[CENTER]الغوص في وضع الرئيس مبارك الخاص هذا العام: عملية مصارحة ومكاشفة ضرورية في سنة عصيبة وفاصلة

محمد عبد الحكم دياب
2005/01/29
القدس العربى



1) حالة من الإشفاق الشديد بدأت تسري داخل بعض الأوساط، مرتبطة بالقلق علي مصير الرئيس مبارك ومستقبله، في هذا العام العصيب، فعام 2005 هو عام فاصل في تاريخ مصر، والمتوقع أن ينتهي إما بانتكاسة كبري تصنعها حالة الإصرار من جانب الرئيس علي الاستمرار في الحكم أو توريثه لإبنه. أو يهب الناس هبة، إما تقود إلي الفوضي أو تدفع إلي الثورة، بعد أن زالت المؤثرات وأزيحت المساحيق، وانقشع الغبار تماما عن ممارسات الرئيس مبارك ونواياه، فظهر محدود القدرات وعاجزا تماما عن التعرف علي ما يحيطه به وما يجري حوله، ففي حالة الإصرار علي التجديد أو التوريث، فإن نجاحه في ذلك يزيد الأوضاع تفاقما، ومن غير المستبعد عودة العنف السياسي، والسبب أنه أغلق كل المنافذ والأبواب أمام التغيير السلمي والتداول الديمقراطي للسلطة ، وسواء يدري أو لا يدري فقد أغلق كل منافذ التنفيس والتعبير والتغيير، في بلد في أمس الحاجة إليها، أما في حالة الفوضي أو الثورة، فإن مصر قد تعيش حالة اضطراب من المحتمل أن تطول وهي تتلمس طريقها نحو الاستقرار. وعجز الرئيس مبارك عن قراءة هذه الاحتمالات يضعه في مكان يقع بين الغيبوبة ومحدودية الذكاء الفطري والاجتماعي. فرغم مرور مدة طويلة للغاية، مقدرة بثلاثين عاما، ستة منها قضاها نائبا للرئيس وأربعة وعشرون في منصب الرئيس، تنتهي بهذا الفشل الذريع، معناها إنه إن لم يكن يصلح من الأصل فإن صلاحيته انتهت، وعليه أن يؤثر السلامة ويتخلي عن الحكم.. فالعناد الزائد يفقده ما يملك من ثروة ومكانة، وقد يؤدي إلي الحجر القانوي والسياسي عليه.

2) علينا أن نكاشف الرئيس كي يري صورته وصورة نظامه علي حقيقتها، فقد يتنبه، بعيدا عن تأثير المستفيدين من نظامه، والغارقين حتي أذانهم في مستنقع الفساد والاستبداد والاستكبار، إلي ما هو فيه، فيتخلي عن عناده ويتخلي عن الحياة السياسية بهدوء. تتلخص هذه الصورة في أن الرئيس مبارك، ومعه رجاله وأسرته، يتفاني في خدمة الإدارة الأمريكية والدولة الصهيونية بدرجة تجاوزت كل الحدود، وهذا التفاني يقابله عداء مستحكم للشعب، أقام العلاقة بين المصريين وبينه علي قاعدة الانتقام والتأديب التهذيب، وأدواته الافقار والتجهيل ونشر للأوبئة والبطش، وبدا ذلك وكأنه وسيلته ليكون الأكثر بين الحكام المصريين استثمارا للسياسة في تكوين الثروة، وكلما ازداد رصيده ورصيد أسرته في الغني والمال قل رصيده الشعبي حتي تلاشي، وهذه العلاقة الطردية أنتجتها النظرة العامة للمال الذي يأتي بطريق السلطة واستغلال النفوذ، ينظر إليه علي أنه كسب حرام يوجب المحاسبة والاسترداد، وقد تكون هذه النظرة وراء تشبثه بالحكم ليورثه لإبنه من بعده، تفاديا من مواجهة هذه اللحظة.

