بالفعل .. المسلسل يحقق شعبية عربية كبيرة ومنقطعة النظير .. وسجل أعلى مستوى للمشاهدة حتى الآن ..

الطريف أن تأثيره أمتد الى المدارس والأزقة ، فبتنا نتابع حوارات أبطال المسلسل في حواري حينا وعلى ألسنة الفتيان الذين يتقمصون شخصيات المسلسل ويحاكون تصرفاتهم ويرددون كلامهم .. فهذا فتى يسمي نفسه : العقيد أبو شهاب، فيرمق اقرانه بنظرة حادة وقاسية .. وذاك يتقمص شخصية معتز ويقلده بمشتيه، بل ويمتشق عصى رفيعة كما يفعل .. وكل واحد يزمجر بوجه الآخر قائلا: يا بــاطل !!! ::angry:.. قرّب ولك حريمة :barfy: (تصغير حرمة، زيادة في التحقير) .. والله لفش نيعك والله !! :angryrazz:..

المسلسل بسيط جدا من حيث الفكرة .. فعقدته هي مشاكل ابو عصام في الحارة، ويكاد حديث النسوان يشكل نصف أحداث المسلسل .. ورغم ذلك فقد شد الناس بقوة ..

شخصيا .. يذكرني هذا المسلسل بأيام قديمة (وعادة الانسان يحن الى الماضي بشكل عجيب ) بل ان بعضها كان حيا الى عهد قريب !! .. وقد اعاد الى ذاكرتي كلمات قديمة كنت اسمعها من (كبارية العيلة) مثل مخستك (أي مريض، ومشتقة من خستكانة وهي المستشفى) ولسانو بسبع شطلات، ونيرة (أي ليرة ) فضلا عن عادات قديمة جدا مثل استقبال النسوان، حكواتي القهوة (حتى اليوم هناك حكواتي في مقهى النوفرة العريق) واجتماع النسوان لاعداد أكلة "حراق اصبعو" (أتذكر يوم كنا اطفالا كيف كانت خالاتي يجتمعن في بيت ستي لتحضير تلك الاكلة النسائية بامتياز) ناهيك عن لباس النسوة (الملاية ) وكلام النسوة الدمشقيات الذي كنت اسمعه يدور بنفس الالفاظ وحتى المواضيع بين العجائز من نساء العيلة .. وأجزاء البيت الدمشقي (المربع، البحرة، اليوك، النملية) .. وعنتريات الزكرتية والقبضايات .. ونخوة شباب الحارة لنجدة النسوة .. والتردد والتمهل قبل الدخول الى البيت وسط ترديد كلمة ( يالله .. يالله .. دستور .. عطوا طريق).. وعادات رمضان الاجتماعية من تبادل السكبات (أي طبق من الطعام) والمسحر أبو طبلة (مازلت هذه العادة حية في أحياء دمشق القديمة، ومنها حيّ) واجتماع النسوة في أواخر رمضان لاعداد حلو العيد (المعمول والسمبوسك) أو شراء الحلو الجاهز من البغجاتي (أي صانع الحلو) ..

ولعل أهم ما جذب شبان هذا العصر الى المسلسل هو النزعة الذكورية الطاغية فيه، فالرجل هو سيد البيت بلا منازع، وكلمته ما بتصير تنتين ، ووظيفة الزوجة الوحيدة هي ارضاؤه من كل النواحي !! .. ويكفي أن يرمق الرجل زوجته بحدة ويقطب حاجبيه حتى تقول بانكسار : حاضر ابن عمي !! .. وهذا ما جعل جيل هذا الزمان يتحسر على تلك الايام الخوالي .. يوم كان الزوج يطلق زوجته من اجل كلمة " فشرت !!" (أي خسئت ) ولا تثريب عليه من أحد في ذلك ..

لا يخلو المسلسل من مبالغات (المثالية المفرطة في التفاني والمحبة، وحكمة زعيم الحارة وعدله !! ) فضلا عن سقطات تاريخية (لم يكن لحواري دمشق أبواب كما يزعم المسلسل !! ) .. ربما انقرضت الكثير من تلك العادات والتقاليد اليوم في مناطق وأحياء دمشق الراقية، ولكنها مازلت حية بذات التفاصيل في أحياء دمشق العريقة (الميدان، والشاغور، والقنوات، والقيمرية، والصالحية ) واشهد الكثير منها يوميا .. وبالمناسبة فان كاتب هذا المسلسل هو ابن حي الصالحية الشهير ..

أنصح من يريد أن يستزيد حول تلك التقاليد بالرجوع الى مذكرات الشيخ علي الطنطاوي، ففيها وصف حي ودقيق وصادق لعادات تلك الايام وتقالديها، وكم استمتع بقراءة تلك المذكرات بقلم الشيخ الطنطاوي المتميز ..

المسلسل استمرار لتقيلد المسلسلات الشامية التي لاقت قبولا وشعبية عربية كبيرة (ابو كامل، الخوالي، أيام شامية، ايام الصالحية، باب الحارة - الجزء الأول) ..

تحية للصديق العزيز طارق على فتح هذا الموضوع (f) .. ودعوة للجميع لمشاهدة هذا المسلسل السوري الجميل .. الذي أؤجل أي عمل لي في اوقات بثه حتى أتمكن من مشاهدته ..