نخط الان سويا منطقة رمادية
فقد استخدمت دليلين في موضوعنا و خدمتهما بتلك المنطقة التى اراها تخدم الدليلين كليهما


قال عميدنا
Arrayكأني أراك تريد القول مثلًا "هذه طائفة من المسلمين تقبل المرسل من القرن الثالث ، فإذن لا مانع أن نحتج بكلام مرسل لجيروم من القرن الخامس" [/quote]

قلت
و هل مثل هذا يمكننى ان اتركه بسهولة

يجب ان نعي ان فكرة الاسناد واهية تماما عند المستشرقين
بل يرونها احد اسباب تأخر علوم نقد النصوص و تحقيقها عند المسلمين !
و يعتقد المستشرقون - اعتقادا خاطئا في نظرى- ان المسلمين قد اهتموا بالاسناد و لم يهتموا بالمتن , فامروا الاسناد الصحيح بما في متنه من هراء و سخافات ( بحسب العقلية الغربية ) و اعتقد ان خطأ المستشرقين راجع الي عدم استيعاب كاف لطرق تفكير الشرقيين بالرغم من ريادتهم في مجال التعرف علي حضارتنا

و على النقيض من فكرة المستشرقين عن الاسناد و المتن اكرر استقراء المعلمى - و الذي يبدو ردا مباشرا على المستشرقين - القائل

Arrayإذا استنكر الأئمة المحققون المتن وكان ظاهر السند الصحة فإنهم يتطلبون له علة ، فإذا لم يجدوا علة قادحة مطلقاً حيث وقعت أعلوه بعلة ليست بقادحة مطلقاً ، ولكنهم يرونها كافية للقدح في ذلك المنكر ، فمن ذلك إعلاله بأن راويه لم يصرح بالسماع هذا ، مع أن الراوي غير مدلس ، أعلّ البخاري بذلك خبراً رواه عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن عكرمة تراه في ترجمة عمرو من التهذيب[/quote]

*راجع مداخلة ابي هريرة
لكن و بالرغم من دور علوم الحديث الكبير في علوم الاسلام الا اننى ازعم ان كبار رجال الصنعة من علماء الاسلام انفسهم كانوا يدركون نقائصها
و هذا ما يتعلق به مقالي هنا


تبدأ فكرة السند كما بينتها احد الدراسات الاستشراقية المهمة عند اليهود
و لكنها لم تصل الي ما وصلت اليه عند المسلمين

فقد بدأت عند المسلمين كما قيل عن ابن سيرين مع فتنة ما

Arrayلم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم فينظر إلى حديث أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم[/quote]

مقدمة مسلم لصحيحه ( 1 / 51 )

من هذا النص يظهر جليا ان الهدف من علم الاسناد ذاته ( تصفية مرويات الخصوم )
الاقرب في معنى ( الفتنة ) هو فتنة حدثت بعد موت على
حتى لو حدثت بخصوص علي نفسه كفتن التشيع , الا ان حديثا يشير الي تأليه علي كان ليعاقب صاحبه من قبل علي نفسه , لذا فالارجح ان هذه فتنة عقبت موت على

ولا نحتاج الي جهد كبير لنعرف ان وصف ( اسناد ضعيف ) او ما يقابله في عصر نشوء علوم الحديث الاسلامية كان يعني ( راويه ليس من مذهبنا )


هذا عن السند الموجود
فماذا عن السند المفقود ؟

مرحلة الاهتمام بالاحاديث العقائدية ( العقدية ) و الفقهية لابد ان تكون متأخرة نسبيا , تأخرا يسمح بظهور المذاهب الفقهية و العقدية التى من خلالها يمكن تقييم المتن

و لم يخف على علماء الاسلام ان فترة كالتى اخذها علم الحديث ليستقر في مفاهيم العامة ( الرواة ) كانت كافية لضياع الاسانيد , او ضياع الصحيح منها

و هذه هي المشكلة التى واجهتهم و التى يدل عليها مذاهبهم

و يكفى تأكيدا لفكرة ( ضياع الاسانيد او الصحيح منها على الاقل ) ان اذكر قول الاعمش

Array قلت لابراهيم النخعيّ : إذا حدثتني فأسند. فقال : إذا قلت لك : حدثني فلان عن عبدالله فهو الذي حدثني ، وإذا قلت : حدثني عبدالله ، فقد حدثني جماعة عنه ، وقد قال الآمدي بعد ذلك ، ولم يزل ذلك مشهوراً فيما بين الصحابة والتابعين من غير نكير فكان إجماعاً[/quote]

من هنا

و الشاهد هنا هو الادراك التام لفكرة المراسيل و التى اعتمدت لفترة طويلة فضاع السند
و من هنا يأتى استنكار المستشرقين , فلما لم تترسخ فكرة السند الكامل , فمن اين وصل هذا العدد من الاسانيد الموصولة و المرفوعة ؟


و هذا الاستنكار عندهم مفسر بعملية ( اختلاق السند )فليس اختلاق السند اكثر صعوبة من اختلاق المتن و الذي اعتاد عليه المسلمون

و لم يكن هذا كله مجهولا عند فطاحل الحديث من المسلمين
فيروى مسلم في مقدمة صحيحه ايضا اختلاق الاسانيد
و ثابت في كتب العلل ان شعبا ما ( الكوفة مثلا ) اذا ارادوا اختلاق حديث قالوا ( حدثنا فلان عن فلان ) باسماء شبه ثابتة

