حسيبة تنقذ «دراما.. ابن عمي» من البلادة..!!


دمشق
صحيفة تشرين
ثقافة وفنون
الخميس 4 تشرين الأول 2007
علي الراعي
أعتقد أنه لم يكن يدور بخلد المخرج بسام الملا والكاتب أحمد حامد، والشركة المنتجة لمسلسل باب الحارة في جزئه الأول، أنهم سيقدمون جزءاً ثانياً له، ولو فكروا بذلك.

لما كانوا أقدموا على «ختم» المسلسل بتلك الخطوة «الحمقاء» وأنهوا حياة «الإيدعشري» بتلك النهاية البائسة، معترفاً بسرقة الخمسين ذهبية من التاجر أبي ابراهيم، نهاية حاسمة، كنهاية خطبة وعظية تأتي من خطيب أو كاهن أحد المعابد معلناً انتصار الخير على الباطل. ‏

ذلك أن المسلسل في جزئه الأول كان قائماً على هذه الشخصية الرائعة «الثورية» بكل عفويتها على بلادة وأعراف الحارة، فكان أن قطع عنها الثرثرة ولو قليلاً،لاسيما بذلك الأداء الرائع للرائع بسام كوسا، الذي كان ضد هذا التحالف البغيض بين السياسي والاجتماعي والديني لتكريس حالة الخنوع والاستغلال، وتقبيل الأيادي والطأطأة والانحناء و«حاضر ابن عمي..!!» وإن جاءت هذه الشخصية عكس ما يشتهون..!! ‏

هذه الحالة التي يدعو إليها هذا المسلسل وتنويعاته: «الخوالي، ليالي الصالحية، أبو كامل، و.. أيام شامية» وثمة جزء «ثالث» لباب الحارة ويبث بالتوازي معه هو «جرن الشاويش»، إذ بالإمكان من فاته حلقة من هذا المسلسل أن يعوضها بحلقة من ذاك المسلسل، فالحالة نفسها مكررة ومنسوخة، وإن تغيرت الأسماء والحارات في إساءة مقصودة ومتعمدة للحارة الدمشقية، وهنا لا «إيدعشري» حتى يحرك هذه البلادة والخنوع، أو «ثائر» في وجه أعراف كالقيود..!!

‏

والأن «الأيدعشري» هذا الخارج عن السرب أو بالأحرى عن «القطيع» قد أنهوا حياته في الجزء الأول من مسلسل باب الحارة، فلم يبق عندما ضاع الجزء الثاني من هذا المسلسل ما يقولونه، فكان أن وقع في ثرثرات النسوان وكيدهن العظيم، وكان أن أراد «النستولوجيا واليوتوبيا» (الحنين والمدينة الفاضلة) أن فضح ودون قصد أسرار الغرف المجاورة والأزقة، من خلال كيديات سعاد خانم وفريال خانم التي ليس لها ما يبررها على الإطلاق، والقرف الذي حصل هو تكريس ثلاث حلقات على «يا غيرة الدين» عندما يدخل معتز شقيق عصام المتزوج لمنزل العيلة ورغم النحنحة وياالله ودستور لم تضع زوجة الأخ «الإيشارب» على رأسها (لاحظوا هذا السفور المخيف..!!) ثم لتحصل خناقة كاد أحد الشقيقين أن يروح فيها... هل ثمة قرف أكثر من هذا القرف، أليست زوجة الأخ بمنزلة الأخت، أو هكذا تصنف.. «يا للعار..!!» ‏

إذاً هي دعوة للانغلاق والتحجب والتحجر، والتغني بذلك وتصويره.. إنه المثال الأعلى، مركزاً على الأبواب المغلقة وشوادر النساء وبراقعها، وصولاً للباب الكبير للحارة، الذي لم يصد غازياً ولا سارقاً، وإنما «هوحاجز» في وجه الحواري الأخرى ولأهلها بدل الانسجام والتآلف، وحسناً فتح المخرج أو القائمون على الجزء الثاني الباب، رغم كل «التأسفات» التي كانت تنطلق من أهالي الحارة على فتحه، فقد تبين إن إغلاقه أو فتحه سيّان..!! ‏

