أول مرة أقرأ لك موضوعا يستحق القراءة وليس مسكونا بالماضي والأديان كما هي عادتك، وإن لم يتجرد من ذلك تماما!

أليس عجيبا يا صاح أن تكون هذه هي نظرتك للطائفية وأن تكون مستغرقا بها من حيث تدري أو لا تدري حد المشاشة!!

ربما نحتاج تعريفا أوضح للطائفيةن فقد تكون في نظرك مرادفا للتدين...

فكل سلوك ديني في نظرك هو طائفي بالضرورة

وبالتالي فيخرج من الإطار كل سلوك مؤدلج لعرق أو فلسفة أو طبقة!

ربما الطائفية في نظرك محصورة في بعدها العربي والشرقي، فكل باعث صليبي أو صهيوني في المشروع الغربي يمكن تأويله حضاريا، أو عده على رأي وول ديورانت من مستلزمات الحضارة، بينما كل سلوك شرقي مهما تحضر لا يمكن وصمه بغير الهمجية والتخلف والانحطاط ما دام يعتز بأصالته وهويته...

ربما الطائفية عندك سلوكيات تقابل الإلحاد! وقد كتبت يوما في النادي موضوعا ضاع في أرشيفه الضائع سميته: ملحدون طائفيون!! سأوجز بعض ما طرحته في ذلك الشريط :


بعض الفضلاء كانوا يرون في طرحي يرونه تناقضا لا ينسجم، مع أنها تجربة غابرة غارقة في عمق تاريخنا الذي يخيل لي بأنه يكرر نفسه في غالب الأحيان! تحدثت فيه عن ثنائية الإلحاد والطائفية!
وهي تنسجم غاية الانسجام لا بل أراها متلازمة إلا في بعض الشذوذ الذي يبرهن القاعدة ولا ينفيها، فقد ولد الإلحاد من رحم التطرف الديني، وكانت نشأته رد فعل لسلوك ديني سابق، وبقي على مر الزمان يعمل في إطار رد الفعل دون أن يستقل يوما بفعل خارج إطار الدين بشكل عام...

التدين كان صفة الإنسان الأول...

والملاحدة يحيلون ذلك إلى خوفه من ظواهر الطبيعة ومحاولته المتطورة لتفسير ما يدور فيها!

غير أنهم قليلا ما يعترفون بأنهم كرسوا جهدهم للخلاص من قوانين التدين الفطرية الأولى بسلوكيات دينية سلبية تنطلق في نفس مضمار الدين ولكن في اتجاه مضاد!

ولأن التدين –عموما- فطري فهو يأخذ طريقه سلسا إلى القلوب والعقول بأقل الجهود، والتاريخ يذكر مثلا، أن أكبر دولة إسلامية والذي تعدادها السكاني يفوق سكان العرب قاطبة لم تطأها أقدام الفاتحين العسكريين من المسلمين وإنما دخلها الإسلام صافيا عذبا زلالا مع التجار الحضارمة حتى غدا أهلها مسلمين...

أما الإلحاد فإنه أخذ منذ القدم أسلوب التطرف والعنف لأنه في أصله خروج عن الفطرة وهذا يقتضي الحمل على الناس بالإرهاب، واستباحة دماءهم الحمراء حتى جعلها كثير من الملاحدة عنوانا لثوراتهم الهمجية ومن عجيب المتناقضات أنهم يهدرون كرامة الإنسان ويستبيحون حرماته لأنهم يحرصون على تحرير الإنسان من الدينونة للرحمن، فلا إله يستحق العبودية في شعاراتهم غير هذا الإنسان الذي يريقون دمه ويزرون به.... والمجد للطغيان!!!


وقبل أن أخوض في واقعنا الذي يشتكي حقيقة من رياح الطائفية الدينية كما يشتكي من بقايا إلحاد اندثر جله في جنبات صحراء سيبيريا، ولم تزل البقية الباقية منه تتحامل على عجزها الاقتصادي وضياع هيبتها العسكرية بأثر من تاريخ مضى عليه نصف قرن ونيف...

دعوني أعرف كلا من مصطلحي الطائفية والإلحاد ...

تعرف الطائفية في علم اجتماع الأديان بأنها: مناداة مذهب ديني معين بسياسات انشقاقية ، أو هي المناداة بسياسات انشقاقية لصالح مذهب ديني ما ، ومصطلح طائفة (Sect) يستخدم ليقصد به ذلك الجزء من المجتمع الذي انفصل عن التيار الديني الأساسي لخلافات حول الممارسات أو المعتقدات الدينية أو كليهما ، ولكن هذا الجزء المنشق لا يؤسس ديناً جديداً إما أنه يكون منظماً بطريقة كافية أو لأن المعتقدات التي ينادي بها لا تكون متميزة بصورة كافية عما هو موجود في الدين الأصلي .

ومن هنا فلا بد أن نلاحظ دائما قلة عدد المنتمين لأي طائفة بالمقارنة بالمنتمين للتيار الأصلي، غير أنه ينبغي أيضا أن نلاحظ كون أتباع الطائفة شديدي التطرف بانتمائهم وذلك على خلاف الدين الرسمي الذي عادة ما ينتمي له الأفراد بالمولد.


ومن هنا فليس دقيقا أن يخلط بين التدين والطائفية كما أنه ليس صائبا أن يقال عن دين الأغلبية طائفة بذلك المفهوم العلمي، وليس مستساغا التنكر لقيمه في رسم ملامح الهوية العامة للمجتمع...

أما الإلحاد فهو في المفهوم الإسلامي : الكفر والميل عن طريق أهل الإيمان أو الميل بنصوص الكتاب والسنة عن الحق الثابت كتسمية الله تعالى بما لا يليق (أب، أو علة فاعلة) (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه ، سيجزون ما كانوا يعملون)، أو وصفه بما يتنزه عنه كقول اليهود: (إن الله فقير ونحن أغنياء!) أو تعطيل أسمائه وصفاته أو تشبيهه بالمخلوقين ذاتا أو صفاتا، أو نسبة آيات الله لغيره من ظواهر الطبيعة، أو التكذيب بما جاء من عنده من أصول الإيمان ومقتضياته..غير أنه اليوم فكرة عدمية أساسها إنكار وجود الله عز وجل، وإن تلونت بثياب شيوعية أو علمانية أو وجودية أو عقلانية أو ليبرالية! وهو بعد انحطاط المسلمين ظاهرة عالمية لها دول وأحزاب تدافع عنها ..

تأصيل تاريخي:

وفي تأصيل تاريخي لقاعدة ازدواج الطائفية بالإلحاد –دون أن أنكر بعض الاستثناءات لهذه القاعدة، وهي استثناءات تؤكد القاعدة لأن لكل قاعدة استثناء- أقول: تعالوا بنا نرجع في تاريخنا الإسلامي إلى مرحلة مبكرة منه في القرن الثالث الهجري تحديدا، لنراقب طلائع حركة إلحادية تمددت وتمددت وصار لها شأن وسلطان، لنقرأ في جنبات إلحادها تعصبا طائفيا أسودا يشكل مع إلحادها وجهان لعملة التنوير التي سماها أسلافنا بالباطنية....
سأقف في جنبات الحركة القرمطية التي انطلقت كحركة طائفية متطرفة مارست الإرهاب والنكال، ونالت من الحرمات والمقدسات، مع أنها في نفس الآن تسفر عن إلحادها بالإله والنبوة والجزاء الأخروي!!

بين يدي رسالة عبدالله بن الحسين القيرواني إلى سليمان بن الحسين بن سعيد الجَنَّابي من كتابهم «السياسة والبلاغ الأكيد والناموس الأعظم» وهي رسالة حافلة بألوان مما يسميه ملاحدتنا اليوم بالحرية المطلقة بدءا من حرية الاعتقاد في مفهومهم ومرورا بحرية الجنس واحتواء لحرية الولاء....

ثلاث نماذج فوضوية من "حريتهم" المزعومة حطموا بها ما يسميه ملاحدتنا اليوم بيوتوبيا الدين والجنس والسياسة، فلم يبقوا فيها خطا أحمرا حتى غدوا "أحرارا" بكل ما تعنيه }الحرية{ من معنى لدى المخلفين من الإمعات العربية ...

1- في التحرر من ربقة الأديان قال الليبرالي القيرواني لليبرالي الجنابي وهو يلقنه أساليب الدعوة للطائفة:
(( أدع الناس بأن تتقرّب إليهم بما يميلون إليه، وأوهم كلّ واحد منهم بأنّك منهم، فمن آنست منه رشداً فاكشف له الغطاء وإذا ظفرت بالفلسفي فاحتفظ به فعلى الفلاسفة مُعَوَّلُنا، وأنا وإيّاهم مجموعون على ردّ نواميس الأنبياء، وعلى القول بقدم العالم لولا ما يخالفنا فيه بعضهم من أنّ للعالم مدبّراً لا نعرفه...))

2- في التحرر من محرمات الجنس يقول له في آخر رسالة له:«وما العجب من رجل يدّعي العقل ثمّ يكون له أخت أو بنت حسناء وليست له زوجة في حسنها يحرّمها على نفسه وينكحها من أجنبيّ، ولو عقل الجاهل لعلم أنّه أحقّ بأخته وبنته من الأجنبي، وما وجه ذلك إلاّ أنّه صاحبهم حرّم عليهم الطيّبات وخوّفهم بغائب لا يعقل، وهو الإله الذي يزعمونه، وأخبرهم بكون ما لا يرونه أبداً من البعث من القبور والحساب والجنة والنار حتّى أتعبَهم بذلك عاجلاً، وجعلهم له في حياته ولذرّيته من بعد وفاته خَولاً (عبيداً أو خدماً) واستباح بذلك أموالهم بقوله {لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى} [الشورى: 23]. فكان أمره معهم نقداً وأمرهم معه نسيئة، وقد استعجل منهم بذل أرواحهم وأموالهم على انتظار موعد لا يكون، وهل الجنّة إلاّ هذه الدنيا ونعيمها، وهل النار وعذابها إلاّ ما فيه أصحاب الشرائع من التعب والنصب في الصلاة والصيام والجهاد والحجّ..
وأنت وإخوانك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس، وفي هذه الدنيا ورثتم نعيمها ولذّاتها المحرّمة على الجاهلين المتمسّكين بشرائع أصحاب النواميس، فهنيئاً لكم على ما نلتم من الراحة عن أمرهم».

3- وفي التحرر من أغلال السياسة
ركّز الليبراليون القرامطة في دعوتهم على الأراضي الخصبة بنظرهم، كالموالي والعبيد الحاقدين على أسيادهم والأُجراء والمزارعين الناقمين على أصحاب المهن والأراضي، لاعتقادهم بأنّهم لا يعطونهم ما يستحقّونه لقاء كدّهم وتعبهم. ولكي يستقطبونهم ابتدعوا فكرة إشاعة المال وشيوعيّة الأراضي، وكذلك بثّوا بين الشعوبيّين الحاقدين على دولة الإسلام وعدهم بالقضاء على المسلمين وسلطانهم وإعادة الملك لهم سواءً كانوا مجوساً أو هنوداً أو يهوداً ونصارى...

وبقي عندهم العنصر الرئيسي ألا وهو الشباب، الوقود الأساسي لكلّ تمرّد وثورة.. ووجدوا أن خير أسلوب لجذبهم هو بثّ الفكر الانحلالي وجذبهم بالشهوات.. فاستباحوا الزنى والخمر واللواط وسائر المحرّمات، وجعلوا النساء مشاعاً بينهم، وأباحوا نكاح الأقارب من أخوات وبنات وما شابه هذا، بالإضافة إلى التخطيط الدقيق والإرهاب والبطش.. كلّ ذلك جعل العنصر الشبابي ينجذب إليهم انجذاب الفراش للنار...



مراحل التنوير!!!!

إذا لم يكن في دعوة الإلحاد أو القرمطة بكل صبغاتها الليبرالية والشعوبية والطائفية من جديد فلا أجمل من أن أسرد مراحل التنوير القرمطي الأول لينسجوا على منواله إن شاؤوا وبين يدي ذلك أحب أن أؤكد بأن لافتات الليبرالية والأحرار وأشباهها قد تخفي المطامع الطائفية إلى أجل لا أظنه يطول، فأحقاد القوم سريعا ما تكشفهم (ولتعرفنهم في لحن القول) وكم رأيناهم ينساقون مع تعصبهم الأعمى دفاعا عن الطائفة بحجة الدفاع عن نسيجها الاجتماعي والثقافي لا أكثر!

على أنني أتمنى أن يتأمل هؤلاء التنويريون في الأيديولوجيا التي يطرحها أسلافهم حتى لا يزعموا أنهم مستقلون أحرار لا انتماء طائفي يجمعهم بمن سلف فإن يكن أن ما يزعموه من إلحاد هو من صلب تلك العقائد فبم يختلفون عن الطوائف التي يزعمون صبحا وعشيا أنه لا تربطهم بها أي آصرة طائفية؟

ذكر الإمام عبدالقاهر الإسفرائيني مراحل القرمطة على النحو التالي:
التفرّس، والتأنيس، والتشكيك، والتلقين، والربط، والتدليس، والتأسيس، والمواثيق بالأيمان والعهود، وآخرها الخلع والسلخ.
فالتفرّس: أن يعرف الداعي من يدعو وكيف يدعوه، مميّزاً من يطمع في إغوائه ممّن لا يطمع فيه، وقد قالوا في وصاياهم لدعاتهم: لا تضعوا بذرتكم في أرض سبخة، ولا تتكلّموا في بيت فيه سراج- يقصدون من عنده علم-. ومن شروط الداعي عندهم أن يكون عالماً بأنواع الناس وأصنافهم واختلاف مذاهبهم ونقاط ضعفهم والأبواب التي يدخل على كلّ واحد منهم.. فمن كان مشتغلاً بالعبادة حبّبها إليه وحضّه عليها، ثمّ سأله عن معاني العبادات وعلل الفرائض، وشكّكه فيها حتى أبدعها وأدخله مذهبه. ومن كان رافضيّاً جاراه في تعظيم آل البيت وحبّ عليّ ويطعن في أبي بكر الصديق وعمر بن الخطّاب وخيار الصحابة ثم يبغضه في بني تميم لكون الصدّيق منهم وبني عديّ لانتساب الفاروق إليهم، ويبغض في بني أميّة لكون عثمان ومعاوية رضي اللـه عنهما منهم، وكذلك الأنصار لعدم وقوفهم مع عليّ ومطالبتهم بحقّه في الخلافة.. ثمّ يدخل عليه من باب الولاية والتأويل حتّى يخرجه من الدين.
وإن رآه ممّن يحبّ الشيخان مدحهما عنده ورفع من شأنهما وذكر له بأنّ صحبة الرسول لأبي بكر في الغار كان القصد منها تعليمه التأويل، فإذا سأله المسكين عن التأويل يكون قد وقع في المصيدة، ووصل درجة التأنيس.. وأمّا إن كان المراد جذبه من أهل الفسق والمجون، فإنّه هو الصيد السهل، فيذكر أمامه قول الشاعر الماجن:
أَتُركَ لذَّة الصهباء صرفاً لما وعدوه من طم و ضمر
حياةٌ ثمّ موتٌ ثم نشرٌ حديث خرافة يا أمَّ عمرو
ويشجّعونه على الانغماس في المعاصي واستباحة الحرمات وإنكار البعث والثواب والعقاب وإنكار اللـه والخروج من الإسلام.
ثم تأتي المرحلة الثانية، التأنيس: وهو التفرّس تقريباً، إلاّ أنّه بعد أن يزيّن للصيد مذهبه ويشكّكه فيه لما يسأله عن التأويل.. فإذا سأله المدعو عن علم ذلك أجابه بأنّ علمه عند الإمام.. ويكون قد انتقل إلى مرحلة التشكيك، وهو الوصول بالضحية إلى الاعتقاد بأنّ المراد بالفرائض والظواهر شيئاً آخر غير معناها اللغوي أو الشرعي.. ينهون عليه ترك الفرائض وارتكاب الموبقات، ويكون قد أصبح جاهزاً لمرحلة الربط، والربط عندهم طلب المدعوّ إلى معرفة تأويل أركان الشريعة، فيتأوّلونها به، فإن قبلَها على الوجه الذي دفعوها إليه، وإلا بقي على الشكّ والحيرة فيها.
أمّا التدليس.. فهو قولهم للضحية الجاهل إن الظواهر عذاب وباطنها فيه الرحمة.. ويستدلّون بقوله تعالى {فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب} [الحديد: 13]، وإنّ لكلّ عبادة أو أمر ظاهراً هو كالقشر وباطنه كاللّب، واللبّ خير من القشر، فإذا سألهم عن تأويل باطن الباب.. طلبوا منه وأخذوا منه المواثيق والأيمان المغلّظة كالطلاق والعتاق وتسبيل الأموال والبراءة من اللـه ورسوله.. إلى آخر هذه الأيمان والنذور.. بأن لا يحدّث أحداً بما سيخبرونه إلاّ بإذنٍ من الإمام صاحب الزمان، أو المأذون له في دعوته، وأن يستر أمرهم ويحمي جماعتهم.
فإن فعل المقرّر به ذكروا له حقيقة دينهم واعتقادهم، فإن قبل الجاهل مذهبهم فقد انسلخ من الملّة وخلع الإسلام من عنقه، وإن رفض الدخول في عقيدتهم لعدم تقبّله لها واستهجانه بها لم يستطع أن يذيع سرّهم ويدلّ عليهم، بل إنّه يكتم أمرهم، وقد يساعدهم، وذلك لما أخذوه منه من أيمان ومواثيق ونذر يظنّ لجهله أن لا فكاك منها ولا يمكن حلّها.. وبذلك يضمن القرامطة عدم إفشاء سرّهم حتّى وإن لم يقبل المغرّر به الدخول في مذهبهم ودينهم..

