{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
الفن المضاد استدراك أم تمهيد؟
سيناتور غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,957
الانضمام: Mar 2007
مشاركة: #1
الفن المضاد استدراك أم تمهيد؟
“آه لو ندرك أننا نعيش على حافة السكين، وأن هذه المتاحف الفاخرة ليست أكثر من توابيت مصنوعة بشكل جيد، وأن كل الأعمال المعلقة في “اللوفر” هي استهلاك رهيب لأعمار حفنة من المعزولين، الذين فشلوا في التعامل مع العالم الخارجي فحبسوا أنفسهم في أعماق محترفاتهم المملوءة بالأصباغ والأقمشة وأسراب من الصراصير...”. هكذا كانت ترى (الدادية) حضور الفن في المتحف، وتبلور الحركة الفنية إلى تقاليد حضارية ومن ثم إلى جزء من نظام ثقافي بالغ الأهمية.

صحيح أن بعض شعراء الحركة “الدادية” ومن باب المزاودة على الشاعر “تزارا” مؤسس الحركة، طالبوا بإحراق فنون عصر النهضة وفي مقدمتها لوحة “الموناليزا” للفنان (ليوناردو دافينشي)، لكن اللوحة أدخلت خامات جديدة على المسطح التصويري، حيث أصبحت الإضافات الكولاجية أمراً أساسياً في البعد التأليفي من العمل الفني.

كانت لوحة مضادة للسائد، لكنها أيضاً كانت تمهيداً للدخول إلى عالم حافل بالمفاجآت التعبيرية، سيما أن النتائج التي وصلت إليها أوروبا برمتها خلال فترة ما بين الحربين كانت محشوة هي الأخرى بالمفاجآت، الجيوسياسية، والاقتصادية، والثقافية.

إن الموقف السقراطي من حيث الأسلوب التهكمي الذي وقفته حركات مضادة للسائد الثابت فنياً يذكرنا بضرورة البحث عن الجهة التي يجب فضحها أولاً وقبل كل شيء. ترى ألم يكن تهكم سقراط موجهاً ضد الخطأ الجدي، أي ضد الاحترام الأعمى للتقاليد وللسلطات الكاذبة؟

إذن نحن إزاء تهكم مستلهم من حب الحكمة، لأن المطلوب إقناع الآخرين بضرورة وعيهم بجهلهم ودفعهم إلى التفكير بطريقة حياتهم وإبداعهم.

هكذا انطلقت أصلاً الحركة السوريالية التي كان عليها أن توخز الوعي بإبرة مغمسة بقليل من مادة منومة، لكي تضعنا على حافة اليقظة، عندما نستسلم كلياً لإرادة النوم ونبدأ باستقبال الأحلام.

قال البيان السوريالي الذي كتبه الشاعر “اندريه بريتون”: “نحن الخبز اليابس في سماء على وشك أن تمطر.. وقال إن هذه الآلية في الرسم والكتابة والإبداع. لا بد أن تتحول إلى نوع من (الأتمتة) التي هي حالة انجذاب لبؤرة مغناطيسية تلغي المعنى المباشر للجملة، وتغمس اليد في عالم رغوي لزج حافل بمطاطية يمكننا أن نعتبرها الجانب الحيوي من تكوين هذا العالم الدبق”.

إن فسحة الحلم أوسع بكثير من فسحة الوعي المباشر، لأن دائرة ما بعد الوعي هي الأوسع.

السوريالية توشك أن تخلق لغة بصرية بديلة، لكن “ماكس أرنست” وصديقته “دورتياتاننغ” كانا يراقبان ما سيولد من دون أن تتخلى هذه الرسامة المعاندة عن روحها الكولاجية وإعجابها بالمغامرة الدادية، فيما العين العملاقة التي يرسمها “أرنست” تصير عند “سلفادور دالي” تحديقة اثنين نجحا في تغيير العالم. الأول هو “سيجموند فرويد” ذلك الذي فكك العديد من الطلاسم التكوينية في علوم “الانثروبولوجيا”، أما الثاني فهو رجل صيني قام بمسيرة كبرى قاد خلالها ملايين الفلاحين ونجح في النهاية باسقاط عروش أبناء الشمس ملوك الصين وبرجوازيي “صن يات صن”.

الفن السوريالي كان ثورة مضادة، ولكن عنصر البراعة التعبيرية عند الرسامين السورياليين أمثال “إيف تانغي”، “خوان ميرو” و”سلفادور دالي” وغيرهم سوف يبهر الناس أكثر من الأيديولوجية السوريالية التي صارت مجرد ذكريات شعرية، تماماً كذلك النص السوريالي الأجمل الذي ورد في رسالة من رسائل “بديع الزمان الهمذاني” حيث يخاطب الأمير أبا الحارث محمد فيقول: “كتابي والبحر وإن لم أره، فقد سمعت خبره، والليث وإن لم ألقه، فقد تصورت خلقه، والملك العادل وإن لم أكُ قد لقيته، فقد بلغني صيته، ومن رأى من السيف أثره، فقد رأى أكثره...”.

فالصورة التي يرسمها نص الهمذاني هي صورة كائن سلبي ينفي عبر التوكيد تكون المرئي، أنه بدل أن يرى البحر سمع عنه، وكذلك الليث، تماماً كما سمع عن كرم الملك العادل.

لقد أسقط بنص ذكي للغاية كل المرئيات لمصلحة المسموعات، تماماً كما أسقط الرسام السوريالي عالم الصورة ليصل إلى محيطها أو عالمها، أو لنقل ما رآه من عوالم تأثر بها وإن لم تكن موجودة عيانياً.

