إبراهيم يتحدث عن قصص حدثت معه أو لناس يعرفهم ويحدثنا للأسف في هذا الموضوع كـ"قطقط" في موضوع آخر عن "الشعور بالعرفان". كذلك فإن أغلبيتنا لهم أصدقاء في السعودية ومن ناحيتي الأمر كذلك ولكن في نقاش فكري حول دور النظام السعودي وقواه وفعالياته في العالم العربي علينا أن ننحي هذه القصص الشخصية والمعارف لحساب الأفكار والوقائع التاريخية. يعني مثلاً مهما كانت نسبة المصريين الذين يعملون في السعودية ودول الخليج فإن الأغلبية الساحقة من المصريين يعملون في مصر، أليس كذلك؟ وإلا فماذا يعني أن مصر يقطن بها 70 مليون "بني آدم"؟

بالطبع للسعودية دور مركزي في منطقة الشرق الأوسط ولا سيما المنطقة العربية منها، ولكنه في غالبيته دورٌ سلبي، ولكن هذا الدور ليس بسيطاً وليس باتجاه واحد.
فالسعودية الباحثة عن شرعيتها في عالم يتغير ويتحول في فوضى الشرق الأوسط وتشكل دوله كانت خائفة مرتعدة من التيارات القومية واليسارية والتي كان لها بعض التأثير الضاغط على بنيتها الداخلية، فارتبطت وتحالفت موضوعياً مع أمريكا في حملة لتحييد هذه القوى الجارفة في العالم العربي.
ولكن الأصولية الإسلامية ليست سعودية المنشأ، والتيار العنيف خصوصاً فيها هو تيار عربي/شمالي أي مصري وشامي خصوصاً، فالإسلام الأصولي من حسن البنا وحركة الأخوان المسلمين حتى الظواهري مروراً بسيد قطب وغيرهم لم يكونوا وهابيين عداك عن المودودي الباكستاني. الذي حدث هو تحالف تمازج بين أصولية فكرية أيدولوجية حديثة لتأصيل إسلام العنف مع البترودلولار وإسلام وهابي تقليدي صارم ومتزمت، فنشأ مسخ جديد يملك المال ومجموعة كبيرة من الروافد الفكرية التي تعرفت على الغرب أيضاً واستطاعت تشكيل قوة جارفة، الإسلام الوهابي لوحده لم يكن بقادرٍ على اختراق أي مجتمع مسلم، لأنه خاص بالسعودية وتشكيلتها وثورتها الحديثة، والإسلام الوهابي إسلام محيّد سياسياً ومؤمن بالرضوخ للحاكم أو ولي الأمر وعدم الخروج عليه.

السعودية الخائفة المرتعدة تحالفت مع الشيطان من حيث لم تحتسب، فهي احتضنت القوى الإسلامية الأكثر راديكالية في الدول "الثورية/اليسارية" وما لبثت تلك أن شكلت مع صيغتها المتزمتة تياراً جديداً شكل مارداً إسلامياً خرج عن طوق سيطرتها وارتد عليها وعلى أمريكا التي أيضاً كانت ترى بهذا التيار سداً مانعاً أمام المد الشيوعي/اليساري/القومي في تلك الدول. حتى إسرائيل كانت ترى في تلك التيارات الإسلامية قوى مسالمة و"دروشة" دينية غير ضارة ومضعفة للمقاومة الفلسطينية الوطنية/القومية/ اليسارية.

وللحديث بقية.
تحياتي
(f)