الزميل المحترم وليد,
اشكرك علي اتاحة الفرصة لمثل هذه النقاشات الراقية التي افتقدها تماما في حياتي اليومية, في مثل هذا الموضوع اجد متنفسا بعيدا عن النقاشات العقيمة مع مجتمع الدروشة المسيطر حولنا.
:wr:

Array

لا تكن متشائما - فنحن نتكلم عن فترة زمنية هي في عرف التاريخ قصيرة جدا.
و إن كنت أصدقك القول - لا أعلم أي منا هو المتشائم. فحالة الفوضى التي أظنها على الأعتاب قد تكون أقسى كثيرا من مجرد هذا الثبات العقيم.
.....
.....

[/quote]

اتفق معك ان بالنسبة لدولة تملك تاريخ 7000 سنة تبدوا عشرات السنوات شئ متواضع, و مهما طالت هذه الانتكاسة فسوف تنتهي, لكن هذه السنين هي كل عمرنا, و ما يظهر في الافق هو هاجس ان نعيش و نموت و بلادنا بهذا التدني و الانحدار دون ان ننعم بسعادة ان نراها تتقدم و تتطور, و الاسؤ ان نترك الاجيال القادمة بعدنا في مواجهة المجهول.

تشاؤمك بالنسبة لسيناريو الفوضي ربما هو ما يدفعني لاستبعادة, حساسية المنطقة و طبيعة المصالح المتداخلة و المعقدة تجعل ابقاء الوضع علي ما هو عليه مع عمليات ترميم خفيفة هو سيد الموقف, اما الفوضي فكلفتها عالية جدا و علي جميع الاطراف, و اكاد اقول ان كل القوي الداخلية لا يفيدها سيناريو الفوضي, فالطبقة السياسية بالكامل من حكومة و اخوان و احزاب معارضة في اي مرحلة فوضي سوف يتراجع دورها, فالجميع ,علي خلاف ما يطفو علي السطح من صراعهم ,مشتركين رضوا ام ابوا فيما وصلت اليه البلاد و مصلحة كل فريق تقتضي استبعاد التحولات الجزرية, ربما تضغط الحكومة و يزايد الاخوان و تتجرأ قليلا المعارضة, لكن الجميع يعرف الحدود التي لا يجب تجاوزها.

اما الاطراف الخارجية, فبعد احداث العراق ثم فلسطين اكاد اجزم انهم في اشد الحيرة و لا يعرفون كيف يتصرفون مع تعقيدات منطقتنا و هو ما دفعم بعد مرحلة الضغوط علي الحكومات و المطالبة باحداث اصلاحات إلي العودة لنقطة الصفر فما يهمهم الان هو الخروج من المستنقع و ليس تنظيفه!

اما علي مستوي العقل الفردي و الجمعي فانا اتفق معك في ان الاسئلة تتزايد, لكن الازمة في تمرسنا ايضا علي الاجابات الخاطئة, لننظر مثلا لازمة الفتاوي, فهي تعكس من وجهة نظري تردي لا نهائي, يجعل رجل الدين يطرح اي شئ و مهما بلغت سذاجته فهو في ثقة ان الناس قد وصلت للمرحلة التي سوف تتقبل اي شئ ما ان يرفع في وجوههم القرآن او كتاب حديث او حتي اجتهاد شيخ توفي من عدة قرون.
المناخ العام جعلهم يصدقون ذلك, اما ما يحدث, فهو ان البعض لازال لديه بعض المقاومة, كما ان المزايدة من بعض الفصائل الاسلامية الاخري لم تترك لاصحاب هذه الفتاوي فرصة للتمادي علي الاقل حتي اشعار اخر ينحدر فيه المجتمع اكثر و تضعف مقاومة من يعارضهم ممن يصرون علي القليل "و ليس الكثير" من المنطق.
و لكن كيف تخلصت العقول من هذه الازمة, ببساطة لقد اتسع دهاء رجال الدين, لكي يعودوا لعملية التأييف و التلاعب بالكلمات و المعاني مع تقديم كبش فداء "صاحب فتوي الرضاعة". لقد تم استبعاد نقد البنية التي انتجت هذه الفتاوي لمصلحة اظهارها علي انها اخطاء فردية.

