بالأمس قضينا ساعات وساعات في المكتبة أنهكت زوجتي إلى أن جمعنا عدد ضخم من الكتب للاستعارة من بينها كتاب "اللمعات" بالإنكليزية. كم كنت أتمنى لو أني أتقن الفارسية وأترجم الكتاب عن الفارسية إلى العربية مباشرة ولكني للأسف الشديد وبكل خجل لا أتقنها ولا أعرف منها سوى الأبجدية وأساسيات الكلام. في هذا الموضوع سنقطف بعض الأزاهير وربما ترجمت الكتاب كله من الإنكليزية إلى العربية معتمداً على تصحيح مشايخي مثل "الأزهري" و"يجعله عامر" وغيرهم ممن يسعون معي لاستقامة اللفظ العربي ورده لروحه الإسلامية الصوفية الفارسية الحقيقية قدر المستطاع. كلامنا سيتدفق من أحشاء فخر الدين العراقي والمشار إليه أحياناً بإسم "العراقي" صاحب التحفة النثرية والمعروفة بإسم "اللمعات" Divine Flashes. شاعرنا فارسي المولد حيث ولد في همدان و قد قضى بعض الوقت في الهند ولا سيما مدينة مولتان والتي عرفت فيما بعد بإسم باكستان، كما أنه قضى جزءًا من الوقت في كونيا وتوقات والتي تعرف حالياً بإسم تركيا. ذاع صيته في كل الديار الإسلامية المشرقية حتى أثناء حياته وتعد كتاباته من بين ذخائر التراث الصوفي حيثما صارت اللغة الفارسية محل النطق أو الكتابة من تركيا إلى سائر أصقاع الهند. إنه بحق من صفوة وخيرة شعراء الفارسيين وفنان بارز من الطراز الأول ممن بلغوا أعلى مراقي الإدراك الروحي في الإرث الصوفي.

وقد عاش العراقي أثناء القرن السابع/ الثالث عشر حينما كانت النهضة الإسلامية في أعلى ذروتها الروحية مبشرة بمجيء زمان يعلو صداه مؤذنا بفجر الإسلام. وقد عاصر عمالقة التصوف مثل ابن عربي ومولانا جلال الدين الرومي وصدر الدين قنوي ونجم الدين كوبرا وأبو الحسن الشاذلي؛ تلك الكوكبة من الرجال الذين تتوج تعاليمهم التراث الروحاني الإسلامي خير تتويج إلى يومنا هذا. لقد كان مميزاً كأحد مشاعل النور في فترة وضاءة منيرة لا يزال ضيائها يخلب الأبصار ويسلب القلوب حتى بعد سبع قرون تلت.

والعراقي كان رجلاً ككثير من السادة الصوفيين المعلمين المعروفين قد تهذب تهذيباً راقياً في مناحي الدين والأدب كليهما. كان ضليعاً في القرآن الكريم والحديث والتفسير وعلم الكلام. أيضا انثقفت الآداب الفارسية والعربية في ذهنه وفي مقدمتها أعمال الصوفيين الأوائل وكثيراً ما أشار في كتاباته إلى شخصيات معروفة مثل بايزيد والحلاج وأبو الحسن الخارقاني والسنائي Sana`i وآخرون يشهدون بمعرفته الحميمة بكتابات الصوفية المبكرة كما أن إشاراته المتكررة إلى القرآن الكريم والحديث تظهر اضطلاعه الواسع وتشربه بمصادر التراث الإسلامي العديدة.

ولي عودة.

(f)