اجتمعت في عبد الناصر عدة صور: صورة المثال الجيدة عن "الواد الطيب" الذي صار ملكاً، وصورة مشوهة عن أمثال سبقوه من نيرون إلى هتلر، وصورة قاصرة لمحاولة التشبه بالأنبياء كمحاولات غاندي ولوثر، وأخيرا نسخة طبق الأصل عن الديكتاتوريات المعاصرة له من العالم الثالث وهم زملاءه الذين عرفوا عالميا على أنهم أصحاب حركة عدم الانحياز. لكن مصر تختلف عن بقية دول زملاء ناصر بشيء واحد: طيبة شعبها، الذين خدعوا بطيبة ناصر. هذا ليس نفياً للطيبة عنه بل تأكيد على أنها بذاتها هي الخطأ. التفوا حوله بعاطفية لا تقل عن عاطفته، أحبوه لدرجة مسامحة أخطائه الفادحة بحق مصر ككيان أمام إسرائيل، وتشبثوا به لسبب ما وجدوه فيه من شبه عدل بعد ما قاسوه من فقر وظلم على أيد رجالات الملوك الباشوات ولصوص الشعب. الأعمال الفنية كلام فارغ والحقائق التاريخية كلام مختلف، بسبب عدم حياد مؤرخينا لا يمكن الوثوق بأي منهم ولا يمكن تفريقهم عمن يكتبون سيناريوهات فنية. الملوك والرؤساء من بعدهم هم شرقيون اعتادوا فهم السلطة بالطريقة الشرقية، والشعوب هي نفسها ما زالت قاصرة عن تفهم فكرة العلاقة الصحيحة بين الحاكم والمحكوم. وأخيراً: بأي شيء يختلف ذلك عن كتابتي هذه وعن كتابة من سبقوني؟
عشنا محللين، وعاشت بلادنا حرة، وعاش شعبنا فهيما.