اما تناقضات الاخري من الديموقراطية و الحرية الدينية و حقوق المرأه و الانسان و الدستور.........الخ, فالاسلام كفلها جميعا!. سوف تجد من يؤكد لك ان حقوق اهل الذمة في الاسلام افضل للمسيحين من المواطنة الكاملة, و ان الحرية الدينية كفلها الاسلام "لا تسأل كيف فهذا السؤال اكبر بكثير من قدرتنا العقلية", و ان الاسلام كرم المرأة بينما اهانتها الحضارة الحديث "سوف تسمع هذا الكلام من النساء انفسهم", اما الدستور فالشريعة مصدره و كل ما يلزمه هو تفعيل هذه المادة و التخلص من البنود الكافرة التي يتضمنها.
و في جميع الاحوال و في البداية و النهاية فأي تناقض يصادف هذه العقول له اجابتين حاسمتين
1. لا تحكم علي الاسلام بما يفعله المسلمين.
2. المشكلة في فهمنا و طريقة تطبيقنا للدين و ليس في طبيعة مرجعيته لكل امور حياتنا من سياسة و اقتصاد و علم......الخ من الاساس.
و يظل و ابدا طرح العلمانية كبديل هو امر غير مقبول, ففكرة دع الخلق للخالق و لنعمل علي بناء مجتمعنا علي اساس من العقل و المنطق و العلم هو هراء و انحراف و ضلال!
و لذلك فكلما زادت فتاوي و تضاعفت التناقضات سوف تتراكم المبررات.
و لكن اؤيدك ايضا ان هناك نسبه من العقول لم تعد تتحمل هذه التناقضات, لكن نسبه هذه عقول و معدل تراكمها لا يبشر بفرج قريب, علي انه يعطي امل اننا سوف نصل في النهاية لكن بعد عمر طويييييييييييييييييييل.

انا لا انفي التأثير الخارجي, الثقافي و السياسي, بل و لا انكر قوته و احيانه طغيانه فهو صوت الحرية و العقل, لكني اري اقوي ما فيه هو ترسبه التدريجي و البطئ في عقولنا, و مثل هذه المؤثرات لا تؤدي إلي فوضي و لكن مجموعة من التغيرات الطفيفة المتراكمة تغير ملامح الصورة علي المدي البعيد.



Array

بالرغم مما قد يبدو من إستيعابنا لأدوات التكنولوجيا جزئيا و إستخدامها لمصالحنا - إلا أننا يجب ألا ننسى أن تلك الأدوات و هذه التكنولوجيا تقف على بنية معرفية مخالفة بل و مناقضة لما نحن عليه - و سوف تظل تمثل شوكة في حلق من يستخدمها و لو في مصلحته مؤقتا.
فتلك البنية العرفية العلمية تحديدا هي حصان طرواده الذي إخترق العالم الإسلامي مسببا كل التفاعلات اللاحقة وصولا لما نحن عليه الآن.
لذلك و على مستوى شخصي أجدني أحترم شكري مصطفى مثلا بدعوته لهجرة الحداثة (و من قبله سيد قطب) أكثر من الإخوان المسلمين مثلا و غيرهم من أهل التقية. حيث أنه لكي تكون متوافقا مع نفسك و عقلك فإما العزلة التامة أو الإندماج (و لا أقصد الذوبان).و كما قال نزار قباني:
لا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة و النار.

[/quote]

اتفق معك تماما و لكن اختلف في معدل حدوثه في مجتمعنا, فكلما زاد الوعي العلمي و التكنولوجي اهتزت البنية الاصولية التقليدية لا جدال في ذلك و لكن هذه البنية بالتحايل و استخدام هذه الادوات ضد الثقافة المنتجة لها لا تلاشي تأثيرها او توقفه بل تضعفه, و هو ما يزيد من الزمن المطلوب للتحول, فالاعجاز العلمي و المواقع الاسلامية علي الانترنت لم تمنع تغلغل العلم و ثورة الاتصالات هي فقط حاولت اسلمتها و عطلت وعي الناس و ادراكهم لطبيعته هذه المنجزات لكن في النهاية لا يمكن انكار ان الحداثة تكسب ارضا جديدة.

لا اخفي عليك احيانا اتمني سيناريو الفوضي علي الرغم من قسوته و لكن ربما يكون اقصر الطرق و اكثرها فاعلية........... لكني اعود إلي نفسي و اشفق مما سوف يصاحبه من خراب, و الاكثر رعبا ان تبدأ الفوضي ثم تتطاول او تنتهي علي مرحلة من الهدنة لا تحسم فيها التناقضات التي انتجت الفوضي من الاساس ثم نعيش في نتظار فوضي جديدة .

اطيب تحياتي
:wr: