Array
للاجابة على هذا السؤال لابد من العودة الى الوراء الى ماقبل الحرب العالمية الاولى وحينما كان العرب جزء من تركيا وتحت امر السلطان اعلى الله مقامه.

كانت بريطانيا تحاول ان تسقط الدولة التركية ولم يكن من ضير من استخدام العرب كورقة داخلية لتهديم الدولة التركية الفاسدة والضعيفة والمنهارة اصلاً، كان البريطانيون يحاولون تنمية الحس القومي عند العرب باعتبار انهم قومية مختلفة عن الاتراك فلماذا يرضون بحكم التركي؟

البريطانيون عرفوا العرب الى مفهايم جديدة لم يسمعو بها في حياتهم مثل مفهوم الوطنية اذ لم يكن هناك مفهوم وطن في فكر العرب قبل هذا بل كان الناس يتحدثون عن بيضة الاسلام ومصطلحات شبيهة بهذه.

طيب هنا حصل تلاقح فكري بين افكار غربية متمثلة بالوطنية والحرية والديموقراطية والعدالة والمساواة بين الرجل والمرأة مع الفكر الاسلامي، فصار عندنا فكر اسلامي وطني او نظرية اسلام دولة او بكلمات اخرى دول اسلامية.

والحديث طويل في شرح خطوات ما حدث ولكن هذه كانت الخطوة الاولى.
[/quote]

لا، لم تكن هذه الخطوات الأولى، بل هذا ابتسار للتاريخ ولعب به عن جهل أو عن تجاهل (لا أدري، ولا أريد أن أظلمك)، ولكن:

العروبة في الفكر العربي موجودة قبل الإسلام ولما تنطفيء جذوتها حتى اليوم. عرفنا هذا في "وقعة ذي قار" عندما ثبت العرب أمام الفرس تحت راية عربية. وعرفنا هذا أيام الدولة الأموية، وعرفناه من جديد من خلال النزعة "الشعوبية" في العصر العباسي، ثم عدنا كي نعرفه في القرن التاسع عشر متأثرين بإرث الثورة الفرنسية ومفهوم القومية المتطور في أوروبا.

كيف نعلم هذا؟ التاريخ طبعاً يقوله بعض الشيء، ولكن الأدب العربي يقوله صراحة. إذ ليس سراً مثلاً أن الدولة الأموية كانت عربية صليبة تعظم العنصر العربي وتجلّه وتوقره، كما يلاحظ "الجاحظ"، بل انك كنت ترى العربي يأبى أن يجتمع "بالأعاجم" ولو في الجنة (كما يشير "المبرد" في "الكامل").
ولكن هذه الإشارات الصغيرة تبدأ بالظهور واضحة في نزاع العرب والفرس في دولة بني العباس. حتى لتجد "بشار وأبو نواس" (وهم من الشعوبيين) يستطيرون في "هجاء العرب" هجاء عنصرياً عرقياً. وقصيدة بشار التي يقول فيها عن أحد الأعراب "وينسيه المكارم صيد فار" مشهورة معروفة. وقصائد "أبي نواس" مثل "عاج الشقي" لا تترك لنا مجالاً للشك. فأنت لو سمعته يقول:
عاج الشقي على رسم يسائله
وعجت أسأل عن خمارة البلد
يبكي على طلل الماضين من أسد
لا در درك قل لي من بنو أسد
ومن تميم ومن قيس ولفهما
ليس الأعاريب عند الله من أحد

أنت لو سمعته يقول هذا لأدركت تمام الإدراك أي معركة كانت ناشبة بين العرب وخصومهم في ذلك العصر. وأنت لو عرفت بعدها أن "الجاحظ" ألف كتاباً أدبياً كاملاً عن "العصا"، علامة التراث العربي في أفواه الشعوبيين، لعلمت بأن "النعرة القومية" كانت تصول وتجول في دماء العرب الذين بدأ نجمهم بالأفول تدريجياً منذ أيام "المعتصم" (كتاب "العصا" هو جزء من "البيان والتبيين" - أظنه الكتاب الثالث من مؤلف الجاحظ العظيم -).

النعرة العرقية العربية (التي ستتطعم بالقومية الأوروبية) موجودة إذاً قديماً، ولو شئنا أن نبحث بعد الجاحظ لرأيناها تسري في شعر "المتنبي" سريان العذوبة في الماء. فأنت لن تراها فقط في قصيدته " مغاني الشعب طيباً في المغاني" ولكنك سوف تجدها في جميع أطوار حياته، ولعل أستاذنا "أنيس المقدسي" أعطى للنزعة العروبية في شعر المتنبي ما تستحق في كتابه القيم عن "أمراء الشعر العربي في العصر العباسي".

النزعة القومية العربية موجودة منذ قرون طويلة عند العرب، ولم ينتظر هؤلاء البريطانيين كي يتعلموها منهم، بل استفاقوا لها وأيقظوها معهم قبل أن يفكر "خنازير الأنجلو سكسون" بالحرب العالمية الأولى. فلقد عادت العروبة كي تعي ذاتها وتتقد من جديد مع أول "عصر النهضة" في القرن التاسع عشر. والتصدي للحكم التركي صدر في أواخر القرن التاسع عشر مع جماعات مشهورة في بلاد الشام مثل "جماعة بيروت السرية" قبل أن يتصل "هنري مكماهون" "بالشريف حسين" بعقود. وقصيدة "ابراهيم اليازجي" "تنبهوا واستفيقوا أيها العرب" كانت تعلق في أزقة بيروت وشوارعها ايام "الاستبداد الحميدي" وقبل "سايكس بيكو" بأكثر من عشرين سنة (هناك كتاب جميل يشرح هذا كله بالتفصيل هو كتاب "جورج أنطونيوس" "يقظة العرب" الذي صدر عن مؤسسة فرانكلين للنشر، ولعلك تجده أكثر عند "زين نور الدين زين" في مؤلفه الصغير الجميل عن القومية العربية - المؤسسة العربية للدراسات والنشر كما أذكر -)... و"الحديث يطول، وأنا الليلة مشغول" ...

واسلم لي
العلماني