لنقاب يتحدي الوزير



صباح أول أمس الخميس وقف وزير الصحة د. حاتم الجبلى وجها لوجه أمام الحقيقة المرعبة.. كان النقاب الذى يغطى وجوه الممرضات يتحدى الوزير ويقفز فى وجهه رغم أنه لم يكن يتفقد المستشفيات التى ضربتها هذه الظاهرة، بل كان يفتتح عددا من الوحدات الصحية الصغيرة فى كفر الشيخ والبحيرة، ومع ذلك اكتشف بنفسه أن نقاب الممرضات توغل وانتشر حتى فى أصغر الأماكن.
ورغم أن الجولة لم تكن مخصصة لدراسة تلك الظاهرة إلا أن القنبلة التي فجرتها «روزاليوسف» الأسبوع الماضى فرضت نفسها، خاصة أن الواقع الذى شاهده الصحفيون المرافقون كان صارخا فسألوا الوزير: لماذا لم يتم اتخاذ إجراءات تجاه الممرضات المخالفات للزى الرسمى؟
د. الجبلى قال إنه لا يوجد قرار وزارى بتحديد زى معين للممرضة، وأنه سيصدر فى فبراير المقبل قرارا بتحديد مواصفات هذا الزى ومن تخالفه يتم نقلها لوظيفة إدارية.. وقال أيضا إن الموضوع شائك ويحتاج إلى تمهل وأن الوزارة ستعقد ندوات توعية للممرضات قبل صدور القرار.
لا بأس فيما قاله الوزير.. لكن المستندات التى تحت يدينا تؤكد أن قرارا وزاريا صدر تحت رقم 140 لسنة 97 من الوزير الأسبق د. إسماعيل سلام بتوحيد زى للأطباء والممرضات.. وقبله صدر القانون رقم 44 لسنة 75 الذى تقضى مادته الأولى بصرف ملابس مجانية مرتين سنويا لشاغلى وظائف التمريض.. وتم تحديد مواصفات هذه الملابس تفصيليا فى قرار وزير الصحة الأسبق د. فؤاد محيى الدين رقم 461 لسنة 75 وهى عدد 2 فستان، 2 بنطلون حريمى، 1 كاب، 1 حذاء بالنسبة للإناث.. بل إن البند الثامن من هذا القرار ينص على: «ترتدى الآنسات والسيدات المحجبات الإيشارب الأبيض بدلا من الكاب بنفس العلامات الدالة على الوظيفة».. ونصت المادة 5 على أنه: «يلتزم كل من تصرف له هذه الملابس بارتدائها أثناء العمل وفى حالة مخالفة ذلك يسأل تأديبيا».
الأمر واضح إذن والقوانين واللوائح موجودة لمن يريد تطبيقها.. وظاهرة الممرضات المنقبات بعد أن كشفتها «روز اليوسف» ليس هناك خلاف على خطورتها بالنسبة للمرضى وتقاليد وأمان مهنة الطب نفسها.. والملف الذى فتحناه لن يستطيع أحد التعتيم عليه فالقضية لم تعد ملكنا وحدنا.. بمجرد صدور العدد الماضى تقدم النائب مصطفى بكرى بطلب إحاطة لوزير الصحة قال فيه : «نشرت مجلة روز اليوسف تحقيقا صحفيا يحمل عنوان «ممرضات يرتدين النقاب بشكل جماعى» ترصد فيه بالمعلومة والصورة وقائع مذهلة عن انتشار النقاب بين الممرضات بمستشفيات محافظات الشرقية وكفر الشيخ وعدد من مدن الدلتا، ومع الاحترام والتقدير لحق المصرية فى الانتقاب، إلا أن انتشار النقاب بين الممرضات من شأنه أن يعوق أداءهن، وفى نفس الوقت يفتح الباب أمام تسلل عناصر من الرجال إلى داخل أقسام النساء، خاصة أنه لا توجد إجراءات أمنية للتعرف على هوية من يرتدين النقاب».
ومن مجلس الشعب إلى البرنامج الجماهيرى «البيت بيتك» حيث كانت حملة «روزاليوسف» موضوعا لحلقة الأحد الماضى من البرنامج الذى استضاف الجراح الكبير وعضو مجمع البحوث الإسلامية ووزير الصحة الأسبق د. إبراهيم بدران، ورئيس تحرير «روزاليوسف» عبدالله كمال، والمتحدث الرسمى لوزارة الصحة د. عبد الرحمن شاهين، ود. هدى زكى وكيل الوزارة لشئون التمريض.. د. بدران كان حاسما حين أكد أن ارتداء الممرضة للنقاب ضد حقوق المريض وأن النقاب نفسه ليس من الدين فى شىء.. وبوضوح قال عبدالله كمال أن هناك أيدي مرتعشة فى وزارة الصحة لا تقدر على اتخاذ القرار.
ورغم أن أهم ما قامت به روزاليوسف الأسبوع الماضى هو أنها أثارت النقاش علي أرضية حق المريض فى الاطمئنان للممرضة التى يستأمنها على حياته، وعلى خلفية واجب وزارة الصحة فى إلزام ممرضاتها بارتداء الزى القانونى للممرضة، وكلها قضايا عقلية منطقية تنطلق من الرغبة فى الحفاظ على حق المريض وعلى روح القانون، على الرغم من هذا الوضوح الكامل سنجد أن البعض حاول أن يجر النقاش لأرضية دينية، وبالرغم من أننا نرى بشكل واضح أن النقاب ليس فريضة، وليس من الدين فى شىء مستندين فى ذلك لآراء كبار علماء الأمة إلا أن نقاشنا لم يكن حول النقاب وهل هو من صحيح الدين أم لا؟ كان نقاشنا حول قواعد مهنة يجب أن تحترم، وحول حقوق مرضى يجب أن تراعى، وحول مسئولية وزارة يجب أن تمارس، وحول ظاهرة البلطجة المعنوية التى تهيىء للبعض أن من حقهم أن يفعلوا ما يريدون مهما كان فيه انتقاص لحقوق الآخرين ماداموا يتسترون خلف ستار الدين والدين منهم برىء.
نحن نواصل حملتنا والمفاجآت التى كشفناها هذا الأسبوع على أرض الواقع أكبر مما يمكن تصوره