أعتقد أنه حتى الحيوانات تختار أماكن خاصة لافراغ فضلاتها. أرجو أن لا تكون بصدد تسطيح الموضوع:no2: فلا علاقة بين العراء ودورات المياه.

كنت قد ذكرت أن الملابس فرضتها حاجة هي الاتقاء من قرص البعوض أو البرد أو غيرها لكن لم تكن أبدا لستر عورة. بمرور الوقت أصبحت الملابس ضررورية للانسان حتى في غياب العوامل التي اضطرته لاستعمالها حيث أصبحت لها رمز معين طبقي أو جنسي أو جمالي. وأصبحت الملابس جزء من شخصية الانسان: فهذا فقير لأن ملابسه تشي بذلك وذلك ملك أو رئيس أو جنرال، الخ. لأن ملابسه تدل على ذلك وتلك مسلمة وذاك بوذي والآخر هندوسي لأن يلبس ملابس تلك الطائفة أو الأخرى. وتحولت الملابس إلى دال على رمز معين. لكن المشكلة أن ذلك الرمز يمكن أن يكون كاذبا (فمن يلبس ملابس جميلة ليس بالضرورة جميل وأصحاب بعض العقائد الدينية يحرضون أتباعهم على لبس ملابس معينه من أجل تجنيدهم لغاياتهم...) لذلك نقرأ الكثير من الحكم والأمثال التي تحذر من المظاهر "المظاهر خذاعة"، "لا تحكم على كتاب من عنوانه"، "اللحية لا تصنع الراهب"، الخ.

إذن بمرور الزمن أصبحت الملابس جزء هاما في حياة الانسان لانها أول أول انطباع يأخذه الانسان عن غيره هو ملابسه، فاصبحت هناك قوانين للملابس وأصبح الموضة مصطلحا متداولا يحدد الذوق الرفيع في ذلك المجال كما يقول أصحابه. وانتشرت أهمية الملابس بين الناس حتى أصبح الجميع يحرصون على انتقاء وارتداء أفضل الملابس وأجملها وأكثرها قربا من الموضة. فصاحب الملابس الجميلة المتناسقة الثمينة لا بد أن يكون جميلا ثريا وذو ذوق رفيع. فاصبحت الملابس المعبر الأول عن شخصية الانسان.

أصحاب النظرة الطبيعة انتبهوا لهذه الاشياء وقرروا أن يثوروا على هذه الأفكار التي تغيب الانسان عن واقعه الانطولوجي (حقيقة كونه إنسان) ورأو أن على الانسان أن ينزع عن نفسه كل القشور والطبقات التي حملها فوق كاهله منذ آلاف السنين. ليس الملابس فقط بل كل الافكار التي نخرت عقله مثل الجنسوية (التفريق بين الجنسين وتفضيل جنس على آخر) والقومية والدينية والطائفية، الخ.

هناك رواية رائعة حقا لكايت شوبان Kate Chopin اسمها الاستيقاظ The Awakening قرأتها منذ سنين طويلة لكن أحداثها ما زالت عالقة بذاكرتي. أحداثها تدور في السنين الأخيرة من القرن 19 وفي نهاية الرواية نرى البطلة تنزع ملابسها الثقيلة (ملابس القرن 19) واحدة بعد الأخرى وهي متجهة للبحر في شكل يوحي أنها ستنتحر. وهذه البطلة عاشت حالة استيقاظ فكري جعلتها تفكر في الطبقات (مثل طبقات الملابس التي ترتديها) التي تغطي الانسان وتجعله يبتعد عن حقيقته. وفي حركة رمزية قامت كما قلت في نهاية القصة بنزع كل ملابسها دلالة عن رفضها لكن تلك القيم والقشور التي كانت تغطيها.

أصحاب النظرة الطبيعية أيضا هم ليسوا عراة فقط لكنهم أصحاب فلسفة عميقة ولذلك فهم كما قالت نسمة على مراكز تجمعاتهم "ليس بها تصرفات غير أخلاقية" ولذلك فأجسادهم تكون في الغالب أجساد الانسان المهمل لجسده بكروش ممتلئة وجلود متهرلة ووجوه بدون مكياج أو عمليات تجميل. وليسوا كما قلت عزيزي الحر رجعيين. إنهم يعيشون الإنسان كما يجب أن يكون: مجردا من كل القشور الثقافية الرجعية. وفي النهاية، الحقيقة لا تكون إلا عارية. أليس كذلك؟ :what:

هكذا تحدث فيلالثست