بعد نهاية المسلسل، وطور الانبهار بشخصياته، أعتقد أنه لا يمثل فعلاً شخصيات أيام زمان...
برأيي كان معظم الناس في تلك الأيام مثل شخصية "أبو غالب" الفقير المحتاج، والنمام الذي يحاول الإيقاع بغريمه.
النوستالجيا التي نعانيها لا تعني أن ننسب الإيجابية والقوة إلى معظم الناس في ذاك الوقت. إذ كان الناس قد خرجوا لتوهم من السفربرلك ومن الحرب العالمية الأولى التي أنهكتهم مادياً، والتي ذلت الناس ولم تترك كرامة لأحد إلا قلة قليلة من الباشوات والأفندية الذين إما انتموا إلى مسؤولي زمن العثمانيين أو منتفعي زمن الفرنسيين، أو المغتربين في البرازيل والأرجنتين الذين عادوا ببعض النقود، وهؤلاء كلهم لم نرهم أبداً في المسلسل !!
فالمسلسل نجح في إعطاء فكرة من زاوية محدودة عن الحارة الدمشقية، ولكنه لم يعط صورة شاملة.

المسلسل تشوبه بعض الرسائل السياسية والعقائدية، مع عدم استنكاري لها، بل من حق أي عمل أن يحمل رسالة... بل إنه كان إيجابياً بتذكيرنا أن مساعدة الفلسطينيين ومقاومة المستعمر ليست جريمة بل هي فضيلة، ولا بد أن تبقى كذلك....
كثيراً ما كنا نحس في الجزء الأول أن الزعيم هو رئيس دولة عربية، وأن "أبو شهاب" هو المخابرات فيها.... فقرارات الزعيم لا يشوبها الخطأ، وأبو شهاب قادر على أن يفعل ما يشاء بالقوة.... وهذا ما أعطى شخصية الإدعشري شعبية رغم إجرامها، إذ أنها رفضت سلطة الزعيم و"عقيده"....

هناك الكثير من الإعادة والمطمطة، خصوصاً في مشاهد الحزن والحب العذري... ولم يرحموا المشاهد من تذكيره في كل الحلقات بسعاد على سريرها تبكي، أو ابنتها تبكي، أو ابنتها الأخرى تأخذ الخبز من حبيبها الفران...

العنف الذي يعرضه المسلسل، وأن ينال كل امرئ حقه بالعصا وبقيضة يده، عبارة عن شيئ كان يجب استنكاره بدل مديحه... ومن المؤسف أن نعود في فترة يتدافع فيها أهل دمشق في الشوارع ويتساببون من نوافذ السيارات إلى فترة كانت الشجارات فيها سائدة... والشخصية الأسمى هي من حملت العصا أو الخنجر....

شعبية المسلسل تمثل حاجة الشعب العربي إلى عمل يبين لهم ماضيهم، ويربطه بالحاضر أيضاً. وهو يبين أيضاً أن العرب ما زالوا كياناً واحداً من الناحية الثقافية. ولكن هذا لا يعني ألا نسمو بالأعمال أكثر، وأن نحاول عرض الشخصيات بموضوعية أكبر، بذم طريقة الثأر وأخذ الحق باليد، وذم التبعية شبه القبلية والعصبية للحارة وللأسرة مهما كانت الظروف....
وإلا فإن الجيل القادم لن يخرج من الدائرة التي ندور فيها حالياً، ولن يحس بأهمية التغيير في مجتمعاتنا.

(f)