مني عبد الناصر تطلب من سامي شرف شهادة بأن «والدها» كلف زوجها بالاتصال بإسرائيل ! عادل حمودة
الحقيقة هي طبقة الملح السميكة التي نغطي بها أجسادنا حتي لا تتعفن.. هي المياه الجوفية المخزونة في داخلنا وننتظر الفرصة لتنفجر كالطوفان.. هي البوصلة التي نلجأ إليها لترشدنا وسط التيه إلي واحة الراحة النفسية.. هي الصرخة التي نطلقها في وجه الليل ليصير صباحا.. وفي وجه الظلم ليصير عدلا.. وفي وجه الخوف ليصير شجاعة.. وفي وجه الباطل ليصير حقا. والحقيقة.. أن صلة الدم التي تربط مني عبد الناصر بأبيها أقوي من صلة العشرة التي ربطت بينها وبين زوجها أشرف مروان.. فالزوجة يمكن أن تتخلص من زوجها إذا أغضبها بلبس معطفها وحمل حقيبتها وضرب الباب ضربة قوية.. وتحلف بأغلظ الأيمان بأنها ستخلعه.. لكنها.. لا تستطيع أن تفعل ذلك مع أبيها.. ولو كان أكثر القتلة سفكا للدماء.. أو أسوأ من لفظت البشرية من رحمها الذي لا يتوقف عن الطلق.. فما بالنا والأب هنا.. هو جمال عبد الناصر.

لقد كتب جمال عبد الناصر تاريخه الوطني بأصابعه العشرة.. وأحيانا.. إذا لزم الأمر.. كان يستعمل أسنانه وأظافره.. وقد استمد سلطته من أعلي السلطات.. الناس.. والناس في منتهي الحساسية.. يفرقون بسهولة بين الحاكم والبهلوان.

لكن.. يبدو أن مني أشرف مروان نسيت في غمار صدمة الوفاة الغامضة لزوجها ذلك.. فسعت جاهدة لتنقية سمعته التي القي بها الإسرائيليون في الوحل باتهامه بالتجسس علي بلاده لهم.. وربما لتنقية ثروته من تلوث الموساد.. حيث كان يحصل علي أعلي أجر في قائمة حسابات العملاء.. مائة ألف جنيه استرليني في الساعة.. ما يزيد علي مليون جنيه.. كانت خميرة الثروة التي تراكمت وتكاثرت وتضاعفت فيما بعد.. وجعلته ينتقل من خانة الموظف البسيط إلي خانة الملياردير السمين.

علي أنها وهي تفعل ذلك كادت تصيب سمعة أبيها التاريخية بأذي.. فهل هي مدركة لما تفعل؟.

لقد خرج الرئيس ليقول: إن أشرف مروان أدي دورا وطنيا لبلاده.. دون أن يحدد بدقة هذا الدور.. دون أن ينفي عنه نفيا قاطعا تهمة التجسس لحساب إسرائيل.. فربما كان دوره الوطني هو شراء قطع غيار أسلحة كانت محرمة علي مصر وقت الحرب.. ربما كان غير ذلك.. وبالقطع.. ربما كان الدور هو مشاركته في خطة الخداع بتضليل مخابرات العدو وإبعاد نظرها عما يجري من استعدادات علي الجبهة.. وهو ما يستند إليه أنصاره في تبرئته من تهمة العمالة.

لم يحسم الرئيس الأمر.. وترك كل التصورات والاحتمالات والتخيلات مفتوحة.. تماما كما فعل سلفه أنور السادات وهو يمنح أشرف مروان الوسام الشهير عن خدماته الجليلة التي قدمها للبلاد.. دون أن يكشف لنا عن طبيعة هذه الخدمات.

وربما كانت هناك حسابات سياسية ونفسية جعلت التعبيرات والتصريحات غير قاطعة.. إن فضيحة التجسس لو كانت حقيقة فإنها ستمس كل من عاصروها.. وتصيب رئاسة الجمهورية في الأزمنة المختلفة بسوء.. وتلقي بظلالها علي جمال عبد الناصر وعائلته.. وهناك تعهد غير معلن وغير مكتوب بأن يحافظ كل رئيس علي عائلة من سبقه.. ويساندها.. ويرعي شئونها.. مهما اختلفت السياسات.. وتقاطعت الاتجاهات.

