ماذا لو كان توماس اديسون الذي فشل أكثر من 900 مرة قبل أن ينير العالم بمصباحه الكهربائي و اسحق نيوتن مكتشف قوانين الجاذبية مسلمين؟ دعونا نتخيل:

يفتح باب المعمل الخشبي و يلج منه شيخ بليحة كثيفة يتخللها الشيب في بعض أجزائها يرتدي جلباباً أبيضاً قد استطال حتى منتصف ساقه وقد بان من تحته سروالاً أبيضاً يصل إلى كعبي قدميه. يجول بنظره داخل المعمل القديم ذو الجدران الطينية شبه المعتم لولا شموعاً بددت الظلام تبديداً جزئياً جعلته يرى مكان جلوس تلاميذه ومعاونيه الثلاثة. ويدعو الله في سره بأن يلهمه الوصول لما يطمح إليه من صنع مصباح يحول ظلمات الليل إلى نور.
يقطع عليه دعاءه صوت أحد تلاميذه قائلاً:
- السلام عليك يا شيخنا. مالي أراك شارداً؟
- السلام عليكم يا إخوتي. هل من جديد؟
- لقد أضفنا التعديلات على التجربة كما أمرتنا ولكن بدون جدوى. يبدو يا شيخنا أننا لن نصل إلى شيء. هذه هي المرة الخامسة التي نعيد فيها التجربة و في كل مرة ندخل عليها من التعديلات ما ألهمك الله إليه من علمه. لقد أرهقنا التعب يا شيخنا و أخذ منا كل مأخذ.
– الصبر يا إخوتي الصبر, فوالله لن يخذلنا الله أبداً. إنها رؤيا من الله أرانيها, وقد فسرها لي أحد الإخوة الذين فتح الله عليهم من العلم. نحسبه كذلك و لا نزكي على الله أحداً.
– و ماذا أراك الله و كيف فسره لك الأخ يا شيخنا؟
- لقد رأيتني أقف في ظلمات الليل وسط الفيافي وفي القفار, فيخرج من وجهي شعاع أحال الظلمات إلى نور.
– و ماذا كان تفسير تلك الرؤيا المباركة يا شيخنا؟
- لقد قال لي الأخ مما فتح الله عليه من العلم بأن هذا النور هو نور العلم الذي علمنيه ربي وأنني لا بد وأن أقوم بعمل عظيم يكون له صدى كمن يبدد ظلمات الليل فيحيلها نهاراً.
– تبارك الله. ما أجملها من رؤيا.
– لذلك يا إخوتي وقع خياري عليكم لتكوني عوناً لي لما عرفته من صالح خلقكم و غزارة علمكم في دينكم و دنياكم.
– و لكننا يا شيخنا قد فشلنا خمس مرات.
– لا عليكم يا إخوتي. فإنني اليلة إن شاء الله سوف أتوجه إلى الله بالقنوت و بالدعاء. و سوف إلح على ربي بدعائي عله يهديني لما فيه الخير لي و لكم بإذنه تعالى.
– بالله عليك لا تحرمنا أجر القنوت يا شيخنا. و لنذهب سوية إلى المصلى فندعوا الله أن يرينا من أمرنا رشداً.