المشروع السوريالي هو أيضاً مشروع احتجاج على واقع لا بد من أن نهرب منه نحو خلجان الحلم، ولهذا كشفنا عن العديد من الرسامين السورياليين الروس الذين كانوا في الزمن السوفياتي، زمن الواقعية الاشتراكية، يرسمون عوالمهم السوريالية سراً، حتى لكأنهم سحرة يهربون من ثقب سري نحو الزمن الآخر.

لقد أصبحت الأمور أكثر صدامية، أو أكثر حدة، وصارت بعض المقولات القديمة حقائق ملموسة، مثل المصير، الضجر، الرحيل، التوحد، الصراخ، الصمت بوصفه أكثر الثرثرات فضائحية، لذلك لم يعد العالم معنياً بتصليح أخطائك اليومية، بل ليس قادراً على إسداء النصح إليك لكي لا تخرج من الشباك وإنك تحمل فرشاة الأسنان بيد وشيفرة الحلاقة باليد الأخرى. لهذا أصبح فن الرسم أكثر شخصانية من أي زمن مضى.. فقد كان هذا الفن إبداعاً شخصانياً يتألق عبره نخبة من الموهوبين، لكنه اليوم لا يحتاج إلى موهوب. فالعمل الفني المثير يحتاج إلى مؤثر يمتلك مقدرة تقنية وحساً مرهفاً يستطيع أن يمنح العناصر وظائف جديدة لم تخطر على بال احد.

يرسم الرسام اليوم فوق ما هو مرسوم أصلاً. إنه يريد أن يخلق من هذه الإضافة حالة مستحدثة تجعل من العمل الفني المستجد سبباً لتكوين رؤى جديدة عن العالم الذي نعيشه، ولكن حين لا يرسم الرسام شيئاً ولا يقول نصاً كتعليق على عدم إضافته أي شيء على الفراغ الموجود أمامه، فإن مجرد وقوفه في فضاء لخطة التهيؤ للرسم، أو مجرد رصفه مجمعات “غالونات” الألوان ونثر الفرشايات حولها سوف يوحي إليه بضرورة الانتظار، إنه يحيلك إلى المستقبل، وتصير من دون أن تدري جزءاً حيوياً من مشروعه الفني الذي سينفذه مستقبلاً.

لأننا نفكر معاً في معنى وجود الألوان والفرشايات والقماش في هذا الحيز الذي يشبه المرسم، لذلك نصير في صلب حالة الارتباط بالزمان الفني الذي نذهب إليه بكل طواعية ووعي.

لكن فن النوايا المشتركة هذا سيبدو أشبه برحلة المغامر الذي يستمر يحلم بيوم جنائزي حافل، إنه الشخص الوحيد الذي يرغب أن يطل من داخل تابوته ليرى سعة الحشد الذي يشيعه، تماماً مثل العديد من أبطال الأدب الرومانسي الذين يخترعون العجائب شرط وجود الحبيبة والشهود. لذلك تأخذنا هذه الحركة الاحتجاجية الجديدة والمعاصرة في الفن-الفن الوظائفي- إلى حيز آخر فيه الكثير من البلاغة الفكرية، والقليل من الإبداع التصويري، علماً بأن تعريفات جديدة أضحت اليوم قيد التداول عن المعنى الحديث للإبداع التصويري.

إن المبدأ العام للفنون المفاهيمية هو العودة إلى ذلك النمط الوظائفي للعناصر التي تكون المنظر الخارجي وتؤسس لرؤية يستطيع الفنان لمجرد النظر إليها أن يستنتج تكويناً مثيراً يصلح لأن يصير لغة تعبيرية جديدة، إن لقاء تقليدياً يقوم بين هذا الرسام وبين سلفه الرسام الكلاسيكي الذي كان يرتب الأشياء المختلفة على طاولة واحدة داخل المحترف ويُعيد رسمها على القماشة تحت عنوان حياة ساكنة، لكن الفارق هنا أن هذا الفنان المعاصر الذي ترتكز تجربته على المفاهيمية يذهب للبحث عن حياة متحركة يعتقد أنها توجد في ردود فعل الأشياء وليس في الأشياء ذاتها.

إننا نحاول أن نفهم هذه الحركة كفعل فني مضاد وليس كمشاغبة على حركة الرسم أو على الثقافة البصرية برمتها، ولكن ما لم نستطع أن نجيب عنه حتى الآن هو ذلك السؤال الذي يطرح نفسه بقوة مؤذية أحياناً.. ترى هل الفن المضاد استدراك لواقع متردٍ أم هو تمهيد لعالم جديد يصير فيه الفن مجرد اختراع جديد لتأليف مغاير تماماً كما يقولون الآن عن الأغنية بأنها أداء لا يحتاج إلى أصوات؟

* نقلا عن صحيفة الخليج



10-03-2007, 11:52 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
الفن المضاد استدراك أم تمهيد؟ - بواسطة سيناتور - 10-03-2007, 11:52 AM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  كاتيا حرب تعتزل الفن.. لتتفرغ لمساعدة العجزة واليتامى...كانت تنوي أن تصبح راهبة بسام الخوري 4 2,094 10-30-2011, 07:18 PM
آخر رد: JOHN DECA
  لمتذوقي الفن بكافة أشكاله - أغاني anathema special 4 3,624 05-28-2009, 11:49 PM
آخر رد: Narina
  في الالتزام ... الفن الملتزم EBLA 3 3,399 05-25-2009, 12:56 PM
آخر رد: The Holy Man
  هل هناك علاقة بين الفن العربي والاسباني تمثال الحرية 1 1,435 04-01-2009, 10:55 AM
آخر رد: تمثال الحرية
  تجاربي مع الفن الحديث وردة_الهاني 19 3,815 10-04-2008, 10:05 PM
آخر رد: وردة_الهاني

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS