Array
ليست المشكلة هنا في خلاف حول شرعية وجود دولة بل المشكلة أن الغرب فرض بالقوة كيان داخل منطقة خارج إرادة شعوبها!
الشعوب بالمنطقة تقاوم هذا الفرض لكن حسب معاير حركتها وقوتها كما أن الجسم يقاوم أي دخيل عليه والمعركة مستمرة ، هل يستطيع الدخيل أن يحطم الجسد أو يتمكن الجسد من إزاحة هذا الدخيل ولفظ هذا الصديد ؟
أنا مؤمن بقوة الشعوب بهذه المنطقة للتخلص من هيمنة الغرب عليها المثل حاليا بأمريكا وننتظر أمرين:
أن يهزم المشروع الأمريكي وبعدها تسقط الصهيونية وتلحق بها الأنظمة المستبدة كأوراق الخريف ، لاحظ أن وجود أمريكا وإسرائيل والأنظمة العربية المستبدة واحد ، وانهزامها سيكون واحدا ، لذلك الأنظمة تعرف ذلك وتريد استمرار هيمنة أمريكا ووجود إسرائيل إن بحل فهذا ليس سيئا ، وإن بغير حل فهذا ليس جيدا ، لأنه بالنهاية يقدم لها خدمات كبيرة ويبقيها مستمرة بالاستبداد الداخلي ( والديوثية ) الخارجية.

الأمر الآخر أن تنتفض الشعوب على الأنظمة المستبدة وبالتالي تسقط الهيمنة الأمريكية والمشروع الصهيوني.

طبعا سيكون هناك بالحالتين وليد يخرج من حركة هذه الشعوب قادر أن يحقق ذاته وطموحاته ويعيد قوته ومجده المنشود.
[/quote]

هذا الكلام الذي تفضلت به، هو خطبة سياسية ممزوجة ببعض المعطيات التاريخية.

لو تصفحنا تاريخ المشرق العربي، لوجدناه منذ قديم الأزلي يقرر عدم تدخل الشعوب أبدا في تخيّر حكامها، بل "الفرض بالقوّة" كان هو المحدد لتشكل الدويلات والامبراطوريات. فكما أن بريطانيا مهدت لقيام دولة إسرائيل دون رغبة من أهلها، فهي أيضا التي مهدت لقيام الدولة الهاشمية العربية بالفرض بمصادرة لحقوق الأكراد والأرمن في المنطقة. نجاح تجربة اسرائيل، وتمزق التجربة الهاشمية وانحسارها في دولة الأردن، سببه الفارق الجوهري بين التجربتين: في أن الأولى فرض سلطة حاكمة على شعوب متعددة، في حين أن الأخرى فرض سلطة حاكمة ومادة بشرية موالية له.. بالاضافة لتغير الاستراتيجيات الدولية، واختلاف درجة "الوعي" لدى أفراد التجربتين ...إلخ.

كل المشاكل المشرقية تعود إلى قضية جوهرية وهي أن التقسيم لم يبن على معرفة معمقة بالطبيعة الديمغرافية لهذه المناطق، ولا على السعي لتحقيق رغباتها. والجانب الآخر من القضية هو نقل نموذج الدولة القومية، الغير قابل للتطبيق في مناطق متداخلة القوميات ومتمازجة. وهذا هو الفارق الرئيسي: بين الدويلات التي نشأت نتيجة سايكس -بيكو ومعاهدة سيفر، وبين الدويلات التي نتجت عن تمزق الامبراطورية العباسية.

ففي الأخيرة، كانت الصيغة واضحة: قبيلة محاربة تغتصب السلطة، تستمد شرعيتها من السيف والانتساب للخلافة الرمزية، وتقف أمام التنوع العرقي والطائفي موقفا يقترب من الحياد، لأنها لا تدعي أبدا أنها ممثلة له، أي أنها لا تدعي أنها دولة قومية... فلا تتدخل فيه إلا بالمقدار الذي يكرس لها سلطتها. أما بعد تبني الصيغة القومية، نجد أن الدول التي تولدت عن سقوط الامبراطورية العثمانية باتت تظهر بمظهر متناقض صارخ: فجماعة مسلحة تغتصب السلطة، وتستمد شرعيتها من السلاح والاحتماء بعاصمة قطبية (موسكو أو واشنطن)، لكنها لا تعترف بهذا، بل تصور نفسها على أنها دولة قومية تستمد شرعيتها من الشعب نفسه.. وهنا تنزع إلى عملية تنميط الشعب، وتتدخل في تشكيلته، وتقمع كل هوية تتعارض مع الصورة القومية التي تتبناها، فتبرز بشكل حاد لم يكن موجودا من قبل صراع رهيب بين هويات دينية وإثنية لم تكن من قبل موجودة.

والسؤال المطروح: هل المطلوب إجلاء اليهود عن فلسطين؟ أم أن يعيش الجميع، جميع شعوب المنطقة، بحرية وأمن وعدل وكرامة؟ ولا أعتقد أن الأخيرة لا طريق لها إلا من الأولى.

أما ما تفضلت به من معادلة سحرية: "انهيار أمريكا => انهيار اسرائيل => انهيار الأنظمة" قد يكون صحيحا، لكنه لا يضمن العدل والامن والرفاه والكرامة للشعوب، لأن العامل الخارجي ليس هو "كل المشكلة" بل هناك المركب الذي دعاه مالك بن نبي "القابلية للاستعمار" وهو مركب يعود للثقافة نفسها، لطبيعة العلاقات الاجتماعية، للموروث وللتركيبة الاقتصادية ...إلخ.

شكرا لك