كنت أتساءل منذ فترة لماذا توقفت مصر عن تخريج عمالقة في مختلف الفنون منذ السبعينات؟!..

لقد صدرت مصر في فترة من 1900 وحتى الثمانينات الأصول القانونية اللاتينية التي أخذتها من فرنسا وتأثرت بها جميع الدول العربية باستثناء ليبيا بعد وصول القذافي على الرغم من أن دولة عربية كالعراق كانت تاريخياً أصل كل القوانين منذ وثيقة حمورابي..

ولأطرح مثالاً على ذلك، عملاق كالعلامة الفقيه القانوني عبدالرزاق باشا السنهوري الذي لم يعرف له العرب مثيلاً في مجال القانون فأخذ منه فقهاء فرنسا وبريطانيا، وابتكر نظريات وتساؤلات قانونية لم يسبقه إليه فيها أحد، فشارك في كتابة الدستور المصري وأسس القانون المدني المصري ومذكرته الإيضاحية وشروحه (الوسيط) و(الوجيز) والقانون المدني العراقي ومذكرته الإيضاحية والقانون المدني السوري ومذكرته الإيضاحية وقانون البينات بما فيه من قواعد الإثبات الموضوعية والإجرائية ودستور دولة الكويت وقوانينها: التجاري والجنائي والإجراءات الجنائية والمرافعات وقانون الشركات وقوانين عقود المقاولة، والوكالة عن المسئولية التقصيرية وعن كل الفروع وهي التي جمعت فيما بعد في القانون المدني الكويتي والقانون المدني الليبي ومذكرته الإيضاحية دستور دولة السودان ودستور دولة الإمارات العربية المتحدة..

والعلامة العميد سليمان الطماوي الذي أسس القانون الإداري بقضائه الإداري المتمثل في مجلس الدولة المصري والذي لم يكتب أحد في هذا الفرع كما كتب رحمه الله تعالى، ولا يمكن أن تجد مؤلف أو رسالة ماجستير أو دكتوراه في العالم العربي أو في فرنسا فقرة مقتبسة أو جملة مستشهداً فيها بهذا الفقيه..

وفي مجال القانون الجنائي محمود نجيب حسني، على الرغم من قلة مؤلفاته إلا أنك لا يمكن أن تجد من كتب بأسلوبه الذي يجعل لكل كلمة مكانها..

ولازال هناك عمالقة في مجال القانون العام مثل الدكتور محمود عاطف البنا الذي أبدع في القانون الدستوري والإداري مع ان الدكتور رمزي الشاعر يعتبر من جيل العمالقة إلا أن إيدلوجيته الموالية للحكام العرب تقلل من شأنه..

أما في مجال القانون الدولي الخاص فلم تلد مصر مثل الراحل العميد الدكتور هشام صادق رحمه الله..

وهناك دكتور لا يحضرني اسمه درس الدكتوراه في جامعة باريس كحال المذكورين أعلاه على الرغم من أن البعثة انقطعت عنه لأسباب مالية إلا أنه استطاع إكمال رسالته بصعوبة بالغة وكانت نتيجة رسالته تغيير تشريع كامل في القانون الفرنسي..

وغيرهم، لكن هؤلاء أبرزهم..

فلماذا توقف تدفق هذا النهر الذي يجب ان يكون خالداً؟!..