بل كانت موجودة في عصر النبوة الأول....

كلنا يعرف قصة ماعز وقصة الغامدية وقصة اليهوديين الذين زنوا، وكلنا يعرف قصة ذلك الذي نظر من ثقب الباب ليرى امرأة تستحم ثم جاء النبي صلى الله عليه وآلأه وسلم يستغفر ويتوب فنزل قوله سبحانه: (إن الحسنات يذهبن السيئات)...
وقد سمعنا عن الرجل الذي لزم الخمر وجلد فيها بضع مرات لأنه لم يطق فراقها، وحتى أبو محجن الثقفي الذي يروى عنه أنه طلب في وصيته أن يأوي إلى ظل كرمة عسى أن يسقى من خمرتها حتى وهو في قبره!
وقصة المخزومية التي سرقت، وقصة المزنية التي اتفقت مع حاطب على التخابر مع العدو! وقصة الذين نشروا قال السوء في بيت النبوة وسماهم سبحانه بأن يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا وووو

هذا في خير المجتمعات، مجتمع الصحابة، الذي وصفه الله سبحانه: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) فما بالك بسواه؟!


وبعيدا عن حجم هذه الظواهر السلبية في المجتمع السعودي -حتى بالمقارنة بذات الظواهر في مجتمعك التونسي أو مجتمعي الشامي- دعنا من باب الإنصاف نذكر الوجه السعودي الآخر:

الشعب السعودي طيب السريرة، وسرعان ما يتحمس لقضايا إخوانه العرب والمسلمين في العالم، ويقدم لها ما لا يقدمه غيره أحيانا، وبغض النظر عن تلاعب بعض النظم بعواطفه أو استخدامها، فهو قد تفاعل مع قضايا التحرر الوطني والإسلامي في فلسطين وأفغانستان والعراق والشيشان والبوسنة وكوسوفو والسودان والصومال وغيرها فلم يبخل بنفس ولا بمال، وعدد الشهداء السعوديين مقارنة بغيرهم من العرب يشهد بذلك، أقول هذا مؤكدا على تجاوز حيثية استخدام هذه العاطفة من قبل بعض النظم والحركات بطريقة قد تكون محل إنكارنا...

تبرعات الشعب السعودي للبوسنة ولفلسطين ولتسونامي لم تعادلها تبرعات شعبية فيما أذكر...

طبعا هذا لا يعفي السعودية سلطة وشعبا في التفكر بطريقة أكثر حضارية مع المغتربين في أراضيها، وعليها أن تطرح سؤالا سأله الأمريكان أنفسهم بعد أحداث سبتمبر: لماذا يكرهوننا؟

هناك ثقافة عنصرية لا أزعم أنها خاصة بالسعودية، ولكنها بالنسبة لي كانت جلية جدا في هذا المجتمع، ومن العجيب أن الطالب الذي يذهب لبلاد الغرب، فيدفع أموالا ويتكلف تكاليف باهظة في سبيل دراسته بفرنسا أو أوربا أو كندا وأمريكا، وربما يضطر للعمل كجرسون أو غيرها من المهن المتواضعة، ولكنه يعود بولاء واحترام لذلك المجتمع الغربي، بينما نحن في السعودية، وأنا واحد من كثيرين، درسنا على حساب الحكومة السعودية وكان سكننا وطعامنا ومعيشتنا ومراجعنا وأدوات المختبر في الكلية (وأنا كنت طالبا بكلية العلوم) كلها مجانا على حساب الحكومة، ومع هذا ففي القلب غصة من المعاملة، ولا أحسب أنني سأبشر به لو غادرته!!

لماذا؟!

هذا سؤال يجب أن يسأله إخواننا السعوديون لأنفسهم...

حين تستمع بالإعلام السعودي لقصيدة عنصرية تقول: ارفع راسك أنت سعودي، الناس تنقص وانت تزودي!

أو حين يقول أمير مكة الحالي بقصيدة متلفزة احتكارية: "حنا العرب يا مدعين العروبة...وحنا هل التوحيد....وانتم له اجناب"

وحين تجد في كل مصلحة طابور للسعوديين وطابور (للأجانب) وهو يضم كل العمالة الآسيوية مع كل الأشقاء العرب...

وحين يقال لك وأنت الطالب الذي يدرس في الجامعة (يوم السبت والأحد تسجيل المواد للسعوديين، وبقية الأيام للأجانب) هذه كانت غصة في حلوقنا، وما كانت تكلف الثقافة السعودية سوى معالجات بسيطة كانت ستكسب بها ولاء ألوف ممن بذلت لهم السعودية وما قصرت، لولا أن البذل مع المنة أو التفرقة أو الإهانة ينسي الناس المعروف، ويبقي لهم مشاعر العداء والكراهية التي أرجو أننا تسامينا عليها حين كبرنا بعض السن!

ومع هذا فأنا لا أزعم أنه لا معالجة البتة في السعودية لهذه الظواهر على مستوى ثقافي، وهي وإن كانت معالجة بطيئة جدا، لكنها تبقى -عرفانا وموضوعية- تمضي في الطريق الصحيح...

فقد استبدل منذ سنوات في أكثر الدوائر مسمى أجانب بمسمى وافدين....

ورفعت بعض الشروط المقرفة من مثل طلب إذن من الكفيل مصدق من الجوازات لسفر بين مكة وجدة الذي لا يستغرق ساعة بالسيارة!

ولكنني مرة أخرى أتمنى على أشقائي السعوديين وهم يبذلون ولا يقصرون ألا يفسدوا ما أنفقوا بالمن والأذى، أقول هذا محبة وولاء لمجتمع جلست فيه -مضطرا ثلاثة أضعاف ما مكثت بوطني الأم-!

وتبقى الظواهر التي ذكرها زميلنا عن المجتمع السعودي ظواهر محدودة جدا، ولكنها موجودة..

واسلموا لود واحترام:redrose: