نبذة عن الكتاب :
قام " داروين" فى كتابه بعنوان " نشأة الإنسان " الانتقاء المتعلق بالجنس فى عام 1781 بإرسال نظريته الخاصة بالانتقاء الجنسى مناديا بأن الكائنات البشرية قد تم استنباطها عن حيوانات رئيسية عليا. وبعد مرور عام ، تم نشر كتاب " التعبير عن الانفعالات فى الإنسان والحيوانات " ثم تلى ذلك تأثيرات التهجين والتلقيح الذاتى الخاصة بالفطر النباتى.
للتحميل 3 اجزاء في ملف واحد
http://www.2shared.com/file/2553857/dbefaf7d/darwn.html?
رابط اخر للتحميل
الجزء الاول
http://www.4shared.com/file/30727797/6f8ee...rified=3bef13d5
الجزء الثاني
http://www.4shared.com/file/30728751/723b1...rified=3bef13d5
الجزء الثالث
http://www.4shared.com/file/30729423/698e3...rified=3bef13d5
منقول من اخونا العزيز البطل الثائر بشكرجزيل
الداروينية
عودة حديثة إلى نظرية داروِن حول
«أصل الأنواع»
نسيب نمر
يوم الأربعاء الواقع في 16 تشرين الثاني من العام 1994 قرأت عن وكالة رويترز نبأً عن مؤتمر دولي حول الـDNA في خلايا الإنسان وحول قدرة القردة – ولاسيما الشمبنزي والغوريلا – على السلوكية والنشاط المقاربين لنشاط الإنسان، بفضل مكوِّنات هذه المادة وتأثيرها في البشر والقردة. ومما أوردتْه الوكالة عن الباحث سايمون إيستيل الذي شرح نظريته في هذا المؤتمر – وهو أستاذ في جامعة أوستراليا الوطنية – قوله: «خلافًا للاعتقاد بأن الإنسان نشأ وتطوَّر من سلالة الشمبنزي، يرى [إيستيل] في دراسته التي شملت عشر سلالات ثديية أن الإنسان والشمبنزي على السواء تطورا من نوع واحد.» وأضاف: «المفهوم السائد هو أن الإنسان انحدر أصلاً من القردة. وما نفترضه الآن هو أن الشمبنزي والإنسان تطورا من سلالة واحدة هي نصف إنسان ونصف قرد.»
فإذا صحَّ ما نُقِلَ عن العالم الباحث إيستيل عبر وكالة أنباء إعلامية، غير علمية ولا متخصِّصة، نكون أمام تأكيد لنظرية أكَّدها العلماء والباحثون منذ حوالى قرن كامل، وأثبتها علماء وباحثون عرب قبل ثلاثة أرباع القرن تقريبًا. وتاليًا، فلسنا أمام اكتشاف جديد أو برهنة معاصرة على صحة نظرية تشارلز داروِن في النشوء والارتقاء.
تشارلز داروِن (1809-1882)
فقد ورد في الدراسة الجديدة: «خلافًا للاعتقاد بأن الإنسان نشأ وتطور من سلالة الشمبنزي [...]». والواقع أن هذا الاعتقاد يعود إلى ما بعد منتصف القرن التاسع عشر بقليل، حيث فهم أعداء المذهب الداروِني ومؤيِّدوه، على حدٍّ سواء، أن الإنسان نشأ وتطوَّر من القردة العليا، ولاسيما الشمبنزي والغوريلا، بينما انفرد باحثون قلائل يؤكدون أن مذهب داروِن يقول بنشوء الإنسان والقردة من سلالة واحدة منقرضة لم تُكتشَف بعد، وليس بنشوء الإنسان من القردة. ومن ذلك، مثلاً، ما جاء في بعض بحوث الداروِنيين العرب القلائل، بدءًا بشبلي الشميِّل (1860-1917) وحنا نمر (1900-1964)، وانتهاءً بإسماعيل مظهر، مترجم مؤلَّف داروِن أصل الأنواع إلى العربية، ود. محمد يوسف حسن، مترجم الفصلين الرابع عشر والخامس عشر منه بعد وفاة إسماعيل مظهر، إلى سلامة موسى والشاعر جميل صدقي الزهاوي، وغيرهم ممَّن كتبوا بحوثًا عدة في تأييد المذهب. وكانت مجلة المقتطف، لصاحبيها فارس نمر ويعقوب صروف، ومجلة الشمس، لصاحبها إسبر الغريب، أبرز الصحف التي فتحت أبوابها لمؤيِّدي مذهب داروِن ومناصريه في العالم العربي.
