هناك شعوب كثيرة لها قضايا عادلة في العالم، ليس فلسطين وحدها.. لماذا سأشعر بالتقصير (كعربية) نحو فلسطين ولا أشعر بها نحو بلد أفريقي أو آسيوي ما لسكانه لسان مختلف ولون بشرة مختلف وثقافة مختلفة، إن مريض السرطان وحده هو من يستطيع أن يفهم شعور مريض آخر بالسرطان، المجتمعات العربية لها نفس المشاكل الاجتماعية تقريبا، أفراد مجتمعاتها لهم نفس العقلية تقريبا ، حتى محطات التلفزيون ووسائل الإعلام التي تتابع في العالم العربي تكاد تكون نفسها، حين طرح أحد الزملاء موضوعا عن مسلسل باب الحارة الذي عرض في رمضان كان يتكلم عن جمهور مشاهدين من دول عربية مختلفة لهم خلفية أديلوجية ونفسية متشابهة تجعلهم ينشدون لهذا النوع من العروض.. التعاون الاقتصادي المتدني بين الدول العربية لا ينفي وحدة الشعوب، بل العكس العقلية التي تتكلم أنت بها هي التي تحاول نسف ما تبقى من مثل هذه الوحدة التي لا أقول أنها كاملة أو مثالية لكن لا يمكن أن أقول أنها قد تضر أكثر مما تنفع ولا يصح أن نحافظ على ما بقي منها.. إذا كان الاسرائيليون لا يخشونها فلأنهم يعرفون أنها تضعف باستمرار وليس أنهم لن يخشوها لو أنها تقوى باستمرار فهي كارثة لو أن المواطن العربي لم يهتم لو أنه اشترى سلعة ما مكتوب عليها "مصنوع في اسرائيل" مثلا.. المواطن العربي حين يرى نجمة داود يشعر أنها عقرب يريد أن يفر منه ولا يلمسه وهذا لن يشعر به مواطن غير عربي في بلد قصي من العالم حتى لو كان قارئا ومطلعا بما يحدث في فلسطين ومتعاطفا مع القضية الفلسطينية وقد تجده يتعاطف انسانيا مع آلام الفلسطينيين والقتل والدمار الذي يتعرضون له في الممتلكات والأرواح ولكنه يعترف بحق اسرائيل في الوجود وأنها بلد ديموقراطي ولا يجادل في حدوث المحرقة"الهولوكوست" بل لا يدين اعتقال الكتاب الذين شككوا في حدوثها أو حتى في أرقام الضحايا وحاولوا مجرد مراجعة التاريخ مراجعة علمية..
القضية العادلة لشعب فلسطين هي أحد أسباب التعاطف كما أن البوسنة مثلا لقت – كما يقال – تعاطفا أكثر بحكم كون شعبها من الجنس الأبيض ويقع في أوروبا ويتكلم لغة أوروبية، ولكن أقل بحكم ديانة شعبها بالاسلام.
البروباغندا والإعلام الصهيوني حاولا جعل إسرائيل تبدو البلد الديموقراطي الوحيد في المنطقة وواحة الديموقراطية في الشرق الأوسط وأن هذه الديموقرطية لها طابع غربي (مواطنونا بشر راقين متحضرين ومثقفين وليسوا قطعانا جاهلة لا قيمة لها)، هناك سياسيون أمريكان يتباهون بأن لهم أصول يهودية وثقافة معاد للسامية التي انتشرت في الغرب جعلت الغربيون يقبلون اليهود كمواطنين درجة أولى بينهم ولا يعاملونهم كما يعاملون الأقليات الأخرى وهذا نفس شعورهم تجاه دولة إسرائيل ومواطنيها فكأن دماءهم أغلى من دمائنا عند هؤلاء الغربيين الذين لو وجدت منهم من يمس اليهود بكلمة لاتهم بلا رحمة بمعاداة السامية وأصبح هو الغريب في وطنه والغربيون عامة ليسوا متدنين، فهل نسبة من يقل تعاطفهم مع اليهود بحكم أن هؤلاء يقولون أن المسيح ابن عاهرة أكثر من نسبة المسيحيين الصهاينة الذين يرون أن اليهودية هي أقرب إليهم دينيا من الاسلام؟ وحتى المسيحي الذي يمقت اليهود هل هو لا يمقت المسلمين أكثر أو يفترض أن هجرة اليهود الى إسرائيل تخلصه منهم؟ وهل يجرؤ على أن يتكلم ضد اليهود علنا؟ بينما في العالم العربي بالعكس لن يجرؤ أحد أن يتعاطف مع اسرائيل أو اليهود علنا إلا باستخدام اسم مستعار على الانترنت كما يفعل البعض في هذا النادي..
اللغة العربية لم تقو بفضل الاسلام وحده وهناك مسلمين كثيرين في العالم لا يجيدون العربية ويحفظون كلمات الصلاة عن ظهر قلب دون أن يفهموا معناها بل يحتاجون الى نص آخر يترجمها الى لغتهم في كل مرة يقرأون فيها الدعاء أو الصلاة، بينما تجد مهتمين باللغات يتعلمون العربية وهم من غير المسلمين وستجد من يتكلم الفصحى بطلاقة في مدارس اللغات في لندن .. بل إن المسلمين من غير العرب يخلطون الثقافة والأسماء الإسلامية بثقافتهم المحلية مما يجعل إيقتعها غير عربي، هل ترى أن الأسماء الإسلامية الباكستانية أو الفارسية مثلا لها إيقاع عربي؟ بينما الأسماء المسيحية المعربة لها إيقاع عربي أوضح من أسماء المسلمين غير العرب.
هل يمكن أن توضح لي أكثر كيف يخشى الإسرائيليون فلسطينية فلسطين؟
إيران وتركيا أيضا لا تقعان في قلب العالم العربي جغرافيا مثل إسرائيل وايران بالذات تقع فيما يمكن تسميته الشرق الأدنى.. أنا لا أنكر أيضا عليك انتماءك القطري، التنوع جيد ويخدم مصالح الأمة ولا يلغي وجودها، التنوع والثراء الفكري الذي يجعل الغناء في مصر يختلف عنه في الشام يختلف عنه في العراق والشعر النبطي في الخليج والجزيرة ولكن هذا لا يعني أن تستبدل الانتماء القطري بالانتماء الأممي أو تلغيه به .. أنا لا أعتبر الوحدة العربية حلما لكنني لا أعتبره كذبة كذلك، هو هدف جميل إن تحقق لكنني لن أقطع ملابسي قهرا إن لم يتحقق.. إن كان الأسهل والأكثر عملية أن تعمل على مستوى قطري أو حتى على مستوى انتماء حزبي فلتفعل، لكن لا تتكلم عن الأممية وكأنها الخطر أو البعبع الذي يتهددك .. ربما ما يتهددك هو الجعجعة الفارغة أن نطلق هتافات لا نلتزم بمضمونها ..الخ وإلخ، ويمكنك عندها أن تهاجم هذا لا أن تهاجم الفكرة نفسها..