بسم الله الرحمن الرحيم
لقد تحدثت باختصار عن وجود السنة وتواترها وقد بينت في كلمتي السابقة أنها متواترة كتواتر القرآن أي أن المسلمين أجمعين كما تواتر لديهم عرفاً وجود شيء يسمى القرآن أنزله الله تعالى على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فكذلك فقد تناقل المسلمون جيلاً بعد جيل وجود شيء يسمى السنة وأنها أخبار وتشريعات وأوامر ونواهي صدرت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يوجد مسلمين على وجه الأرض لم يختلفان في وجود هذا التعارف المنتقل من جيل إلى جيل.
كما أن كل مسلم على وجه الأرض تواتر لديه شيء يسمى سورة الفاتحة في القرآن تناقلها المسلمون جيلاً بعد جيل دون انقطاع وكلهم مجمعون على أنه صلى الله عليه وسلم بلغها الناس وكلهم يحفظونها عن ظهر قلب فكذلك فكل مسلم على وجه الأرض يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغ شيئاً يسمى (الأذان) أو (النداء) من الاسم الأعظم في: (ألله أكبر) إلى الاسم الأعظم في: (لا إله إ الله) وكلهم يحفظونه عن ظهر قلب بألفاظه وجمله وبترديداتها وبترتيبها... (هذا على سبيل المثال)
فكما ترى فإن السنة متواترة عرفاً وعملاً كالقرآن العظيم مثلاً بمثل ولا لافرق بين تواتر الفاتحة عند المسلمين عرفاً وعملاً وبين تواتر الأذان حيث أن كليهما تناقله المسلون جيلاً بعد جيلاً جميعهم عن جميعهم، ومن يشكك مكابرة بتواتر الأذان سيشكك تلقائياً بتواتر سورة الفاتحة!
كما أن السنن المتعلقة بقراءة القرآن العظيم كلها متواترة وذلك مثل صيغة الاستعاذة (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) وكونها قبل القراءة وليس بعدها ومثل البسملة، وكذلك سنة التغني في القرآن
أما حجية السنة فإن تواتر صدور أخبار غيبية عن النبي صلى الله عليه وسلم وتشريعات وتواتر قيامه بالعبادات التي أمر بها في القرآن بكيفيات معينة دليل واضح على حجية السنة فلا يستطيع أحد يؤمن أن محمداً رسول الله أن يزعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد صلى بكيفية لم يأمر الله تعالى بها، أو صلى بكيفية تخالف ما أمر الله تعالى به؛ هذا لا يقوله مسلم.
ومع ذلك فقد بين القرآن حجية السنة عموماً بأمره الصريح بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وتحذيره من معصيته وأمره باتباعه مطلقاً والتأسي به مطلقاً وهذا دليل من القرآن على أن ما يصدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كله حجة ووحي من الله تعالى.
بل لقد أكد القرآن صراحة حجية كثير من الأخبار الغيبية والتشريعات التي صدرت عن النبي صلى الله عليه وسلم بعينها.
فمجرد ذكر السنة التي كان يعمل بها النبي صلى الله عليه وسلم هو دليل على أنها حجة وإلا فإن الله تعالى لا يقر الباطل ولا يرضى به: ومن الأمثلة على السنن المذكورة في القرآن صراحة سنة النداء إلى الصلاة (الأذان) قال تعالى (وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعباً) ومنها سنة الاعتكاف في المساجد (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) ومنها أوقات الصلاة ومنها الفجر والعشاء كما في سورة النور ومنها بناء المساجد والصلاة فيها. وكل ذلك لم يرد الأمر بشيء منه في القرآن مطلقاً، ولك أن تفتش المصحف الشريف سورة سورة وصفحة صفحة وآية آية للتثبت من ذلك.
بل هناك أدلة صريحة على تأكيد حجية سنن بعينها صدرت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد رأينا قول الله تعالى في سور البقرة (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه)، وهذا دليل على أن الله تعالى هو الذي جعل القبلة السابقة قبلة للمسلمين ولم يتبعها الرسول من تلقاء نفسه.
كما أن الله تعالى أخبر أنه هو الذي أنزل البشرى بإمداد المؤمنين بالملائكة في المعركة (وما جعله الله إلا بشرى لكم) وقد أكد سبحانه على وجوب المبادرة إلى صلاة الجمعة بمجرد سماع النداء وهذا يعني أن الله تعالى هو الذي أمر بها... وهكذا
بل لقد أكد القرآن صراحة أن النبي صل الله عليه وسلم كان يتلقى وحياً آخر غير القرآن ويتلقى في هذا الوحي أخباراً غيبية ومبشرات وتشريعات...الخ
ومن ذلك قوله تعالى: (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاً قريبا) فهذا دليل قاطع من القرآن على أن النبي صلى الله عليه وسلم تلقى وحياً من خلال الرؤيا يبشره فيها بدخول المسجد الحرام ومن معه من المؤمنين آمنين محلقين ومقصرين (ولم يرد الأمر بالتقصير في القرآن مطلقاً، ووردت الإشارة إلى الحلق في سورة البقرة)...
وليس رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعاً في ذلك فقد آتى الله إبراهيم الصحف ومع ذلك أمره بذبح ابنه في المنام فليس يعني إنزال كتاب على نبي أن الله تعالى قصر الوحي على هذا الكتاب فقط...
والخلاصة أن وجود السنة شيء مقطوع به لا يستطيع أحد إنكاره إلا من جهة المكابرة فقط! ولا أجد الآن ما أظيفه أكثر من ذلك.