امتداد لقصتي مع الشيخ اول نشر لي بالنادي الشامخ
أما من يصر منا نحن المسلمون المؤمنون بعون الله على أن القرآن الكريم لا يمكن أن ننسخه الآن بمعنى ان نزيل احكامه ونأخذ باحكام غير أحكامه تبعًا لبيئآتنا وعصورنا، فإن الكاتب لم يغفل هذا فكتب مشككًا في سلامة القرآن الكريم الحالي وأنه نص غير موثوق به بالمرة متناسيًّا توارث المسلمين لكتاب ربهم عبر التلقين والحفظ على يد مشايخ القرآن الكريم جيلًا بعد جيل لا عبر الكتب والمخطوطات. ويرى أن المسلمين هو الذين رتبوا سور القرآن الكريم بل وهم الذين رتبوا آياته داخل سوره مما أدى إلى تداخل المكي بالمدني. ويطعن في القراءات ويقول أن فيها ما يخالف المصحف العثماني الذي لا يؤمن به أصلًا. يقول ناقلًا عن المستشرقين وغيرهم:
ص307 وما بعدها: "ويبدو أن الرواية السُنَّية الرسمية التي أسست لتاريخ المصحف لم تصمد أمام النقدين الفيلولوجي والتاريخي اللذين قام بهما المستشرقون وغيرهم من الباحثين المعاصرين (انظر على سبيل المثال:
John Burton, The Collection of the Quran, Cambridge University Press, 1077, pp. 160 – 189).
فالمعلومات الخاصة بتكون المصحف لا يمكن التاكد من صحتها التاريخية ، خاصة بعد انعدام كل أثر مادي متعلق بمصاحف الصحابة وبالمصحف العثماني تحديدًا (إن أقدم قطعة مخطوطة من القرآن مكتوبة على الرق موجودة اليوم بمكتبة باريس الوطنية تحت عدد 1654. ويعود تاريخ القطعة إلى القرن الثاني الهجري. انظر: محمد حسين الصغير، المستشرقون والدراسات القرآنية، طبعة أولى، بيروت، 1983، ص65. وحسب سولانج أوري (Solange Ory) لا شيء يؤكد أن المصحف المحفوظ اليوم بمتحف توب كابي سراي Top Kapi Saray بأسطنبول هو فعلًا مصحف عثمان أو علي مثلما يعتقد الكثير من المسلمين. راجع:
Du Coran recite au Coran calligigraphie, in: Arabica, Tome 47, Leiden, 2000, p.369.)
ويظهر أن البدء في تدوين أجزاء من الوحي كان بالمدينة وبدافع شخصي من بعض الصحابة رغبة منهم في الاحتفاظ بشيء مما تضمنه القرآن من أحكام مهمة او ادعية. ومن المرجح أن جمع أبي بكر للقرىن معبّر، في الأصل، عن مبادرة فردية (انظر: A. Jeffery, Materials for the history of the text of the Quran, op, cit., pp. 6-7)، إذ من غير المعقول، في رأي بعض المستشرقين، ألا يكون لقائد الأمة الإسلامية مصحف خاص به والحال أن بحوزة عديد الصحابة مصاحفهم الشخصية (راجع R. Blachere, Introduction au Coran, op. cit., p. 34).
وما استقر في الوجدان الإسلامي أن ما جمع من القرآن هو الوحي برمته لم يضع منه شيء، ولم يطرأ عليه أي تغيير بالزيادة أو النقصان. وهذا التصور تناقضه أخبار عديدة تناقلتها المصادر السنية نفسها (السيوطي، الإتقان، م.م.، ج: 1، ص166، وج: III، ص72. وفي هذا السياق ترى الشيعة أن أئمتهم فقط لهم علم بالنازل من القرآن الكريم كله. وحسبنا القول المنسوب إلى جعفر الباقر (تـ 114هـ): "ما ادعى احد من الناس أنه جمع القرآن كله كما انزل إلا كذّاب. وما جمعه وحفظه كما انزله الله تعالى إلا علي بن أبي طالب (ع) والأئمة من بعده". الكليني (تـ 329هـ)، الأصول من الكافي، تحقيق: محمد الأخوندي، طبعة أولى، طهران، 1954، ج: 1، ص228). فما قيل في سورة الأحزاب 33 معروف ومشهور بين الدارسين. وإذا ما صحت هذه الأخبار، فإن ذلك يحوج إلى إعادة النظر في حقيقة الوحي وتاريخ المصحف والأسس التي قام عليها مفهوم النسخ في القرآن........... وفضلًا عن ذلك كله، فإن إيجاد المصحف الرسمي وإحراق ما خالفه من المصاحف لم يحصل حوله إجماع (إن الحملة الشديدة التي شنها ابن مسعود على عثمان وزيد بن ثابت (تـ 45هـ) معروفة. انظر: .......... ويُروي أن أهل الكوفة سَمُّوا عثمان بـ "حرَّاق المصاحف" تحقيرًا له....). أضف إلى ذلك ما قيل في شأن اختلاف مصاحف الصحابة في ما تضمنته من مادة الوحي (نقصد بالخصوص مصحفي أبي بن كعب (تـ 21هـ) وابن مسعود. راجع: ......... والدارس اليوم لا تقنعه تبريرات القدامى لما في هذين المصحفين من زيادة في السور أو نقصان منها مقارنة بالمصحف الإمام. انظر: ........ ويمكن العودة إلى فصل:
Frederick Leehmuis, Codices of the Qur’an, in: Encyclopaedia of the Qur’an, Vol I, pp. 347 – 351).
