كنتُ في الرابعة عشرة حين أهدتني صديقتي ’’الغائبة‘‘ أغنية ("أعطني الناي وغنّـي") ، يومها شعرتُ أن الكون يتموسق بلحن عبقري. كانت ليلة قائظة يكنس فيها أزيز المكيّف هدأة المكان، وكان قلبي يخفق، وشعرتُ لحظتها أنني عشت عمري محروماً.

... ومات "رأفت" قبل أسبوع ، كان يصر عليّ أن أشرب من "زعمطه" الأبيض، وهو يشرح لي كيف كان يُهلك سجّانيه بأغاني فيروز ليل نهار.
أشار لي على نقطة في وسط خريطة موطنه: هنـا "الجفر" ، وسط الصحراء ، وأراني ثلاثة أضراس مكسّرة في فكه العلوي.
ثم تناول عوده وجعل يرقّـّق ريشته على أوتار "البطيخة" - كما كنت أصف عوده ممازحا - وصار يدندن ، ويدندن ، ويدندن:
"..دخلك يا طير الوروار
رحْ لك من صوبهن مشوار ،
و سلم لي ع الحبايب ، و خبّـرني بحالهن شو صار
ع تلال الشمس المنسيي ، على ورق الدلب الأصفر
إنطرونا هنا شويي ، شويي ، و تصير الدنيي تزغر"

.. ("فيروز هي الجنّة") ، قطع غناءه وقال ذلك : "(والأخلاق والشرف هنا ، لا في مكان آخر") : قالها وسببّابته إستقرت عند صدغي ، كرّر ذلك وهو ينظر في عينيّ مباشرة: لا تصدّق وعودهم : لا بالجنان ولا باللبن. صدّق فيروز وهي تعلن نعماء الإنسان على الأرض:
"..شجر أراضيك! سواعد أهلي شجـّروا!
و حجار حفافيك!
وجوه جدودي ال عمروا!
و عاشوا فيك ..
من مِيـت سني ، من ألف سني ، من أول الدنيي"

ورحل عنّي رأفت إلى الارض التي يحبّها ، وبقيت لي أمنية ، من أماني كثيرة بعضها رافق رأفت إلى رمسه في مقبرة "حوّارة" ، ومنها بقيت واحدة: حضور حفلة فيروزية يجمعنا والصوت الأسطوري حيّز المكان ، ونتنشّق فيه ذات الهواء، قبل أن أموت.

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	أعتذر من قطقط لأني لم أفهم رسالته الا متأخرة ...ولكن ,,,	نسمه عطرة	3	1,115	02-27-2009, 11:58 AM آخر رد: نسمه عطرة
	أغاني الزمن الجميل التي أحبها	إبراهيم	3	1,280	02-15-2009, 10:04 AM آخر رد: عاصي
	لأني ممكن أني أنقتل من ورا هل شي	Free Man	19	2,867	01-15-2008, 02:50 PM آخر رد: Free Man
	أحبها حد الموت	ابن سوريا	4	997	09-08-2006, 05:22 PM آخر رد: زيوس
	لأني اليوم مزاجي عال العال : إنصطلوا معي	maryam	28	4,166	07-09-2006, 06:08 PM آخر رد: bassel