وفي تموز من العام 1925 جرت في الولايات المتحدة (ولاية تينسي) محاكمة أحد مؤيِّدي الداروِنية، الأستاذ مسكوبس؛ وجريمته أنه لم يدرِّس طلابه بصحة الإصحاح الأول من سفر التكوين عن الخلق.[1] وكان لها صدى عالمي واسع، وانقسم الناس بين مؤيِّد ومعارض. إلا أن أكثرية العلماء الساحقة عارضوا المحاكمة وأيَّدوا مذهب النشوء والارتقاء، وكذلك أكثرية المثقفين في العالم، حيث رأوا أن المحاكمة تمسُّ حرية الفكر ومسيرة العلم، خدمةً لأهداف سياسية ضيقة تتعلق بانتخابات الرئاسة!
ولمناسبة هذه المحاكمة، وضع حنا نمر[2] مؤلَّفه بعنوان الداروينية، متخذًا منها وسيلة للبحث في مذهب داروِن وتأييده. وفيه أثبت أن الإنسان لم ينحدر من القرد، بل كلاهما انحدر من أصل واحد. كما بحث الانتخاب الطبيعي والانتخاب الصناعي. ومما جاء فيه حرفيًّا حول نشوء الإنسان وتحدُّره وتطوره، ردًّا على رئيس أساقفة برمنغهام في بريطانيا الذي أعلن أن «الإنسان نشأ من أصل شبيه بالقرد»، ما يلي:
هذا الرأي خطأ. ولا غرو في ذلك؛ فصاحبه [د. بارنز] رئيس أساقفة، لا عالم دارويني. والإنسان في مذهب داروين لم ينشأ من القرد، ولا من أصل شبيه بالقرد، كما أن القرد لم ينشأ من الإنسان، ولا من أصل شبيه بالإنسان؛ بل نشأ كلاهما من حيوان بعيد عن القرد بُعده عن الإنسان.[3]
وهذا بالضبط ما قاله إيستيل في المؤتمر الدولي في أوستراليا، مما ينفي وجود اعتقاد علمي سائد في الوقت الحاضر بأن الإنسان نشأ وتطور من سلالة القردة – إلا عند البعض ممَّن يحاربون الداروِنية، أو ممَّن لم يفهموها بعد، أو يصرون على عدم فهمها لغايةٍ في نفس يعقوب. يقول حنا نمر متابعًا:
ولنفرض أن وطن هذا النوع [الحيوان الذي هو جدُّ الإنسان والقرد، ومنه انحدرا كلاهما] – ولنسمِّه القرسان، على طريقة النحت من القرد والإنسان – كان في أوروبا، فقد تطور جدُّ القرود في سيره إلى أميركا مثلاً، وتطور جدُّ الإنسان في سيره إلى الصين، حتى بَعُدَ ما بينهما والمنشأ واحد. وكما أن أميركا والصين لا تنتقلان إلى أوروبا، ولا تنتقل إحداهما إلى مكان الأخرى، كذلك لا يتحول القرد إنسانًا، ولا يصير الإنسان قردًا، ولا يعود أحدهما ليرجع قرسانًا.[4]
أما إيستيل فيقول، بعد حوالى نصف قرن، ما يلي: «المفهوم السائد [كذا!] هو أن الإنسان انحدر أصلاً من القردة. وما نفترضه الآن هو أن الشمبنزي والإنسان تطورا من سلالة واحدة هي نصف إنسان ونصف قرد.»[5] وهذا يدل أيضًا على أن انحدار الإنسان من القردة ليس مفهومًا «سائدًا» الآن، وإن كان البعض من خصوم المذهب الداروِني وجاهليه يعتقدون بذلك. وواضح من عبارة «القرد–الإنسان»، أو «القرسان» عند حنا نمر، حوالى العام 1930، أن كلتا العبارتين دحضٌ للرأي السائد سابقًا، عند أعداء الداروِنية وجاهليها، بأن الإنسان تحدَّر من القرد، أو أن أصل الإنسان نوع من القردة المعروفة في الوقت الحاضر.
ومما جاء في «التقديم» لمؤلَّف حنا نمر، بعد لمحة تاريخية حول بحوث العلماء في أصل الأنواع حتى استقرَّ واعتُرِفَ به، حسب نظرية داروِن المنشورة في كتابه في العام 1859، ما يلي:
إلى جانب إساءة الفهم [للمذهب الداروِني]، بدأت معارضته وتأييده على نطاق عالمي واسع، وأثار عاصفة علمية لم تستكن، وربما لن تستكين إلى وقت طويل. غير أن صحته العلمية ثبتت في النهاية. فإذا معارضوه يتساقطون الواحد تلو الآخر، حتى لم يبقَ منهم سوى بعض المتعصبين، المتمسِّكين بالأسطورة والخرافة والميثولوجيا في حكايات الخلق وقصصه ونشوء الأنواع وتطورها – والإنسان من بينها، بل أبرزها على الإطلاق. وقد كانت الثغرة الخطيرة في حجج المدافعين وبراهينهم قولهم إن القرد هو الذي تحول إلى إنسان، حتى وقع فلاسفة كبار ومفكرون عظام في هذا الخطأ العميق. نذكر للمثال فريدريك إنجلس الذي وضع دراسة بعنوان «دور العمل في تحول القرد إلى إنسان». فهو، رغم صواب كلِّ ما قال به في هذه الدراسة والدقة العلمية التي امتازت بها آراؤه، أخطأ في صياغة العنوان على هذا الشكل، لأن القرد لا يتحول، ولن يتحول إلى إنسان؛ وإنما نظرية النشوء تقول إنهما – القرد والإنسان – من نوع واحد يسميه حنا نمر «القرسان»، من كلمتي القرد والإنسان. وقد انقسم إلى أنواع، أبرزها اثنان، تطور كلٌّ منهما في طريق، وسار في سبيل مختلف عن سبيل الآخر. وكان من أثر لهذا الفهم الخاطئ أن كثيرين ما يزالون إلى اليوم – ولاسيما في بعض الكتب المدرسية والأكاديمية – يعتقدون بإمكانية تحول القرد إلى إنسان إذا توافرت له الشروط الملائمة ذاتها أو المتقاربة للتطور والارتقاء، ناسين أن التاريخ لا يكرِّر نفسه إلا شكلاً، وأن الإنسان، فوق ذلك وعلى فرض إمكانية ذلك، لا يمكنه أن يسمح لنوع آخر بمشاركته السيادة على الطبيعة بعدما تمَّتْ له – هذا إذا افترضنا، جدلاً، إمكانية تكرار عملية النشوء نفسها، كما قلنا؛ فضلاً عن أن الأنواع الكثيرة التي نراها في الحيوان والنبات كانت من منشأ واحد؛ وقد تعددت وتنوعت واختلفت كمًّا وكيفًا، عبر عملية تطور طويلة جدًّا وقصة نشوء قاسية امتدت عشرات وعشرات الملايين من السنين.[6]
وهذا، في رأيي، يدحض ما قاله العالم رامبواه، من جامعة جورجيا الأمريكية، من أن «الصفات والمهارات التي يتمتع بها القرد جديرة، على الأقل من الناحية المعنوية، بأن يعامَل معاملة الأطفال المتخلفين عقليًّا.»[7] ورأيه هذا يصحُّ على كلِّ كائن عضوي بمقدار، على أساس معاملة الحيوانات بلطف وعدالة. لكن الثغرة الأساسية في هذا الرأي للعالم رامبواه أنه يعتبر القرد إنسانًا، إلا أنه متخلف عقليًّا. فكيف تحول القرد إنسانًا، ولو كان متخلفًا عقليًّا؟! وهل للقردة، حتى المتطور منها، مجتمع، ولغة، وتفكير عقلي مجرَّد، ومفاهيم عقلية، وقدرة على تحويل الأشياء لذاتها، بدلاً من استخدامها جاهزةً لبقاء نوعها، شأنها شأن الكائنات العضوية الأخرى المالكة فقط للتفكير الحسِّي أو الغريزي أو المنعكَسات اللاشرطية، فضلاً عن الميزات الأخرى التي يمتلكها الإنسان، حتى المتخلف عقليًّا أو الطفل بعد اجتيازه حدود السنتين أو الثلاث؟ وهل غابت عن رامبواه المقولة الذاهبة إلى أن أذكى قرد هو أكثر بلاهةً من أكثر إنسان بلاهةً وتخلفًا؟ وإلى ذلك، هل يسمح الإنسان لأيِّ كائن عضوي آخر بمشاطرته السيادة على الطبيعة، إذا افترضنا أن الشروط الواقعية لذلك قد توافرت – وفي الواقع ليس متوافرًا منها شرطٌ واحد؟
وإنه لمن الضروري أن نلمَّ قليلاً بأصل الأنواع قبل أن يبدأ تشارلز داروِن في وضع أسُسه التي إن لم تكن نهائية، فهي شبه نهائية، باتفاق جميع العلماء في القرنين التاسع عشر والعشرين. فقد أصدر لامارك كتابه فلسفة الحيوان سنة 1809، وكتابه الآخر تاريخ الفقاريات الطبيعي، معلنًا فيهما مبدأه في أن الأنواع – ومنها الإنسان – نشأت من أنواع أخرى. وتلاه علماء كثيرون في الاتجاه نفسه، بينهم سانت هيلير، وكيسِّرلنغ، وويلز، ولايل، وهربرت، وهولديمان، وغرانت، وتشيمبرز، وماثيو، وإسبرنغل، وبوخ، ونوديه، ودالوي، ورافينيسك وأوين، ووولاس، وهوكر، وتيميريازيف، وشافهاوزن، وباير، وغيرهم من العلماء الذين سبقوا داروِن أو عاصروه. ولا ننسى جدَّه الطبيب إراسموس داروِن، الذي يُعتبَر من مؤيِّدي بوفون في آرائه.
وعندما ظهر كتاب أصل الأنواع لداروِن في العام 1859، تأكد المذهب نهائيًّا، وثبت وأُقِرَّ وبَطُلَ كونه فرضيةَ نظريةٍ، آخذًا صفة القانون الطبيعي الثابت والمعترَف به علميًّا وفلسفيًّا. وكانت أبرز حقيقة في ذلك أن الإنسان مركَّب، مثلما هي الحيوانات ذوات الثدي. فالعظام والعضلات والأعصاب والأوعية الدموية والأمعاء والدماغ لها مثيلاتها في القرد أو السعدان أو النسناس أو الخفاش وسواها. وقد أعلن مؤيِّدو المذهب، مثل العالم التشريحي هكسلي وغيره، تشابُه دماغ الإنسان ودماغ الحيوانات العليا المتطورة؛ وكذلك منكرو المذهب، مثل بيشوف وسواه، حيث قالوا إن كلَّ شقٍّ وكلَّ ثنية من دماغ الإنسان موجودة في دماغ القردة المسماة الأرطان [الأورانغ أوطان؟]؛ وهي تقريبًا ما يسميها أبو العلاء المعري بالنسناس[8] حينًا والقرد أحيانًا؛ فشبَّه بها الإنسان شكلاً وسلوكيةً. ويسمَّى الواحد منها «إنسان الغاب» أيضًا. ومما قاله هكسلي إنه
في مدارج متأخرة من تطور جنين الإنسان تظهر الانحرافات المميِّزة له من جنين القرد، في حين أن جنين القرد ينحرف عن جنين الكلب في تخلُّفه بمقدار ما ينحرف الجنين الإنساني عن الجنين القردي. ورغم ما في هذه الحقائق من الروعة العظيمة، فهي حقائق ثابتة تؤكدها المشاهدة.