إن ما أثرناه من إشكاليات مرتبطة بتاريخ المصحف ينبغي أن تكون حاضرة في أذهاننا حتى نلم بالخلفية التاريخية وبالإطار المعرفي اللذين تم في ضوئهما الانتقال النهائي من "القرآن" خطابًا شفويًّا إلى "المصحف" نصًّا ثابتًا ..... وقد ترتب على هذا الانتقال قطيعة بينهما مزدوجة: زمانية وشكلية. وعندئذٍ لم يعد لنا منفذ على الوحي في صورته الأولى التي كان عليها أول ما نزل. فافتقدنا اللحظة العفوية المنبثقة عن الرسالة زمن نزولها. ولعل هذه الصورة الأولى للوحي كانت منسجمة إلى حد بعيد مع الدلالة الأصلية للقرآن (يرى بعض الدارسين أن كلمة "قرآن" متاتية من السريانية Qaryana وتعني عند النصارى السريان "القراءة الطقوسية للكتابة المقدسة. راجع:
Alfred-Louis De Premare, Les Textes, musulmans dans leur environnement, in: Arabica, Tome 47, Leiden, 2000, p. 400)، بما أن هذا اللفظ "لا يصح أن يطلق إلا على الرسالة الشفوية التي بلغها الرسول إلى الجماعة التي عاصرته".
ص 318: ترتيب الآيات داخل السور:
شدد علماء القرآن على أن ترتيب الآيات داخل السور توقيفي. ونال هذا الموقف منزلة إجماع الأمة الإسلامية عليه. ومُنِع القول بخلافه منعًا مطلقًا. وساد الاعتقاد بأن "الآية وإن كانت نازلة على ترتيب غير الذي هو مكتوب، ولكن الترتيب المكتوب عليه القرآن بأمر الله، فإنه بأمر الرسول كُتِب ذلك. و أمر الرسول من أمر الله، وذلك متحقق من سنن الترتيب الذي فيه."
غير أن أخبارًا كثيرة وردت في المصادر السنية تطعن في هذا الموقف من أساسه. فقد مر بنا آنفًا قول زيد بن ثابت عندما عُرِضت عليه آيتان من سورة التوبة. ويبدو أن ابن حجر العسقلاني قد انتبه إلى ذلك. فعلق على الخبر قائلًا: "زاهر هذا أنهم كانوا يؤلفون آيات السور باجتهاداتهم (السيوطي، الاتقان، م.م، ج: 1، ص 174)."
ص370: وعندما تدبرنا أثر أسباب النزول في القراءات، تأكد لدينا استناد المفسرين وعلماء القرآن إلى تلك الأسباب لتبرير القراءات الموافقة للمصحف العثماني في غالب الأحيان، والمخالفة له في بعض الأوقات.... ومما يدل على توظيفهم للأخبار توظيفًا مخصوصًا أنهم اتخذوا من أسباب النزول مبررًا للقراءات المخالفة للمصحف العثماني.... وقد خلصنا في هذا المشغل إلى أن توظيف القدامى لأسباب النزول لفرض قراءة معينة للنص الديني مستجيبة للدلالة المطلوبة منه قد أفرز تسييجًا لإمكانات التحاور مع القرآن." أ. هـ
|
بحث
قائمة الأعضاء
التقويم
وثائق المساعدة
/
امتداد لقصتي مع الشيخ اول نشر لي بالنادي الشامخ
