لو أنّ القاعدة استطاعت أن تضمّ لصفوفها شخصاً حلو اللسان كالعلماني .. لربّما فجّرنا أنفسنا جميعاً في عقر دار "نيوترال" و"ابراهيم" ..

:10:


فعلاً .. لا علاقة للتدخين باحترام الذات أو مقتها .. بل إنّ المدخّن غالباً ما "يدلّل" ذاته أكثر من غيره .. ويبتكر لسيجارته طقوساً و"بروتوكولات" فيها في كثير من الأحيان ما يميّز الشخصيّة .. ويعزّز غموضها و"مزاجيّتها" والفضول من حولها .. فالسيجارة ترمز بكل معنى الكلمة إلى الاستقلال من الرعاية الأبويّة والتبعيّة للآخر .. بل إلى "تتبيع" الآخر لك .. كما ترمز إلى الانتصاب والرجولة والسيطرة والتدمير (انظر لنفسك كيف ترمي عقب السيجارة بكثير من الأحيان بتشفّ واضح:).. وتتجنب التدخين أمام والدك وإن عبر بك الزمان) ..

ومن هنا نستطيع أن نجد (في الأفلام مثلاً) كيف أنّ نفخ "السيجار" الثخين والطويل صورة دائمة لرجل الأعمال المسيطر الغني الذي يجلس وراء مكتبه ويمتلك قدرات غامضة وغير متوقّعه تبعث على الفضول والرعب .. ونفث السيجارة العادية هي صفة مميزة للكاتب و المفكّر والمثقّف كثير "السرحان" والتفكير ويضمر دوماً ما هو مثير للاستكشاف .. (السيجارة تزيد الغموض وترمز للقوة النفسية أو المادية في هذه المشاهد)


كثير من الناس "وربّما العلماني منهم كما استشفّيت" يغرقون فعلاً في ابتكار الطقوس لسيجارتهم .. ولكأنّهم يصلّون لها كلّ يوم ويمارسون جنساً مقدّساً بـ"أتيكيت" مرسوم مسبقاً ونشوة مرجوّة ومنتظرة .. فترى منهم من يتفنّن في خلق جوّ معيّن لقهوة الصباح وقهوة المساء .. ومنهم من يأبى إلا وأن يلفّ سيجارته بأصابعه ويقوّمها بلعابه .. ثم يضعها في علبه مزركشة ويشتري لها "قدّاحة" zippo تليق بمقامها .. ومن هنا نرى أنّ السيجارة لم تعد مجرّد نيكوتين وقطران .. بل هو طقس ذكري بكينونته التدميرية .. أنثوي بسكونيّته ورتابته و"أتيكيته" .. وبكل ما يحيطه من زركشة وتهيئة وتعبئة لفجاجة الطقس الأصليّة بعناصر منكّهة أنثوية ..
هو بكل بساطة تفريغ رمزي لعناصر مكبوته .. ورسم لمعالم الشخصيّة بطقوس عملية ومميّزة بخصوصيّتها ومزاجيّتها ..

الأمر شبيه بصلاة المؤمن .. فالصلاه ليست بإيمان لحظي "أو إظهار لإيمان لحظي" بل هي عنصر لا زماني نعبّر عنه بحركات زمانيّة .. وطقس التدخين هو بالمقابل طقس زماني .. نعكس فيه رموزاً لا زمانيّة .. وعناصر نفسيّة شبقيّة وأنويّة في إظهارها متعة للبعض ..
ومن هنا لا أظن أنّ التمسّك بالتدخين هو تمسّك بمتعة لحظية (فقط).. بل كما يقولون لك "التدخين عادة" .. وما يمنعك عن ترك التدخين هو إدمانك على "العادة"كما هو الإدمان على الأثر الفزيولوجي لهذه العادة .. وإدمانك على الحالة النفسية التي يرسمها لك الطقس ويظهرك بها أمام نفسك والآخرين .. كما هو إدمانك على النيكوتين ..




خوليو