ويزيد العلامة هكسلي متسائلاً: «هل يتولَّد الإنسان بطريقة تختلف عن طريقة تولُّد الكلاب والطيور والضفادع والأسماك وغيرها من ذوات الفقار؟» ثم يؤكد أن أسلوب التولُّد البشري، ولاسيما في مراحله الجنينية الأولى، مماثل تمامًا لأسلوب التولُّد الجنيني عند الحيوانات الأخرى التي هي أدنى منه على سلَّم التطور والارتقاء، وأن الإنسان أقرب إلى القردة من قُرب القردة إلى الكلاب: فالشقَّة بين القردة والكلاب تتسع، وهي بين القردة والإنسان تضيق. أما العالم بيشوف – وهو معارض لمذهب داروِن – فيقول: «إن تلافيف الدماغ في جنين البشر في الشهر السابع يكون، من حيث النماء والتكوين، مماثلاً لدماغ القردة المعروفة بالجيبون عند بلوغها.»
وفي العام 1813 وضع ويلز بعض الآراء مما سمَّاه داروِن بـ«الانتخاب الطبيعي»؛ وكذلك فعل ماثيو في العام 1831؛ وهو ما لم يفعله بوفون ولامارك وإراسموس داروِن. وقد تأثر تشارلز داروِن بما وضعاه من آراء حول الانتخاب الطبيعي؛ إلا أن نظرياتهما ظلت مجهولة تقريبًا عند علماء التاريخ الطبيعي، حتى جاء كتاب أصل الأنواع لتشارلز داروِن في العام 1859، فعُرِفت نظرية النشوء والارتقاء على نطاق واسع، وثارت ثائرة ذوي المذاهب القديمة الموروثة من الأسلاف، ونهضوا يحاربون النظرية بلا هوادة وبجميع الوسائل. وحينما نشر مؤلَّفه تحدُّر الإنسان في العام 1871 عملوا على نقضه عن أيِّ طريق، ولكن دون جدوى أو نجاح. وكان العالم وولاس قد توصَّل إلى النظرية قبل نشر داروِن كتابه بسنة واحدة، أي في العام 1858؛ إلا أنها نُسِبت إلى داروِن واقترنت باسمه لأنه أعلن مرتكزاتها الأساسية في خلاصة له كتبها في العام 1842، وقدَّم خلاصة عنها إلى بعض المؤسَّسات العلمية المتخصِّصة.
هذه النظرية التي شارك في وضعها الكثيرون من العلماء – وآخرهم وولاس وداروِن – هي ما يؤكدها اليوم العلماء المعاصرون، كما أكدها الداروِنيون العرب القلائل منذ حوالى قرن كامل – وفي طليعة هؤلاء شبلي الشميِّل وحنا نمر وغيرهما. وهي نظرية لم يستطع الكثيرون التفريق بين ما أكَّدتْه من أن أصل الإنسان والقرد واحد وبين ما يعتقد به البعض، لسبب أو آخر، من أن الإنسان متحدِّر من القرد أو من كائن عضوي يشبه القردة. ولعل السبب الأول في إساءة الفهم يعود إلى صعوبة المذهب وتعقيداته. وقد كتب داروِن في العام 1861 إلى أحد مراسليه الكثيرين ما يلي: «إنك تفهم كتابي! هذا أمر قلما وجدته عند الذين ينتقدونني.» وقال هكسلي في العام 1888: «إن كتاب أصل الأنواع من أصعب الكتب استيعابًا»، مبرِّرًا قوله بأنه مضت على صدوره ثلاثون سنة تتداوله الأيدي، وما يزال رجالٌ من أعظم مفكِّري هذا الوقت بعيدين عن تفهُّم حقيقة المذهب والنظرية. وقد رأينا العالم هوكر يعلن صراحةً أنه أصعب المؤلَّفات قراءةً، إذا شاء الإنسان الإفادة منه إفادة كاملة وتامة.