خاتمة:

في الحقيقة أن ثمة خلاف بسيط بين ملاحدة الأمس وملاحدة اليوم نتيجة بعض العوامل الداخلية والخارجية غير أن هذا لا يؤثر على صلب الأيديولوجيا، -مهما زعم أصحابنا المتعصبون أنهم أحرار من كل طرح أيديولوجي!- :
ملاحدة القرامطة اعتمدوا كسائر الباطنيين على إخفاء ما يؤمنون به وإظهار أنفسهم على أنّهم مسلمون ليسهل عليهم الاندماج في المجتمع والدعوة إلى دينهم، حتّى إذا وثقوا من تابعهم أطلعوه على خفايا عقيدتهم. وهم في هذا يراعون سلطان المجتمع أولا ثم سلطان الدولة، لذا لجؤوا لهذه الأساليب الملتوية التي تجاوزها بعض ملاحدة الزمان بعد أن صار السلطان غير السلطان، وانحط المجتمع حتى غدا فريسة لشر الناس وأشدهم عداوة له، وإن كان كثير من الملاحدة حتى اليوم يفضلون أن يتحركوا هدما من داخل الصف الإسلامي وهذا ما يفسر غضبهم الشديد عند كل وصف لهم بالكفر مع أنهم ما فتئوا يسخرون من هذا الدين ومقدساته!
نعود لملاحدة مجتمعاتنا الأولين، فقد برعوا في التعلق بمتشابه الآيات، وتأويل حتى المحكم منها!! وتفننوا في صرف الآيات عن ظاهرها حتى تفرغ من معانيها العملية، فهم يتأوّلون الأحكام الشرعية على ما يوافق ضلالاتهم وأهوائهم، فيتأوّلون قوله سبحانه وتعالى {واعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين} [الحجر: 99] على أنّه من عرف التأويل فقد أتاه اليقين، وعليه فمن عرف معنى العبادة فقد سقط عنه فرضها!! وأوّلوا كذلك أركان الشريعة: فالصلاة عندهم موالاة إمامهم! والحجّ زيارته وإدمان خدمته! والصوم هو الإمساك عن إفشاء سرّ الإمام لا الإمساك عن الطعام والشراب! والمراد بالزنى عندهم إفشاء سرّهم بغير عهد وميثاق!! وهكذا ابتدعوا دينا جديدا لا صلة له بدين الله، غير أنهم وكعادة الملاحدة في كل آن رأوا أنهم أتباع الإسلام الحق بينما الآخرون متأسلمين !! وهكذا صار دين الله كما شرعه إسلام العوام والجهال ، كما غدا عند أسلافهم تأسلما أو إسلاموية !
المدرسة الإلحادية التي وفدت مبكرا إلى مجتمعاتنا لم تكن من نسيج هذا المجتمع، بل استوردها بعض الطوائف من البوذية والهندوكية والمجوسية، تماما كما يروج ملاحدة اليوم لبكونفوشيوس وبوذا وزرادشت ..

وسيبقى أن الإلحاد عرف بعض الرعايا والأتباع من خارج المدرسة الطائفية بشكل محدود، ولكن هذا لم يكن إلا في ظروف استثنائية، وهي ظروف لم تفرخ الملاحدة فحسب، بل فرخت أنماط من التشوه والانحطاط الخلقي والعمالة والإرهاب، غير أنه في الأجواء الطبيعية، كان الإلحاد حكرا على مدارس طائفية تخفي عورة معتقداتها الساذجة بالهجوم على أصل الإيمان!!

لن أسمي أحزابا ولا طوائف معينة ينطبق عليها كلامي، بل سأبقيه على عمومه، توخيا لموضوعية التقويم...
وليس في كلامي رغبة في إقصاء أحد أو الحجر على تفكيره وانتمائه، وإنما هو طرح أتوخى فيه الموضوعية والحق لا تأخذني فيهما لومة لائم..

ومن نافل الكلام أن أقول بأن هذا الموضوع ليس موجها بشكل شخصي ضد فرد بعينه

واسلموا ودا واحتراما:redrose:


انتهى الاقتباس من الموضوع الذي طرحته قبل سبع سنوات في هذا النادي....

ووجدته متسقا مع الموضوع المطروح هنا!

شاكرا لك أنك -في هذه المرة على الأقل- فكرت بأن صفحات النادي فتحت للحوار لا للخوار :devil:

واسلموا لموضوعية واحترام (f)