ورغم أن الشهود الأحياء من مسئولي المخابرات العامة ( مثل أمين هويدي ) والمخابرات الحربية ( مثل فؤاد نصار ) أنكرا معرفتهما بقضية أشرف مروان واعترفا علي الهواء مباشرة بأنهما سمعا عنها أول مرة من الصحف الإسرائيلية بل وطالبا بلجنة تحقيق تكشف الحقائق وتعلنها وهو ما لن يحدث، فإن ما قاله الرئيس عن وجوده في المطبخ السياسي واطلاعه علي أشياء خفيت عن غيره يجعلنا نوافق علي أن هناك أمورا كانت غاية في السرية لم يعرفها إلا أنور السادات وندرة من رجاله ومنهم حسني مبارك قائد القوات الجوية الذي أصبح فيما بعد نائبا له. وهنا يمكن أن نلخص الموقف في أن أشرف مروان لعب دورا وطنيا والرئيس مبارك شاهد علي ذلك بحكم قربه من الرئيس السادات دون أن نعرف بدقة ما هو هذا الدور الوطني.. وهو ما فسره البعض علي أنه تبرئة لصهر جمال عبد الناصر من تهمة التجسس للعدو الصهيوني.

لكن.. لو صدقنا علي ذلك فإن هناك مشكلة صعبة تقابل كل من يريد منح أشرف مروان نيشان البطولة الوطنية من الدرجة الأولي هي أن تطوعه للتجسس لحساب إسرائيل لم يبدأ في وقت أنور السادات.. بل بدأ حسب ما نشرته وثائق الموساد في وقت جمال عبد الناصر.. وهو وقت لا نتصور أن شهود النفي كانوا فيه قريبين منه ويصعب عليهم توسيع شهادتهم لتشمل ذلك الوقت أيضا.

لقد غطي مبارك فترة السادات.. وبقيت فترة عبد الناصر.. فمن يغطيها؟.. غطي فترة النهاية.. فمن يغطي فترة البداية؟.

وقد انتبهت مني مروان لذلك الفراغ وسعت لسده بشهادة نفي من شخص مؤمن بأبيها.. وفيِّ له.. والأهم من ذلك.. كان قريبا منه.. وكاتما لأسراره.. مطلعا علي خباياه.. سامي شرف.. الرجل الذي رافقه كظله من أيام العنفوان إلي لحظات النفس الأخير.

طلبت مني مروان منه ـــ حسب ما سمعت من مصادر قريبة من عائلة جمال عبد الناصر ــ أن يشهد لمصلحة زوجها ويخرج علي الدنيا ليقول: إن أشرف مروان كان مكلفا بمهمة الاتصال بالإسرائيليين من جمال عبد الناصر شخصيا.. حماه.. الزعيم الوطني الذي قصفت عمره القضية الفلسطينية.. وأحنت ظهره حرب يونيو.. وأجبرته علي التنحي.. وجلبت له السكر والضغط وأزمات القلب.. فمات مبكرا.

أرادت ابنته التي جاءت من صلبه أن تبرئ زوجها علي حسابه.. دون أن يهمها سوي أن تحظي بالمليارات التي تركها لها.. وهي مطمئنة أنها نظيفة.. صافية.. خالية من عفن أموال التجسس الحرام.

لكن.. أهم من ذلك أنها تشعر بوجود " بطحة " لا تزال علي رأس زوجها.. وفراغا في رواية تبرئته لم يسد بعد.. وهو ما يثير الريبة.. ويجعلنا نتساءل عن سر سعيها للحصول علي شهادة براءة جديدة بعد شهادة الرئيس من رجل مثل سامي شرف آثر الصمت ورفض التحدث في القضية بعد وفاة صاحبها.. بل إنني عندما سعيت إليه في ذلك الوقت طلب مني أن أبحث عن قضية أهم.. واحترمت حساباته ولم أشر إليه من قريب أو من بعيد.. ومازلت أحترم صمته وحساباته حتي إنني لم أرجع إليه فيما سمعت مؤخرا. وقد رفض سامي شرف أن يدلي بالشهادة المطلوبة منه.. محافظا علي ولائه وحبه لجمال عبد الناصر.. كما أنه سبق أن قال لنا بعد تفجر القضية منذ اكثر من خمس سنوات: إنه " لو كان جمال عبد الناصر يعلم أن اشرف مروان جاسوس لإسرائيل لضربه بالرصاص ".. ونشرنا جملته القوية مانشيتا في الصفحة الأولي لصحيفة «صوت الأمة».. وكنت وقتها رئيسا لتحريرها.. وكانت هذه هي شهادته في القضية التي يصعب عليه تغييرها ولو دفعوا له ملايين الدولارات رغم أنه يعيش حياة بسيطة في شقة متواضعة. وبعد النشر اتصل اشرف مروان تليفونيا بسامي شرف وعاتبه علي تصريحه مؤكدا أنها ضربة أشد إيلاما من الضربة الإسرائيلية كما أشارت مصادر قريبة من أشرف مروان نفسه.. فقد ابتلع سامي شرف ما سمع إكراما لجمال عبد الناصر ولعائلته.