و «جرن الشاويش» يدور أيضاً في هذه الثرثرة التلفزيونية «ساميا ورمزية» وإن كان قدحاول أن يعطي دوراً ما مختلفاً، لكن الجهود جاءت غير واضحة، وبقينا في إطار «الخانم» الثرثارة، حيث الكائنات البشرية هنا، هي كائنات هضمية وجنسية بامتياز، لاهم لها سوى تحضير الطعام والتفكير بالزواج.. عائلات غنية وأخرى مستورة، ولا نعرف كيف أصبح الأغنياء أغنياء، والمستورون مستورين.. الأمر كان على مايبدو يحتاج لـ «الإدعشري» الذي لم يتوفر في المسلسلين، ليعري هذه الفروقات الطبقية..!!

‏

ونشير أيضاً في هذه المسلسلات، التي يقحم فيها قضية الانتداب الفرنسي، إذ يكون هذا الصراع أشبه بالخلفية المقحمة، والنافلة، وذلك لأن الغاية هي هذه «النستولوجيا» المرضية. ‏

يمكن أن يكون مسلسل «حسيبة» الذي كتب السيناريو له الأديب خيري الذهبي، عن روايته المعروفة بالاسم ذاته، إخراج عزمي مصطفى قد نجا من بلادة «دراما ابن عمي» سواء بهذا الوضوح بالصراع مع الاستعمار أو بتصوير هذه الكائنات البشرية ليس ككائنات هضمية وجنسية وحسب، بل ليس ثمة من خيرً صرف، أو شر خالص. كما حاول أن يقدم ذلك (باب الحارة وجرن الشاويش) وأعطى للمرأة قيمة غير (هات إيدك بوسا ابن عمي) عندما صور المرأة في الجبال والغوطة مقاتلة إلى جانب الرجل تنادي لأبيها «صياح» باسمه وليس «يابي» بكل ذاك الخنوع، ساخراً من السياسيين الذين يستغلون الثورة لمصالحهم الشخصية، مصوراً المجتمع الدمشقي بوجهيه في الحارات وفي البساتين، هناك حيث التقى والإيمان، وهناك حيث العربدة والعبثية وليس هناك مدن وحارات فاضلة ينتصر فيها الخير على الباطل بتلك الطرق البائسة. ‏

وأشير هنا، إلى شخصية «خالدية» هذه المرأة الحساسة، والمبدعة التي تتزوج شاباً أصغر منها، وكأنها ضمير الرواية كلها ونذكّر هنا بدوري (أمل عرفة بدور حسيبة، أمانة والي بدور خالدية).. ‏

والإشارة إلى الطفل ـ الراعي في قلعة شيزر المشرد والمهمل الذي نفض عنه الغريب ـ المستعمر هذا الغبار حيث بدا جميلاً ورائعاً، لكن لا ليقدمه لنا، نحن الذين أهملناه، وإنما ليأخذه هو ويتبناه..!! ‏

هل من هنا يمكن القول، وبعد هذه الفروقات الحادة بين مسلسلي باب الحارة وجرن الشاويش، وبين مسلسل «حسيبة» إن المشكلة هي في النصوص وليس في الإخراج والممثلين وهذه حقيقة أزمة الدراما السورية، لاسيما أن من تصدى لإخراج مسلسلي باب الحارة بسام الملا، وهشام شربتجي بجرن الشاويش من المخرجين المشهود لهما، ومن ثم لم يستطيعا التلوين في هذه النصوص البائسة فكان هذا التشابه.؟!! ‏

ربما يكون السبب في ذلك لأن هذه الأعمال هي أعمال تنفيذية، ولكتاب أقل موهبة، أو يكون لأنها أقل امكانية لخلق ألوان في دراما الحارة الدمشقية، مهما توفر لها من مخرجين وممثلين قديرين..؟!!