عودة إلى الخطيئة



منذ زمن بعيد وأنا أعلن قطيعة مع الكتابة,والتي كانت لي معها علاقة عشق عتيقة,فالكتابة أبدا تثير في الرغبات القديمة والدفينة ,وقصتي مع الكتابة بدأت قبل سنوات عديدة اشعر ألان وكأنها أزمان مديدة ,إذ كتب بعض الخربشات وأطلق الناس عليها شعرا والفت شيئا من الحكايات واذ بالناس يصفونها بالقصص المؤلفات ولملمت بعض الهرطقات وملأت بها الصفحات فشهد الناس وقالوا هذا فكر يعد من الفلسفات هذا ما كان بيني وبين الكتابة ,وفي تلك الأوقات شعرت بزهو وافتخار وتخيلت نفسي كاتبا ثقيل العيار , والناس يشيرون لي بالبنان ,ولكن سرعان ما تبين لي أني كنت مجر واهم إذ كانت خربشاتي مجرد سحابة صيف ولا تتعدى محاولات إنشائية لطالب متوسط في المرحلة الابتدائية ,وقد تبين لي هذا بعد أن أبحرت في المطالعة وغصت في أمهات الكتب فقرأت الروايات الكثيرة , وخضت غمار الكتب الفكرية ,ووسعت مداركي في المؤلفات العربية والأجنبية ,اكتشفت زيف كتاباتي وبؤس حالها وضحالتها وعكفت على نفسي أعاتبها وأقول "خدعوها بقولهم حسناء"ومنذ تلك العهود عاهدت نفسي على النهوض ووعدت نفسي العمل الدءوب على تثقيف الذات فصرت أتناول الوجبات الدسمة من الكتب المختلفة واعتزلت الناس وصرت وحيدا طريدا في صومعة الفكر التهم الصفحات التهاما ولا ابقي وقتا للصحب والخلان وقد كتبت على باب داري جملة مشهورة وهي "مسموح الدخول فقط لكتب الأدب الفلسفة والتاريخ " الرجاء من الآخرين من الجنيين والإنسيين الانتظار وعدم الدخول حتى إشعار أخر"

وعند الأصيل اخرج من داري باحثا عن مكان ظليل اتقي شر الحر والزائرين ذوي الظل الثقيل أتحدث ورفيقي الجليل(كتابي)عن قضايا العصر الجديدة وانساق الفكر وأشكال القصيدة ,فلمن لا يعلم انا تركت البشر لحالهم في حلهم وترحالهم وأهازيجهم الحزينة واجترارهم للتواشيح الطويلة,كتبي ترافقني في صولاتي وجولاتي هي مخلصة وأبدا لا تفضي بأسراري ,وعندما التقط كتابي واهم بقراءته في احد الأماكن العامة أو على قارعة الطريق ينظر إلي الناس وفي عيونهم الريبة ,تحدق الجماهير في بعيون فاحصة متعجبين من ذلك الوصال الحميم والدال على عشق قديم بيني وبين أحدى الروايات او أحدى المعلقات وما شابه من زين المؤلفات ,عندها يتأملني الناس وكأنهم أصيبوا بمس من الجنون ويظنون بي الظنون ويرددون الأقاويل حول علاقتي الحميمة واللصيقة مع كتبي والداعية إلى الشك والنميمة كل هذا وأنا غارق بين ثنايا كتابي لا أعي ما يدور حولي من لغط وصخب وان ألاحق الصفحات بشوق ولهفة حتى أصل إلى النهاية التي توصل إلى البداية,بداية رحلة جديدة برفقة سندباد الفكر والثقافة والأدب الشعر والأغاني الحزينة كأنها نشوة صوفية لا متناهية .

وألان نعود لقصة الكتابة وقد أكدت أنني قطعت صلتي بهذه الغواية بعد أن كان لي معه خطوات عاثرة سقطت فيها سقطتي المشهورة وزلتي المشهودة ولكن رغم هذا كله ففي الليلة الفائتة حدث أمر جلل فقد عدت صاغرا مستجديا إلى تلك الغواية كمن يعود إلى معشوقته بعد قطيعة طويلة ,كيف حدث هذا وما الذي غرر بي من جديد وألقى بي في قلب الخطيئة بعد سنوات من التوبة الأكيدة على هذا لا املك إجابة وطيدة ولا أقوى على رد المكيدة في تلك الليلة المقمرة السعيدة والتي شهدت مخاض هذه الكلمات الوليدة .