شهدت فرنسا في الآونة الأخيرة اشتباكات بين سكان الضواحي شمال باريس ورجال الشرطة إثر وفاة مراهقين صدمتهما سيارة شرطة وهما على دراجتهما النارية.

المشهد يتكرر أمامنا، ويعود بنا إلى وفاة مراهقين نهاية عام 2005 وهما يختبئان من الشرطة في أحد محولات الكهرباء، مما أدى إلى انتفاض معظم الضواحي الفرنسية التي تسكنها غالبية من أصول غير فرنسية عربية وأفريقية، واستمرت الصدامات أسابيع أدت إلى تدمير عشرات آلاف السيارات، وحرق وتدمير الكثير من الأبنية والشركات، وإصابة العديد من الطرفين....

ما زلنا نسمع، يتردد هنا وهناك، عن أصول هذا الصدام الثقافية، وعن عدم تأقلم العرب والأفريقيين مع نمط الحياة الفرنسية، الذي يؤدي بدوره إلى هذه الصدامات....
وسواء إن امتدت الصدامات بسبب وفاة الشابين محسن وألارامي إلى خارج المنطقة الباريسية أم لا، فإن الحوار الذي يطرح نفسه حول الطبيعة الثقافية أو الحضارية لهذا الصراع دار مسبقاً، وسيدور مجدداً، مناقشاً الأصول الأجنبية لهؤلاء الفرنسيين، وعدم انخراطهم في التكوينة الفرنسية.

إثر حوار دار حول الموضوع مع أصدقاء فرنسيين، يؤكد من أتى منهم من الضواحي أنه لو كان شاباً صغيراً لثار مع غيره من الشبان، دون أن يعطي سبباً مقنعاً إلا أنها تفاعل بين المراهقين الذين يسكنون في الأحياء الفقيرة والمنسية من الخدمات، ورغبة في التعبير عن القرف من واقع لن يثمر أبداً، ولن يتغير طالما استمرت السياسات الحالية...

أما من يأتي من خارج تلك الضواحي، فيؤكد أن هذه الصدامات غير مجدية، وأنها إضعاف للاقتصاد الفرنسي، وأن هؤلاء الشبان من أصول أجنبية هم أشخاص ناكرو الفضل والمعروف الذي تفضلت بهما عليهم فرنسا بعد استقبالها لهم.....

إذاً، بين الفرنسيين المتأصلين، هناك خلاف في الرأي حول الموضوع وطبيعته، وهناك تطرف واضح في المواقف تعبر عنه المصالح والانتماءات الطبقية، حيث يقيم الكثير من الفرنسيين الفقراء في تلك الأحياء والضواحي، أما الموسرون فيقيمون خارجها...

كما يتعدى الحوار الفرنسيين المتأصلين، حيث يقول الكثيرون من الفرنسيين ذوي الأصول الأجنبية والذين أتوا إلى فرنسا للعمل بضرورة إيقاف هذه الصدامات التي لن تجدي شيئاً، ويدعم الكثيرون الآخرون هذه الصدامات ويؤيدها مستشهداً بالوضع المأساوي في تلك الأحياء والتي قد يكون عانى منها سابقاً....

الوضع المتفجر في الأحياء لم يطرح حديثاً، بل هو موضوع مطروح منذ الثمانينات حيث ترتفع نسبة البطالة فيها لتصل إلى 60 بالمائة في بعضها إن عرفنا أن نسبة البطالة في فرنسا هي 9 بالمائة، وحيث ترتفع نسبة الإجرام أيضاً بسبب البطالة والفقر.

نعود إلى السؤال المطروح في مقدمة الموضوع : هل هذا الصراع حضاري أم طبقي ؟

في حكم الصراع الطبقي، تقسم الطبقات إلى اثنتين : كادحة أو برجوازية. ولكن إلى أي منهما تنتمي طبقة مؤلفة من أغلبية عاطلة عن العمل ؟
وفي الصراع الحضاري، هناك ثقافة مسيطرة تصطدم بأخرى، ولكن إلى أي ثقافة ينتمي فرنسيون متأصلون مع فرنسيين عرب وأفارقة وشرق أوربيين ؟

الجواب على هذا السؤال قد يختلف عليه الكثيرون، كما يختلف الكثيرون على أحقية هذه الصدامات وضرورتها.
وقد يثير الكثير من الأسئلة الأخرى:
إن كان حضارياً فلماذا يتواجد صراع مماثل في الولايات المتحدة حيث أغلبية السود المقيمين في الأحياء الفقيرة مضى على تواجدهم قرون من الزمن؟
وإن طبقياً فلماذا يتواجد صراع مماثل بين المهاجرين الأتراك والكرد وقوات الأمن في ألمانيا ؟
وهات من التساؤلات ما قد يغطي على الصدام نفسه وقصته....

ويبقى الموضوع مفتوحاً للاحتمالات، طالما لم ينته بعد، وطالما أنه معرض للتكرار مرة أخرى وفي أمكنة مختلفة....