ما في شي اسمه متقدم مدنيا ومتخلف حضاريا، أو العكس، ولا علاقة مباشرة بين الموضوعين مع ارتباطهما الشركي بالنهضة.
الحضارة هي وجهة النظر المتميزة عن الحياة، والتي تحدد السلوك العام للمجتمع، وهي ترتبط بثقافة المجتمع، وهي أمر خاص لا يمكن استيراده وتصديره، فترى الحضارات المتباينة مع توافقها في مدنية واحدة، أما المدنية فهي المظاهر المادية المرتبطة بالتقدم العلمي، وهي عامة لا تخص ثقافة بعينها، ولا علاقة لها بالضرورة بوجهة النظر عن الحياة.
يعني، تجد أن الإتحاد السوفيتي في فترة زمنية معينة كانت له نفس مدنية الولايات المتحدة الأمريكية، مع تباين حضارتيهما، التي تبنى إحداهما على المفاهيم الرأسمالية البرجماتية العالمانية، والأخرى على الاشتراكية الشيوعية اللينينة الستالينية.
وتجد أن حضارة الولايات المتحدة الأمريكية هي نفسها التي كانت عليها قبل مائة عام، مع تغير مدنيتها عن ذلك العهد بشكل كبير.
التقدم المدني كالتقدم الحضاري، كلاهما مطلوب، لكن الطلب هذا يختلف في الأولية وطريقة الوجود بين التقدمين، فالتقدم الحضاري مرتبط بسلوك الإنسان وعقليته، ويعمل له بشكل عام في الأمة ككل، بينما التقدم المدني يقوم به متخصصون ضمن مجالاتهم، ثم تستفيد العامة من المنتوج دون تفكير كبير كيف صنع.
أن تأكل بيدك أو بالملعقة أو بالعود، هذه مدنية، لكن أن تأكل باليمين أو اليسار هذه حضارة.
أن تبني بيتك من جص أو لبن أو حجر أو فايبر غلاس، هذه مدنية، لكن أن يكون بيتك الأصل فيه أنه ساتر أو الأصل فيه أنه مشرع هذه حضارة.
أن تدون مسائل الدولة والمحاكم المختلفة على الورق أو الكمبيوتر هذه مدنية، أما أن تتخذ أقوال فقهاء القانون الفرنسيين أم فقهاء القانون الشرعيين أساسا للتحاكم فهذه حضارة.
عزيزي نيوترال،
ليس متصورا أن أقول كل ما أعرف على منتدى افتراضي، فأنا هنا أولا وأخيرا لممارسة الرياضة العقلية ومنع مخي من الصدأ، ولست مستطيعا أن أظهر شخصيتي الحقيقية أمامك هنا، بل ولا مضطر لذلك. ولا يعلم أحدنا ما يكابد الآخر من العنت في سبيل أمر يراه حقا. فأقصر عن لومي فليس المقام مقام لوم، وإن المرء ليكابد أحيانا ما تنوء بحمله الجبال ولا أعني نفسي، فلا يكاد يحمل نفسه، ولا يظنه غيره إلا لاهيا لاعبا.
نحن هنا يا نيوترال نمارس رياضة عقلية افتراضية، ولا نبحث عن تسجيل مواقف، ومن يريد أن يسجل موقفا ما فليكن من الشجاعة أن يسجله على الحقيقة، فما من فخر أن يصرخ المرء شاتما لاعنا في واد سحيق خال ممن يسمعه.