وحسب ما علمت فإن مني مروان غضبت غضبا شديدا من رفض سامي شرف ونطقت بما جعله يشعر بالألم النفسي.. لكنه.. بالقطع شعر بما أزال هذا الألم سريعا.. رفضه الإساءة لجمال عبد الناصر والحفاظ عليه.

وما يلفت النظر أن مني مروان حسب الوثائق الإسرائيلية تورطت مع زوجها في عمليات تمس قضية التجسس لمصلحة العدو.. فقد حملت مجموعة من صواريخ سترينج ملفوفة في سجاجيد إلي روما كي تستخدمها مجموعة من الفلسطينيين لضرب طائرة من طائرات العال تقف في مطارها انتقاما لسقوط الطائرة الليبية بصاروخ إسرائيلي.. ولكن.. جري في الوقت نفسه إبلاغ السلطات الإيطالية بما سيحدث فسارعت بالقبض علي المجموعة قبل تنفيذ العملية.

بل قبل ذلك بسنوات طوال ورط أشرف مروان زوجته في قضية الأرض التي باعتها إلي مدير المخابرات السعودية الأسبق كمال أدهم بسعر تجاوز حدود الواقع وفتح الباب أمام خصوم جمال عبد الناصر كي يسيئوا له ويشهروا به.. فكانت الضربة الأولي التي وجهت إليه جاءت بيد اقرب الناس إليه.

ولا جدال أنها تعرف أسرارا أخري مذهلة عن علاقات زوجها الخفية.. هنا وهناك.. فهل تجرؤ علي كشفها.. إنني لن أطالبها بذلك قطعا.. فعادة لا يعتد بشهادة زوجة ضد زوجها.. وعادة ما نصف الزوجة بالوفاء لو دافعت عن زوجها ولو بالباطل.. لكن.. ليس في هذه الحالة.. فدفاع مني مروان عن زوجها يمكن أن يصيب أباها.. ويشوه سمعته.. وينسف تاريخه.. ويجعله يتقلب في تربته.

ولو كانت مني مروان تقول إنها صعيدية ولن تترك ثأرها ولن تتهاون مع الذين قتلوا زوجها حتي ينالوا جزاءهم فإن الأخلاق الصعيدية لا تقبل أن تفعل ذلك علي حساب أبيها.. وأن تسدد الفاتورة من سجلاته المشرفة.

إن المرأة يمكن أن تجد في حياتها ألف رجل.. لكن.. لن يكون بينهم سوي أب واحد فقط.

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	إيهاب ابو الندى .... على طريقة بوعزيزي في غزة	فلسطيني كنعاني	0	582	09-04-2012, 05:06 PM آخر رد: فلسطيني كنعاني
	تفجيرات دمشق الارهابية أشرف عليها حمد والفيصل......	Reef Diab	16	2,451	05-14-2012, 04:55 PM آخر رد: الكندي
	انظر الى اين يسير التاريخ	رحمة العاملي	24	3,694	05-06-2012, 12:11 PM آخر رد: الحكيم الرائى
	يا كلاب الأسد : أوقفوا نهشكم بلحم بسمة قضماني فهي أشرف من يلي خلفكم ..	بسام الخوري	47	9,367	02-28-2012, 05:03 PM آخر رد: Alghassani
	نقل معسكر أشرف العراقى لمكان أخر	رضا البطاوى	0	329	02-18-2012, 06:08 PM آخر رد: رضا البطاوى