عزيزي تمثال الحرية،

أنت قلت بالحرف الواحد: السماء و القمر و الشمس و النهار، من خلقها؟

عزيزي أنت استعملت كلمة "من"، و كلمة "من" في اللغة العربية تدل على شخص. مثلا حين نقول، "من سقط على الارض؟" فكلمة "من" هنا لغويا تشير الى شخص. اذن السؤال نفسه يفترض مسبقا ان الكيان الذي سقط على الارض هو شخص و ليس جماد، و إلا لكنا قد قلنا "ماذا سقط على الارض؟"

و فوق هذا و ذاك، فإن السؤال نفسه "من سقط على الارض؟" يفترض مسبقا ان شخصا ما قد سقط على الارض، و السائل يريد معرفة هوية هذا الشخص الذي سقط على الارض.

أنت قلت بالحرف الواحد: من خلقها؟

سؤالك يفترض مسبقا أن السماء و القمر و الشمس هي (1) مخلوقة، و (2) هناك شخص عاقل خلقها.

هذا أمر لغوي بسيط يا عزيزي لا خلاف عليه. و أنا لم أكذب على لسانك. و لا تلمني يا عزيزي و لا توبخني اذا انا أخذت كلماتك بمعناها الصحيح، و كأن ذنبي أني فهمتها حسب ما تعنيه هي، و استعمالك أنت لها كان خاطئا، فتقول ما لا تقصد، و تقصد ما لم تقل.

أما أن تسألني "من خلق كذا"، و في نفس الوقت تصّر أنكَ لا تفترض مسبقا أن كذا مخلوق، فإما ان الامر استعباط او سوء استعمال للغة العربية. و هذا تماما مثل السؤال "متى توقفت عن ضرب زوجتك؟" و السؤال نفسه يفترض مسبقا ان المسؤول كان فعلا يضرب زوجته.

سوء فهم الناس للدلائل اللغوية لهذه الكلمات البسيطة هي سبب المصيبة. طبعا اذا سأل سائل، "من خلق الكون؟" فهو بلا وعي يفترض الجواب في سؤاله الذي يحتم أن يكون الكون مخلوقا، و أن يكون الخالق شخصا. فليس من المدهش أن يقع أغلب الناس بما فيهم السائل في هذا الفخ المنطقي، فحتى لو قالوا ان الاجابة هي "لا نعلم"، فهم سلموا بالاجابة الواردة في السؤال نفسه.

فإذا كنتَ تستهجن الدقة التي أصر أنا عليها، و تصر أنت على الخلطبيطة اللغوية و الشوربة المنطقية كما ورد في سؤالك، و بعدها تغضب اذا انا مجرد طلبت منك توضيح السؤال، فلا داعي لتضييع وقتي و وقتك.