*************

بدأ الشيخ وتلاميذه صلاتهم في ركن من أركان المصلى فأطالوا الدعاء في كل ركوع و كل سجود حتى طالت بهم الصلاة إلى ما بعد انتصاف الليل.
– السلام عليكم ورحمة الله ----- السلام عليكم و رحمة الله
سلم التلاميذ خلف شيخهم معلنين نهاية الصلاة و نظروا إلى شيخهم فإذا به ينظر إلى ركن من أركان المصلى و قد على صفاء وجهه ابتسامة. استدار الشيخ باسماً وقال لتلاميذه:
- تقبل الله يا إخوتي.
– تقبل الله يا شيخنا
– أنظروا يا إخوتي إلى ذلك الركن. إنه الشيخ اسحق. لابد وأنه معتكف في المصلى يفكر و يدعو الله أن يهديه إلى المزيد من علمه.
– الحمد لله يا شيخنا. لابد و أن الله استجاب لدعائنا فسخر لنا أن نلتقي بالشيخ اسحق في هذه الليلة لعل عنده ما ينير لنا به الدرب و يهدينا به إلى صراطٍ مستقيم.
يقترب الشيخ اديسون من الركن حيث يجلس الشيخ اسحق فيدنو منه محاذراً أن يقطع عليه أفكاره. فإذا بالشيخ اسحق يلتفت إليه و ينظر في وجهه ثم يلتفت أمامه كمن لا يعبأ بمن رأى.
– السلام عليك يا شيخ اسحق.
– و على من اتبع الهدى السلام و رحمة الله و بركاته.
– أعوذ بالله! و هل أنا ممن لا يتبع الهدى يا شيخ اسحق؟!
– الله تعالى أعلم. "و يعلم ما يسرون وما يعلنون"
- ماذا هنالك يا شيخنا؟ إني لا أفهمك. هل بدر مني ما جعلك تظن بأني قد حدت عن الهدى؟
- إجلس يا اديسون و استمع إلي.
يجلس الشيخ اديسون و قد علت وجهه مظاهر الحيرة والريبة مما سمع من معلمه وشيخه.
– تفضل يا شيخي كلي آذان صاغية.
– يا اديسون. لقد نما إلي أنك تحاول أن تصنع مصباحاً يبدد الظلام و يحيل الليل إلى نهار. فما أنت قائل في هذا؟
- أجل يا شيخي هذا هو بالفعل ما أحاول صنعه.
– أوتجهر بقولها يا أديسون؟ أما علمت أنك بهذا تتطاول على من خلقك من ماء مهين.
– ماعاذ الله يا شيخنا. والله ما خطر لي ذلك البته. ولو علمت بأن في هذا تطاول على رب العزة لتمنيت الموت قبل أن أفعل.
– لكنك قد فعلت. أما عرفت بأن الله نور السمـوات والأرض, و أنه خلق الليل سباتاً وخلق السمـوات وأنارها بالأقمار و بالنجوم و بالكواكب؟ هل كنت تحسب أن الله عاجز- والعياذ بالله- عن خلق الضياء بالليل كما بالنهار فأردت أن تغير في خلق الله وناموسه؟ يا اديسون يقول الله في محكم تنزيله " فتبارك الله أحسن الخالقين" فهل أنت في ريب من ذلك حتى تعدل من خلقه تعالى؟
- أعوذ بالله من سخطه ومن غضبه. والله ما فكرت في كل هذا و لكني أردت أن أصنع شيئاً يفيد الناس في معاشهم و ينير لياليهم فأنال ثوابي من الله و المجد والأجر من الناس.
– تنير لياليهم فتلهيهم عن نومهم فيثقل الشيطان أجفانهم فيضيعوا صلاة الفجر؟! لو كان في عملك هذا ما فيه خير للناس لأوحى الله إلى نبيه أو ألهم أحد أصحاب نبيه ليقوم فيه. أما قال رسول الله " خير العصور عصري". يا اديسون من استن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة. فاخـش يوماً تقف فيه أمام الله و قد حُملت وزر كل من ثقلت جفونه عن صلاة الفجر. ووزر من فتنته مصابيحك فكفر بقوله تعالى" و لقد زينا السماء الدنيا بمصابيح و جعلناها رجوماً للشياطين". أما أجرك من الناس فرزقكم في السماء و ما توعدون. و لك في قصتي آية:-
كنت أجلس في بستان فاكهة آتت أكلها بإذن الله بعد قطاف الزراع لثمره وانصرافهم فرحين بما رزقهم الله به, فلا يظن عاقل أن رزقاً قد بقي للطير أو للإنس على أي من الشجر. ولكن تفاحة سقطت فوق رأسي قد أنسى الله الزراع قطفها لتكون رزقاً لي من الرحمن من حيث لا أحتسب. فهل أنت من ريب في قدرة الله على رزقك؟
- و ماذا عن الرؤيا و تأويلها يا شيخي؟
وقص عليه رؤياه وما أولت إليه فقال الشيخ اسحق:
- يا اديسون. والله ما كذبك من أولها لك, ولكنك أسأت فهم تأويله فرحت تتطاول على من خلقك بدل الدعوة إلى دينه فتخرج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الأيمان فينير الله وجهك بذلك نوراً من نوره تعالى.
نظر الشيخ اديسون في وجه شيخه الجليل و قبل رأسه حمداً وإجلالاً و قال:-
الحمد لله الذي هداني لهذا وما كنت لأهتدي لولا أن هداني الله. جزاك الله عني خيراً يا شيخي فقد كنت من الهالكين لولا أن سخر الله لي علمك و سعة أفقك. ثم رفع يديه حتى بان بياض إبطه و قال: " سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا وزدنا علماً و تقاً وورعاً ياالله".

تمت

عن إذنكم أطفي الشمعة و أنام

ضياء

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	نهفات الشيخ أبو الإيمان	ابن فلسطين	31	6,289	12-06-2013, 04:43 PM آخر رد: ابن فلسطين
	إلى شيخ الألغاز .. الشيخ محمد بن راشد	زمان	1	1,032	10-03-2007, 05:43 AM آخر رد: زمان
	الشيخ.. والجن.. والجنس	arfan	3	1,958	05-29-2005, 05:00 PM آخر رد: خالد