عزيزي فانسي والقراء الأفاضل

في الحقيقة ، أدركني الوقت ولم أستطع أن أكتب أكثر من هذه السطور على عجالة ، وأنا اليوم على سفر ، وسأتوقف عن الكتابة في هذه الأثناء .

وفي هذه العجالة لي تعليق على أمرين :
أحدهما : عبارتك "لذا يضعون البخارى في كتب المدلسين" تظهر لمن يقرأ أن مؤلفي هذه الكتب يعتبرونه مدلسًا ، وهذا خلاف الحقيقة ، إذ أن الحافظ ابن حجر أورد اسمه في الكتاب المذكور دفاعًا عنه لينفي هذه التهمة ويثبت أنها باطلة .
والآخر : قولك : "البخارى عند ابن مندة و الذهبي مدلس , صحيح ؟"
أما الحافظ الذهبي فلم يقل إن البخاري مدلس ، وهذا مرود عليك لعدم إدراكك مراد الأئمة رحمهم الله ، وهذا ناتج عن قلة خبرتك في هذا الشأن ، ولا أقصد تنقيصك صديقي العزيز ، ولكن يجب أن تعلم ذلك ، فالذهبي رحمه الله قال إن البخاري "يدلس" عبد الله بن صالح" ، ولم يقل إن البخاري "مدلس" ، وبين العبارتين فرق عظيم عند من يعلم ، ولو أنك فتشت كتب الذهبي في الجرح والتعديل لن تجد أنه قال عن البخاري "مدلس" أو "يدلس" هكذا بإطلاق ، ولكن مخصصة بـ "فلان" ، مثل "يدلس فلان" ، أو "دلس اسم فلان" ..

فما مقصد الذهبي رحمه الله عن عبد الله بن صالح؟

الذهبي يقصد أن البخاري قال حدثنا "عبد الله" بذكر الاسم الأول فقط دون أن يذكر اسم أبيه "صالح " ، وليس في هذا جرح البتة ، ولو أننا اعتبرنا أن كل من يذكر الاسم الأول دون اسم الأب مدلسًا لما سلم بشر من التدليس ، فكم مرة عزيزي نقلتَ أنت أو أنا أو غيرنا (قال أحمد ، قال البخاري وقال فلان ... إلخ ) ، وكم قلتَ وقال غيرك ( قال يوحنا ، وقال بولس ... إلخ ) فهل أنت مدلس لأنك لم تذكر اسم الأب ؟
حسب مراد الذهبي فيُسمى هذا تدليسًا ، أي من نوع حذف اسم الأب أو الكنية ، وهذا ليس جرحًا للراوي عند أهل المصطلح ..
ولكن لو راجعناك وسألنك من تقصد ( بيوحنا أو بولس أو البخاري أو أحمد ) لأخبرتنا ، لأن هناك الكثير ممن يتسمون بـ يوحنا والبخاري وأحمد ، فهذا كل ما قصده الذهبي من هذا النوع .

وغاية ما فعله البخاري أن الحفاظ يحتاجون في هذه الحالة لمزيد من الجهد لمعرفة الراوي ..

وهذا لو تتبعنا الأسانيد لوجدنا الكثير والكثير جدًا فيها ذكر الاسم الأول دون اسم الأب أو تذكر الكنية فقط ، كقولهم حدثنا يونس ، حدثنا شعبة ، حدثنا سفيان ، حدثنا هشام ، وهذه إما يعرفها الحفاظ عن طريق الشهرة ، بأن الراوي إذ قال حدثنا فلان ، فهو فلان ، لكثرة ما يروي عنه ، أو عن طريق تتبع الأسانيد ، فقد يصرح بها في مكان فيذكر اسم الأب أو الكنية أو غيرها ، فيتوصلون لمعرفته ، وغيرها من الطرق ، كأن يصرح الراوي مرة باسم شيخه كاملًا ومرة يكتفي بالاسم الأول ، وهكذا ..
وليس في كل هذا التدليس الذي يقصده الأئمة بالجرح .

أما الحافظ ابن مندة فهذا عنه صحيح ، ولم يوافقه عليه أحد ، وأساسه في ذلك أن البخاري أورد في كتابه الصحيح لفظ "قال فلان" وقال هذا تدليس ، فإن فيه إيهام التحديث ، بينما البخاري لم يقصد بها التحديث ، بل قصد التعليق ، وصنيعه هذا معروف مشهور ، وهذا ما رده عليه جميع أهل العلم .

إلى اللقاء ، ودمتم بخير
العميد