قال الراوي بين الماضي والحاضر ويستشرف المستقبل:
أنا عروبة ابنة اجنور ابنة صور، كنت هناك من آلاف السنين رجعت إلى دياري متفائلة برؤية أحبائي ، لكني بدلا من ذلك رأيت بلدا محطما ، بلدا خرابا ، بلدا يفوح الحريق من جميع جوانبه ، بلدا مبعثرا ، وجثثا في كل مكان ، رائحة النار والموت كجثة متفحمة متعفنة ، لم أجد من أتحدث إليه ، عندها حدثت الرمل ، وحدثت الصخور، حدثت الأشجار، والزهور المتوارية بين الحطام ، حدثت الجبال والوديان ، والسهول والهضاب ، حدثت السحاب والغمام ، وكلها روت لي الحقيقة عندما رفعت لي عن قناعها ، وقالت لي جميعا اسألي نجمة السماء عشتار، التي لا تفارق الأرض صباح مساء ، اسأليها ماذا حل بنا ، وماذا حل بتاجها ، ماذا حل بأرضها ، رفعت رأسي فإذا بعشتار تراقبني ممسكة بالرمح في يدها اليمنى ، والصولجان بيدها اليسرى ، وتحت قدميها أسد رابض . ماذا أرى ؟! إنها أختي عشتار البهية ، عشتار الخصوبة ، عشتار الأمومة ، عشتار تدعو للقتال ، وفوق قمة قصرها تصرخ بالناس ، طوبى لعين رأتك يا عشتار، طوبى لأذن سمعت ندائك ، وطوبى لقلب أحبك ، وطوبى لفكر رعاك.
تمددت عشتار في عنان السماء ، وحجبت جميع النجوم ، واقتربت من الأرض ، رسمت صورتها البهية في المجرة لتعلن للناس أنها تملك السماء ، وأن الأرض تحت رحمتها ، العيون متجهة نحوك ، والقلوب متعلقة بك ، والعدو تحت سطوتك..
قررت عروبة أن تركب المخاطر، وأن تعتلي نحو السماء ، فلم تجد اقرب لعشتار من الهلال.
أيها الهلال الصادق : كم نبأتنا بالشهور والسنين ، وكم شاركتنا الأفراح بموعدك الكريم ، أنا قادمة نحوك ، قادمة لأكون قريبة من عشتار ، أريد أن أسألها ماذا حل ببيتي وبضيعتي وبقريتي وبمديتي وبأقربائي وبأهلي ، أيها الهلال : هل ترى أعداءنا.. هل ترى من أحرق بيوتنا.. ومن قتل أطفالنا.. ومن دمر أوطاننا.. هل ترى هذا المجرم القذر.. وهل تعلم لماذا فعل كل ذلك.. هل أنت تقود المعركة مع عشتار.. وهل أستطيع أن أشارككم؟ لقد قدمت بعد غياب طويل ، أريد أن أحيي أرضي ، وأعيد العزة والقوة والمنعة لبلدي وأهلي .

قال الهلال الصادق:
- عروبة ابنة أجنور، ابنة صور، لك ذلك.
- كم أنا سعيدة أني وصلت إليك.
- وأنا أكثر سعادة بقدومك بعد غيابك.
- من هذا القاتل المجرم الذي يحطم كياننا؟
- إنهم أعداء الإنسانية ، مجرمون وسارقون ، إنهم الرعاة يا عروبة ، الرعاة الجدد !
- هل هم أولئك الرعاة الذين سرقوا التاريخ.
- يسرقون التاريخ ، ويسرقون الحاضر، والمستقبل.
- ماذا يحملون بأيديهم من قوة؟
يحملون عصيا وسياطا من نار، يحرقون بها كل ما يقع تحت أعينهم ، وتحت أيديهم.
- ولماذا يفعلون كل ذلك؟
- وهل يسأل اللص لماذا يسرق؟! أو القاتل لماذا يقتل؟! أو المجرم لماذا يجرم؟! إنهم يعيشون على سلب ونهب أراضي الشعوب الأخرى ، في أيديهم عصا توراة الرعاة الجدد ، يسمونها الديمقراطية ، مليئة بالإجرام مثل التوراة ، وفي أيديهم سياط رعاة أبقار ما وراء البحار، يسمونها ثارات الإرهاب ، إنهم الرعاة الجدد والمجرمون الجدد والإرهابيون الجدد.
- وماذا أعددت لهم أيها الهلال الصادق؟
- لقد ضربناهم وقمعنا جبروتهم وغرورهم وكبرياءهم ، وما زلنا نحاربهم بكل صدق وعزيمة!
- أنا عروبة ابنة صور، ابنة اجنور، أضع يدي بيدك ، وقوتي إلى قوتك ، أنا الشعب المقاوم المقاتل ، الشعب الذي لا يرى إلا الحياة الكريمة ، أو الموت العزيز، فإليك كل ما أملك.
- بوركت عروبة ، لقد كنت بشارة الخير، ومقدمك السعد لبلدك وأهلك.
- بوركت أيها الصادق ، بوركت يا بن الزهراء ، بوركت يديك وقدميك ، ولتحرسك والدتك التي بالسماء ، دائما بقربك صباح مساء ، بوركت بابن صور، بوركت أخي ، لقد آنستني وآنسة وحشتي ، أنا عروبة أختك وسلاحك ، بوركت يا مؤنس ، كم أحب نبرة لسانك عندما يجلجل هؤلاء الأوباش ، وعندما ينير الطريق لشعبك عندها سيكتمل نورك ليكون بدر السماء ، بعد أن تعيد مجدنا وقوتنا وكرامتنا وعزتنا، فأنت أكرم الناس وأطهر الناس وأشرف الناس ، ولو كرهت البوم والنسور والغربان!