إنت مش حتوب يا زيوس؟؟

العزيز نيوترال،

أولا فلم أرد للبعد، وقدت عدت وهذا الرد بين يديك...

لم أنادك يوما للمناظرة في علم الرجال وما شابه من العلوم الشرعية، والتي لا أعلم مدى اطلاعك عليها ولست مهتما أن أعلم ذلك، ولست أرى محاورتك شرفا ولا دنسا، بل هي محاولة تعرّف على الغير، إن أبدى منها قبولا بها ونعمت، وإلا فإلى حيث ألقت رحلها، فلست أتسول المحاورين يا إنسان، ولا أعدم من أفهمه من قبيلك أو قبيلي، وقبل ذلك كله لا أعدم أن أقنع نفسي وهذا هو المهم وبعد ذلك لا ننظر إلى كل من رأى نفسه فوق الناس أستاذ.

نأتي إلى المهم بعد المقدمة الطللية،

الإنسان يا عزيزي نيوترال، الحكي للجميع وخصوصي زيوس، لا يستطيع أن يعيش منعزلا مفصولا عن البشر، ولا يستطيع أن يعيش فوضى.

يحدد الإنسان ذاتيا سلوكه حسب مفاهيمه الشخصية وقناعاته، فينصرف للفعل والترك، ويحسن ويقبح بناء عليها، وهذا لا شأن بيني وبينه فيه، إلا من باب الذكرى العامة التي قد يسمع لها إن أراد، أو قد يستغشي ثوبه ويصر ويستكبر.

حين نأتي إلى السلوك العام، هنا لا تعود المفاهيم الشخصية هي المحددة للسلوك، بل يصير هنا النظام العام، وينبغي على الفرد أن يخضع نفسه للنظام العام لتحقيق الاجتماع الإنساني ومنع الفوضى.

حين يريد المجتمع أن ينتزع النظام العام، فلا بد له من أفكار ومفاهيم متعلقة بالسلوك البشري ينتزل منها النظام ويسير الناس عليه، هنا المشكلة بيني وبينك يا نيوترال تتجلى، وليس في قضية واجب الوجود التي تهرب أنت إلى ذكرها حين تحاصر.

حين نريد أن ننتزع النظام العام من المفاهيم الخاصة، أريد أن أعرف يا نيوترال منك شخصيا، ومن سائر العالمانيين، لم يجدون أن هناك من عقله أكمل وأفضل وأحسن من سائر عقول الناس، فينبغي للنظام العام أن يسير وفق مفاهيمهم؟

نحن أمام احتمالين هنا بعد استثناء الوحي كمصدر لتشريع النظام العام، إما أن يسير امرؤ سلوكه العام وفق ما يحدد هو ويريد من مفاهيم، لننشأ مجتمع الغاب، أوأن يتنازل البعض للبعض عن حق التشريع فيقوموا بتحديد النظام وفق ما يرون هم لباقي الناس.

ما هي الميزة التي احتبوا بها حتى ينظموا لي حياتي العامة؟ ولم علي أن أخضع لقول بشر مثلي يصيب ويخطئ، وأنا أرى أن رأيي في تنظيم سلوكي العام هو الرأي السديد، وقولي هو القول الرشيد؟

لا يقال هنا أن الأغلبية قررت، وعلي أن أسير وفق قرارها، فالأغلبية كالأقلية إنما هي بشر مثلي، وليس لبشر أن يفرض رأيه علي وإلا لكان الأمر استبدادا، وحينئذ وإن كان الاستبداد هو المطلوب ولا مفر منه فإني أعجب لم تقرر ثلة قليلة من قومنا وهم العالمانيون مثلا، ما هو الصواب وما هو الخطأ، وما هو الحسن وما هو القبيح، وما هو الذي يفعل وما هو الذي يترك.

أنت يا نيوترال حين تهرب من بحث واجب الوجود إلى ذكره، تريد أن يسير المجتمع وفق نظام أنت تحدده لنا، وهذا ما لا نقبله منك كما أنك لا تقبل أن يسير وفق ما نحن نحدده، وهنا المعضلة التي ينبغي حلها قبل حل مشكلة الأمية والفقر والتنمية، نريد نظاما نسير وفقه، فكيف نأتي بالنظام يا مفكر يا همام!

حين تريد أن تحدد النظام يجب أن تستند إلى قاعدة مقنعة لعامة الناس وليس لك وحدك، هذا إن أردت أن تفرض رأيك على الأقلية، وهذا عين ما يستنكره قومك على الأنبياء إذ قالوا أبشر مثلنا يهدوننا.

تحديد سلم القيم يا نيوترال، والمفاهيم التي على اساسها ينظم المجتمع، والمسموح والممنوع، ومقياس الأعمال، سابق على كل تنمية أو محو أمية أو غيرها، فلا تقوم نهضة بفوضى.

حين يثبت للغالبية العظمى من المجتمع أن واجب الوجود قبل كل شيء له الخلق والأمر، من هناك يمكن أن تستخرج نظاما ما مقنعا للناس، أما إن بقي الأمر كما هو عليه أن يرى الناس أنه له الخلق ولكل أن يعمل هواه، أو أنه ليس بشيء، فهنا لا بد من إيجاد قاعدة بديلة للنهضة، وهي لن تنجح عندنا على المدى القريب لأسباب عدة خاصة وعامة.