و يقينا ان هذه الاسماء لها من الثقل ما لها بحيث يمكن الحديث المكذوب من المرور الي مراتب الصحيح

فقسم المحدثون الاسانيد الي انتماءات جغرافية ايضا
فتجد ( هذا اسناد كله مدنيون ) .. الخ

وسط هذا الجو من الخداع نشأ علم الحديث في الاسلام و ترعرع
و لا يمكن الادعاء ان هذا قد خدع الافذاذ من رجال هذا العلم


و هذا ما يفسر كل اسئلتي السابقة و المختصة بهذه المنطقة الرمادية
و اكررها بعد هذا العرض
و للقراء ان يقارنوا بين رد عميدنا العزيز عليها - او عدم رده - و بين صحة ما ذهبت اليه
فلم يكن هدفى هو الطعن في تلك المذاهب الاسلامية
بل فهمها و فهم خلفيتها و الاعتماد عليها في تصحيح ( قصة الزانية ) بحسب تلك المناهج
و هذا ما وعاه عميدنا العزيز فقال في مجمل رده

(((إذ عليك أن تصحح الإستدلال أولًا ولا تعتبر قولهم من المسلمات .)))


لذا ابدأ بعرض رؤيتي لما سألت عميدنا عنه
و الغريب هنا اننى اظهر المدافع عن مناهج فطاحل الاسلام , بينما بغسل العميد يده منها براءة!


1- لقد اعتمد مالك و المالكية حجية عمل المدينة لثقة تماما بامكانية كذب اسناد صحيح
فما هو ضعيف عند ( العميد ) قوى عند ( مالك )
او ان شئنا الدقة اقل ضعفا

فيعتبر مالك تواطؤ اهل المدينة على اتباع عمل لم يأمر به محمد اصعب من وهم او نسيان احد الثقات

فاثر مالك اتباع العرف العملى اكثر من اتباع الحديث الصحيح عند قوم
و هذا العرف العملي ( لا سند له )


2- اعتمدت طوائف من المالكية و الحنفية و غيرها مراسيل ثلاثة قرون متأخرة
سبب ذلك عادة الارسال و التى لو ضاع اعتبار المراسيل , ضاع التراث الفقهي الذي يثق الحنفية و المالكية في صحته حتى لو عورض باحاديث يمكن ان يصححها البعض

و لو كان البخاري!
و يمكنك ببساطة ان تقرأ احد شروح الحنفية للبخارى لتجد نفس احاديث البخارى الذي لم تفته فرصه ليعارض مذهب ابي حنيفة , لتجد نفس الاحاديث تفسير بما يخدم المذهب الحنفى !


3- اعتمد عدد كبير من المذاهب العمل بالاحاديث الضعيفةبالرغم من معرفة ضعفها فربما كان مجرد سبب الضعف ضياع ما يؤيدها من قوة , غير ان المتن يشير الي صحتها

مثل قول ابن عبد البر في احد الاحاديث الضعيفة
Arrayاستفاض عند أهل العلم قوله صلى الله عليه وسلم لا يقاد بالولد الوالد وقوله صلى الله عليه وسلم لا وصية لوارث استفاضة هي أقوى من الإسناد والحمد لله[/quote]

و مثل قول الحافظ في التلخيص
Arrayوالحارث وإن كان ضعيفاً فإن الإجماع انعقد على وفق ما روى[/quote]

و قد ذكرت طائفة من امثلة الاحاديث التى استبدل علماء الاسلام صحة اسنادها ب ( انتشار العمل الفقهي بها )

*راجع مداخلة 27

و النقيض موجود
الاحاديث الصحيحة التى لم نجدها معمول بها
فقرر علماء الاسلام تحاشيها فحسب
فهي تمثل معضلة تشكك في صحة سلسلة الاسناد نفسها و التى هي صحيحة , بل لازمة الصحة عند المحدثين


بل و مازلت اطلب عميدنا العزيز بتوضيح نظرته لانكار ابن مسعود للقرانية المعوذتين
ذلك الانكار الذي هو في اعلى مراتب التصحيح الحديثي ( البخارى )
و منكر عند راسخين في علوم القراءات

ذلك التناقض بين اعلى مراتب التوثيق الحديثي , و مرتبة التوثيق القراني
فما رأي عميدنا في هذه النقطة ؟


كل هذا بالاضافة الي اعتماد صحة الاسانيد الضعيفة لتعدد طرقها
و اعتماد صحة ( رواية القران ) لمجرد ان احد الائمة قد قال بها و هو ما اغرب عميدنا في الرد عليه
مثل هذا و اكثر ما يدفعني الي رفض زعم المستشرقين بانكباب علماء الحديث على السند دون المتن

فكما يخبرنا تاريخ بداية هذا العلم , و التطبيقات العملية التى وجدناها فيه ان المتن دائما مقدم على السند
و ان السند ما هو الا مطية ركبها العلل التى اراد العلماء ان يضعفوا بها المتون التى لم ترقهم
و استغلها الكذابون لامرار اراء ارادوها

هذا هو افضل تفسير لتصحيح مسلم لحديث ( ابي هريرة ) و انكار ( البخارى ) له


يتبع ان شاء الله