في لندن أسست دولة اليهود
زئيف تسحور
05/11/2007
أحد الاسئلة المتكررة في التاريخ هو: لماذا صدر وعد بلفور؟ حل المدرسة حدد الاسباب التالية: تطلع بريطانيا لتشجيع الولايات المتحدة علي الانضمام للحرب العالمية الاولي، الحاجة لتشجيع روسيا علي مواصلة الحرب، مساعي التصدي لمعاهدة سايكس بيكو ، والرغبة لاثابة حاييم وايزمن علي اختراع عسكري هام. الرد الذي تضمن هذه الاسباب حصل علي كامل النقاط، رغم انها كلها خاطئة.
بيان وزير الخارجية البريطاني بلفور صدر قبل تسعين عاما في الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر) 1917 في ذروة الحرب العالمية الاولي. رغم أن اليهود شكلوا أقلية صغيرة في ارض اسرائيل في ذلك الحين، إلا أن الحكومة البريطانية اعترفت بحقهم في اقامة كيان وطني فيها. الوعد صدر عندما شرع البريطانيون باحتلال البلاد من الأتراك، وتحول الي وثيقة سياسية ملزمة. في نظرة الي الوراء كان هذا البيان هو الاصابة الأهم التي أحرزتها الحركة الصهيونية في كفاحها من اجل اقامة الدولة. قرار بريطانيا مساعدة اليهود في العودة الي البلاد المقدسة يكمن في التطلع الخلاصي الذي انتشر إبان الحرب باقامة نظام عالمي جديد بعدها.
قبل ذلك بعشرين عاما عندما اجتمع الكونغرس الصهيوني الاول، أقلية فقط أعطت احتمالية لنجاح الفكرة المتجسدة فيه. 1 في المئة فقط من العشرة ملايين يهودي الذين كانوا حينئذ في العالم انضموا للحركة الصهيونية، اغلبية اليهود عارضت هذه الفكرة بشدة والمعارضة في صفـوف شــعوب اوروبـــا كانـت لا تقل عن ذلك قوة وحزما. الاوساط المحافظة طورت لاسامية شديدة، أما الليبرالية المعارضة للاستعمار الكولونيالي فقد أيدت مبدأ حق تقرير المصير الذي يمنح السيادة لمجموعات الاغلبية القومية. وفقا لهذا المبدأ فلسطين تعود للفلسطينيين في نظرهم.
وعد بلفور حرف التاريخ عن مساره وطرح الفكرة الصهيونية الهامشية كخيار واقعي في السياسة العالمية. استمرارية ذلك تجسدت في الاصابة الثانية حيث قامت الجمعية العمومية للامم المتحدة بعد ذلك بثلاثين عاما في تشرين الاول (اكتوبر) 1947 بتأييد اقامة دولة يهودية.
الاصابتان الكبيرتان تمتا علي يد أطراف من الخارج، أي من غير اليهود الغوييم . هذا هو التفسير لشطب هذين الحدثين الكبيرين في تاريخ الكفاح من اجل اقامة الدولة من ذاكرة اسرائيل الايمانية وعدم ذكرهما ضمن الأحداث الرسمية مع اكتمال ستين عاما علي اقامة الدولة.
المؤسسة الاسرائيلية بأجيالها المتعاقبة طورت حكاية تأسيسية مفادها أن العالم كله ضدنا. نحن وحدنا وبأيدينا أقمنا دولتنا. وعد بلفور وقرار الامم المتحدة يُفسدان عليهم حكايتهم، ولذلك قاموا بشطبهما من ذاكرة الأحداث البهيجة في اسرائيل. هذا هو السبب بالضبط الذي جعل النكبة التي هي النقيض الآخر لهذا الحسم، تحظي بمكانة بارزة في الرواية الفلسطينية.
وعد بلفور لم يهدف الي خدمة مصلحة بريطانيا السياسية. علي العكس، هو ألحق بها ضررا كان معروفا سلفا. الرد الصحيح علي سبب صدور وعد بلفور يكمن في التوقع الخلاصي لمجيء البشارة الجديدة. بريطانيا تساعد اليهود الذين جلبوا للعالم أهم الكتب المقدسة، بالعودة الي البلاد المقدسة واقامة مجتمع نموذجي فيها يكون نورا للأغيار. بعد هذا التاريخ بتسعين عاما، أحفاد اولئك الذين خرجوا عن أطوارهم لمنح اليهود دولة، ينظرون الي ما تمخض عن ذلك بخيبة أمل، وربما ما زالت لديهم توقعات وآمال بعد.

ہ رئيس كلية سفير