هذا في الغرب – فكيف الحال في الشرق، والمهتمون به قلائل، والداروِنية لا تُدرَّس حتى الآن في الجامعات العربية؟! ولولا عدد قليل جدًّا، لا يتجاوزون أصابع الكفِّ الواحدة من النهضويين عندنا، لظلَّ المذهب مجهولاً تمامًا، ولكنَّا جميعًا نعتقد اعتقادًا خاطئًا بأن الإنسان متحدِّر من القردة[9] – وهو ما لم يقل به لا صاحبه تشارلز داروِن ولا الذين يؤيِّدونه، من قريب أو بعيد؛ ذلك أن جوهر المذهب ينهض على أن الإنسان والقرد المتطور تحدَّرا من نوع منقرض يجدُّ الباحثون في كشفه والعثور عليه – والمرجَّح أنهم سيفشلون – مع التأكيد مجددًا أن القرد لا يتحول إنسانًا، ولن يتحول، كما أن الإنسان لا يعود قرسانًا، ولن يعود، وسيظل القرد–الإنسان، أو "القرسان"، المنقرض، الذي لن يعود أيضًا، هو القاسم المشترك بين القردة والبشر، وهو جدُّهم وأصلهم على السواء.
*** *** ***
تنضيد: هفال يوسف
[1] راجع مجلة المقتطف، عدد تشرين الأول 1925، ص 365.
[2] بدأ بوضعه أوائل الثلاثينات، وصدر في العام 1982 عن «المؤسَّسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع». كما أن له بحوثًا حول مذهب النشوء والارتقاء في مجلة الشمس وجريدة التلغراف وغيرهما بين عامي 1928 و1949.
[3] حنا نمر، الداروينية، ص36-37، الهامش وصفحات أخرى.
[4] المصدر السابق، الصفحة نفسها.
[5] رويترز، 16 تشرين الثاني 1994.
[6] حنا نمر، الداروينية، «التقديم» بقلم نسيب نمر، ص 16-17.
[7] نقلت النبأ بعض أجهزة الإعلام من نيويورك وقالت إن رامبواه ضمَّن وجهة نظره مؤلَّفًا له، عنوانه القرد على حافة العقل الإنساني، نُشِرَ أواسط تشرين الثاني 1994، دون أن تذكر تاريخ صدور الكتاب الذي يبدو أنه صدر في العام نفسه.
[8] النَّسْناس لغةً (بفتح النون المشددة وتسكين السين) دابَّة وهمية يزعمون أنها على شكل إنسان؛ وعند العامة نوع من القردة. وقد استعمل أبو العلاء المعري المفردة في بعض أشعاره حينًا، واستعمل مفردة القردة حينًا آخر، وقصده واحد: هو الحديث عن التشابه بين الإنسان والقرد والتماثل في شمائلهما وأخلاقهما وسلوكيَّتهما.
[9] يتحدث حنا نمر عن صعوبة الداروِنية وعدم فهم المذهب على حقيقته فيقول: «مذهب النشوء والتطور والارتقاء بحر خضم، واسعة أنحاؤه، مديدة أرجاؤه، منبسطة سواحله وشطآنه؛ وما هذا الجزء إلا موجة من بحره المديد الواسع، وحبة رمل من شاطئه المنبسط المتسع. [...] وتركنا التفصيلات العلمية الدقيقة إلى جزء آخر. [...] ولا شك في أن للنشوء خصومًا وأنصارًا، ولا شك في أن بين هؤلاء وأولئك مَن لم يدرس علم النشوء. ولن يكون الإيمان ثابتًا إلا إذا أسِّس على الفهم [...].» (ص 7 و8)