3) استمرارا لنهج المكاشفة علينا أن ننقل للرئيس مبارك رأي الخبراء وعلماء النفس وفقهاء السياسة والقانون.. هناك ما يشبه الاجماع بينهم علي أن الرئيس يغطي قصوره وعجزه وضعفه بقوة مزيفة وعبقرية كاذبة. ويعبر عن ذلك بخطاب سياسي متدن يوجهه للناس، و فكر جديد سطحي يسوقه إبنه للشباب، ويفرض وجوده واستمراره في الحكم بسطوة الدولة، والترويع المبالغ فيه عن طريق أجهزة الأمن وبلطجية الحزب الحاكم ومليشيا رجال الأعمال وعصاباتهم، ونتيجة هذا الرأي فإن الرئيس مبارك هو الرئيس الأضعف في تاريخ مصر الحديث، فالاحترام لا يكتسب بعبادة الذات، والمكانة لا تتحقق بادعاء العبقرية، والقوة لا تكون بالترويع، كل هذا في السياسة له منطق ومجاله الحيوي هو المجتمع، وإذا ما قامت العلاقة مع هذا المجال الحيوي علي الإهانة والنزول به إلي الحضيض، يكون من الطبيعي أن تنظر أسرة الرئيس إلي نفسها علي أنها من عجينة خاصة، فتتصرف باستكبار واستعلاء، وتبيح لنفسها ما لا يباح للغير، ومن يسيطر عليه هذا التصور ينتـــهي به الأمر نهاية مأساوية.. لم يتعلم ولم يعتبر.. بدأ وانتهي علي أن السياسة قنص وفرص وتزكية للنفس، وخصومة دائمة مع المعرفة والتضحية وهموم الناس.

4) الرئيس مبارك تدني بالخطاب السياسي بشكل ملفت للنظر، فنجد أن قاموسه وعباراته ليست قاصرة علي عبارة قد يصورها البعض أنها زلة لسان.. إنه يعبر بصدق عن حصيلته من اللغة والمعرفة العامة، فعندما أشار إلي حركات النص كم في حديثه مؤخرا إلي قناة العربية في السابع عشر من هذا الشهر، طعن الغالبية في مشاعرها عبرت عنها يوم تنحي عبد الناصر ورحيله، وعند رحيل عبد المنعم رياض وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ، وكذلك الشيخ زايد وأبو عمار.. إنها اللغة التي يعرفها ولم يكتسب غيرها.. إنه أول رئيس يستخدم لغة المضاربين علي الأراضي والسماسرة عندما استخدم، منذ سنوات، تعبير التصقيع ، أي التجميد، وهي مفردة ينطقها السماسرة مرققة، تحول الصاد إلي سين، ومعناها شراء الأراضي رخيصة وحجبها عن السوق مدة طويلة لتشتعل الأسعار ثم تباع فيجني المضارب أو السمسار مبالغ طائلة، والرئيس مبارك هو الذي لون سنوات حكمه بقوله مرة السنة دي سودة (أي سوداء) والجاية أسود منها ، ولغة جريدة المستقبل الجديد الناطقة بلسان إبنه، وقد أغلقت، استخدمت نفس اللغة المتدنية في الهجوم علي المنتقدين، وعندما هاجمت وسبت كاتب هذه السطور، في حملتها ضد عبد الباري عطوان و القدس العربي وصفته بـ الأبيض أي فارغ العقل، وقد كنا قد نشرنا من سنوات اللغة التي يتعامل بها الرئيس مع طاقم الرئاسة، وهي لغة يعاقب عليها القانون لأنها تدخل تحت باب القذف والسب.

5) لنكن أكثر صراحة ومكاشفة ونقول للرئيس أن هناك ما يشبه الإجماع في الأوساط الشعبية أنك أقل الحكام المصريين، علي مدي التاريخ، قدرة علي كبح جماح أسرتك، سواء كان ذلك في مجال جمع الثروة، أو التصدي لـ شبق ممارسة الاستبداد والتسلط والوراثة، ولا يمكن لأحد أن يلوم شخصا عاديا يعمل لصالح أسرته، لكن اللوم يوجه للشخصية العامة، التي تتسع لتغطي بمسؤوليتها المجتمع بأسره، لكن أن يستغل المجتمع كمجال استثمار غير مشروع لتكوين ثروات أسرة دون باقي الأسر. فهذا سلوك معيب، وتتفاقم المشكلة إذا ما شعرت أسرة الرئيس أنها فوق القانون وقادرة علي اسباغ حمايتها علي من يخدمها ويزيد من ثرواتها واستثماراتها، وهذا مكن وزيرا مقربا من الرئيس من الحصول علي موافقته بردم نهر النيل، لصالح مستثمرين ينوون بناء مجموعة فنادق علي ضفة النهر الخالد.. حماية وضعت الوزير فوق القانون والدستور، فضرب بالأعراف المعمول بها في مجال العمل العام عرض الحائط.

6) المكاشفة والصراحة تقتضيان منا التركيز علي نهج الرئيس مبارك في الترويع والانتقام من البسطاء والفقراء، والتنكيل بالطبقة الوسطي، في ظاهرة غير مسبوقة.. فهؤلاء هم المنتجون الحقيقيون. فما من واحد من هؤلاء يقع تحت قبضة رجاله إلا نال كل صنوف الإذلال والتعذيب، بسادية تجاوزت كل ما قيل وكتب عن العسكري الأسود في عصر إبراهيم عبد الهادي، وجبروت سليم زكي حكمدار قاهرة الأربعينات، وعنف حمزة البسيوني مدير السجن الحربي في الستينات.. عمليات التعذيب السابقة، والتي ندينها، نادرا ما أفضت إلي الموت إلا أن التعذيب في عصره دائما ما يفضي إلي الموت، والمحظوظ هو من يخرج منه معاقا أو مشوها فقط.. هل هي سادية، سيادة الرئيس، يتم التنفيس عنها بهذه الطريقة، إن دعاء هؤلاء وذويهم، وهم كثر عليك ليل نهار أيذيقك هذا طعم النوم؟، ولو قدر لك أن تقع مثلهم تحت طائلة مثل هذا الترويع، ماذا يكون وضعك؟ لقد سجلت سنة 2004 حدوث 56 حالة وفاة تحت التعذيب، في أقسام ومقرات الأمن في القاهرة وحدها، وكم من المئات من المصابين والمعاقين، وإذا كان هذا في القاهرة، فماذا عن النجوع والقري والمناطق النائية، البعيدة عن أجهزة الرصد الحقوقي أو الإعلامي.

7) وبخصوص الوعي المحدود، ولا نقول المفقود بأبجديات السياسة الذي يلف مؤسسة الرئاسة في عصرك، جعلك لا تشعر بما يحيطك، فطواقم النفاق ومواكب المديح تحول بينك وبين معرفة حقيقة وضعك الإقليمي والدولي، صحيح أنك قدمت للإدارة الأمريكية ولشارون ما لم يحلما به، لكنهم يرون أنك استهلكت وأصبحت عبئا، وهذا ما صرحت به، ولم تلمح فقط، صحيفة واشنطن بوست في افتتاحية عددها (19 / 1 / 05)، صرحت بأن استمرارك في الحكم يقوض المشروع الأمريكي لنشر الديمقراطية في المنطقة العربية(!!) - علامات التعجب من عندنا - والإدارة الأمريكية تريد مقابل ما دفعته لك من أموال، قدرتها الصحيفة بخمسين مليار دولار علي مدي السنوات الماضية، معني هذا أن عملية المقايضة التي خففت الضغط الأمريكي عليك تلفظ أنفاسها، فما تطلبه الدولة الصهيونية منك قد تحقق، وجهودك لإقناع الفصائل الفلسطينية بالهدنة، ووقف الانتفاضة، انتقلت إلي أبو مازن، والتعاون المطلق مع المخابرات المركزية في مكافحة الإرهاب باستقرار العلاقة مع الأمن المصري والعمل المشترك، وقبول استجواب المتهمين تحت التعذيب بالوكالة، وتوفير الغطاء القانوني لرجال المخابرات المركزية وحمايتهم من الوقوع تحت طائلة قوانين منع التعذيب التي تحكم عملها.. بجانب أن مبرر المقايضة انتهي بعد أن أضفيت شرعية إقليمية ودولية علي احتلال العراق ورفضت المطالبة بخروج قواته، وعقدت لذلك اجتماعات واستقبلت مبعوثين أمريكيين وأوربيين وأعضاء الحكومة العراقية المؤقتة غير الشرعية ، واستضفت مؤتمر شرم الشيخ، وشاركت في مؤتمر دول الجوار الخاص بالعراق. هذه الشرعية المزيفة ستنتقل إلي الحكومة الجديدة، وبعد أن وقعت اتفاق الكويز، فماذا بقي لم تعطه؟ وفور انتهاء الانتخابات في العراق، بعد أن انتهت الانتخابات الفلسطينية، وعلي الأرجح مع بدايات الربيع سيقلب لك الأمريكيون والصهاينة ظهر المجن، ولن يشيعوك بكلمة وداع. فهذه عادتهم مع من يتفاني في خدمتهم.. هكذا كان مصير الشاه، مات هائما علي وجهه، وهو في النزع الأخير، وهكذا أنطوان لحد، انتهي به الأمر مالكا لحانة وصاحب ملهي في تل أبيب.. هل من الممكن أن تنقذ نفسك، سيادة الرئيس.. إنهم سيضنون عليك بعبارة باي باي، سيادة الرئيس !!!!!


كاتب من مصر يقيم في لندن